مقالات

كيف تقضي على القضية الفلسطينية ؟ – ولماذا نرغب في إزالة دولة إسرائيل ؟

إذا كنت من أنصار رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني، والمؤيدين لخيار المقاومة لتحرير كامل الأرض فيمكنك أن تسهم في القضاء على القضية الفلسطينية إن أدرت حوارا مع أحد أنصار السلام الدافئ وحل الدولتين وقبول فكرة وجود دولة إسرائيل والتعايش معها! على النحو التالي:-

المقاوم ساخراً موجهاً حديثه للمسالم: كيف ترى قرار ترامب بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل؟ ألا ترى ذلك هدم لفكرة حل الدولتين؟
المٌسالم: لا، مازالت الفكرة قائمة والعالم سيتخذ كافة الإجراءات اللازمة للتمسك بالقدس الشرقية كعاصمة لفلسطين حتى ولو وصل الأمر للبحث عن دولة أخرى غير أمريكا لترعى عملية السلام.

المقاوم: ألم تقل من قبل أن أمريكا تمتلك 99% من أوراق اللعبة؟!
المُسالم بعد لحظات صمت: لا بديل عن المفاوضات لإنهاء هذه القضية الفلسطينية ، لا أحد يمتلك القدرة لهدم دولة إسرائيل، لماذا نهدمها من الأساس وهي دولة قائمة بشعبها وهويتها؟ أقصى ما يحق لنا هي المطالبة بدولة مستقلة للفلسطينين ولكن فيما عدا ذلك فهي شعارات فارغة لا قيمة لها ولا موضوعية، قل لي أنت لماذا تريد القضاء على دولة إسرائيل!

المقاوم متعجباً وغاضباً من هذا السؤال البديهي من وجهة نظره: أليس واضح للعيان بأن هذا الكيان اللقيط قام على تهجير وقتل وسجن أناس من أجل أن يستولي على أرضهم ويقيم دولته.
المُسالم: إنها سنة التاريخ، منذ بدء الخليقة وهناك أعراق تحل مكان أعراق أخرى في الأرض الواحدة، الأرض الواحدة مر عليها عشرات الحضارات المختلفة ومئات المستعمرين، لماذا الفلسطينيون بالذات وهناك هنود حمر في أمريكا مازالوا موجودين لماذا لا تدافع عنهم وهناك أكراد موزعين في عدة دول في الشرق الأوسط ويريدون إقامة دولة لماذا لا تدافع عنهم؟!

 

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المُقاوم: ألا تعلم الطابع الديني لهذه القضية؟ إنها قدس المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، المسجد الذي أسرى إليه نبينا محمد كيف نتركه تحت احتلال هذا الكيان الغاصب.
المُسالم: وما رأيك فيمن يقول بأن المسجد الأقصى مقصود به مسجد في شبه الجزيرة العربية وليس مقصود به المسجد الموجود في القدس، وإن كنت تريد أن تدافع عن القدس من أجل معتقد ديني فاسمح لليهود إذاً أن يدافعو عنها من أجل هيكل سليمان ومن حق المسيحيين أيضاً إقامة دولة مسيحية من أجل كنيسة القيامة!

المُقاوم: إن هذه الأرض سكنها العرب منذ مئات بل آلاف السنوات ويجب استردادها.
المُسالم: هذه الأرض سكنها اليهود منذ مئات بل آلاف السنوات أيضاً، يا صديقي صدقني لا حل سوى حل الدولتين!

المُقاوم: لا دولة لهؤلاء القتلة يجب أن نرميهم في البحر ونسترد أرضنا ونرد حق المظلومين
المُسالم: أيها المقاوم الخلوق صاحب الحق حينما تفعل ذلك فلا فرق بينهم وبينك، يمكننا أن نقوم بمساعي دبلوماسية من أجل تعويض أهالي الضحايا مثلما هم فعلوا مع محرقة الهولوكوست.

لا يجد المقاوم ما يقوله فيصمت، ينتهز المُسالم الفرصة قائلاً: كنت مثلك تحركني الشعارات والعواطف ألا تتذكر؟!، ولكن الإطلاع ومتابعة الإعلام أكدوا لي أنه لا حل سوى السلام

كيف تقضي على القضية الفلسطينية ؟

عندما يظهر في خطابك عن القضية الفلسطينية عدم التفرقة بين اليهود والصهاينة، وتفوح منه لغة الانفعال والزعيق على حساب العقلانية، أو حصر القضية الفلسطينية في البُعد الديني والبُعد التاريخي، وقتها سيصّدر لك خصمك نفس نوعية الخطاب وسيتلاعب بعقلك ويقنعك بأنه مادام الفلسطينيون والإسرائيليون يمتلكون نفس الحُجة إذاً فلنقدم لكل منهما دولة وينتهي الأمر…

إذاً فلماذا نرغب في إزالة دولة إسرائيل من الوجود؟!

لعدة أسباب:

إزالة الفكر الصهيوني

أولها إزالة الفكر الصهيوني الخبيث من الوجود، هذا الفكر المضاد للإنسانية لقيامه وارتكازه على العنصرية واحتقاره للآخرين فهم يعتقدون أنهم أسمى من باقي البشر لأنهم شعب الله المختار، هذه الفكرة في ذاتها تجعلهم معادين للسلام وإن زعموا عكس ذلك فحياة البشر عندهم لا قيمة لها والقيمة الوحيدة عندهم هي مصلحة الشعب اليهودي وهناك مصاديق كثيرة، وكانت آخر أفعالهم قيامهم ببيع السلاح لحكومة ميانمار في قتلها الطائفي العنصري للأقلية المسلمة المستضعفة هناك!

فعل لا تجرء أي حكومة لديها الحد الأدنى من الإنسانية على القيام به؛ إنه فعل يليق بمافيا تجارة السلاح ولكن حكومة إسرائيل قامت به لأنها حكومة غير إنسانية، هؤلاء لا يحترمون عدواً ضعيفاً ولا يفهمون إلا لغة القوة، وجود حكومة بهذا الفكر خطر على العالم وخاصة الدول المجاورة لها، ليس لدي يقين بمدى صحة دولتهم الطامعين إليها وهي إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ولكن إن صح ذلك فلن يتراجعوا عن ممارسة كل ما هو غير إنساني في سبيل تحقيقه وهذا بدوره يعتبر تهديدًا مباشرًا للعرب.

مقاومة الحلم الغربي في إخماد العرب

ثانياً: إزالة شرطي الغرب من منطقتنا العربية، بالتأكيد الفلسفة السياسية الغربية القائمة على تحقيق أقصى منفعة مادية وعدم احترام الضعيف وعدم السماح له بأن يكون قويًا، لن تسمح بقيام أي حضارة مخالفة أو صعود أي كيان مضاد لفكرها ليفرض نفسه على العالم، وهذه المنطقة العربية الواسعة الغنية التي يشترك سكانها في الدين والثقافة واللغة والعرق والحدود الجغرافية،

هذه المنطقة الحاضنة لدين يتبلور مفهومه الصحيح حول الفلسفة الإلهية، هذه المنطقة التي كانت في الماضي أرض للحضارات لو قررت أن تقيم حضارة فهي لديها كل المقومات للقيام بذلك وبالتأكيد هذه الحضارة العربية الغائبة ستعادي الحضارة المادية الغربية القائمة لما سيكون بينهما من اختلافات في الرؤية نتيجة اختلاف المنهج المعرفي لكل منهم وبالتالي فسوف تتعارض الاستراتيجيات والتكتيكات والممارسات بينهما

ولذلك بذل ويبذل وسيبذل الغرب قصارى جهده لعدم نهوض العرب ومن ضمن ما بذله كان السعي والدعم لقيام دولة للصهاينة في قلب المنطقة العربية يضمن لها البقاء مقابل عرقلة وإيقاف أي محاولة لنهوض منطقتنا العربية وخروجها من تبعية الغرب،

والأمثلة كثيرة لعل أبرزها اشتراك إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 بعد أن قام الراحل جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس في حرب لم يكن هناك سبب حقيقي وراء اشتراكها فيها سوى دعم الغرب، ومثال على ذلك أيضاً ضربها واحتلالها للبنان في ثمانينيات القرن الماضي بعدما احتضن لبنان فكر المقاومة،

وحديثاً ذهبت تقارير وتحليلات تُفيد بدعم إسرائيل لتنظيم داعش في سوريا وهناك تصريحات لبعض القادة العسكريين الإسرائيليين تحمل هذا المعنى بشكل غير مباشر فضلا عن سيطرتها على الغاز في البحر المتوسط وحرمان العرب منه،

والأمثلة كثيرة على دور هذا الشرطي الغربي في إخماد أي نيران عربية قد تضيء شعلة حضارة جديدة وتحرق الحضارة الغربية، فالغرب منذ البداية أراد وضع العرب بين فكّي الحرب والانبطاح، فإما خوض حرب مرهقة مع إسرائيل تؤدي لخسائر اقتصادية وعسكرية وبشرية أو الانبطاح للقرار الغربي.

إعادة الحقوق لأصحابها

ثالثًا: رد الحق إلى صاحبه، ولست معنيًا بالحق التاريخي ومن الذي كان يسكن الأرض منذ آلاف السنين ولكني أعني الحق المعاصر، حق من تشردوا وأُرغموا على الرحيل من ديارهم، حق المعتقلين في سجون الاحتلال، حق المحرومين من الحرية وحقوق المواطنة، حق المستمرين في رفع راية المقاومة ويطالبون بتحرير أرضهم، حق الفلسطينيين!

لسنا مطالبين بالرضوخ أمام سُنة التاريخ والخضوع لما هو كائن، إن كان هناك شعوب تشردت واستيطانات نجحت في الماضي فبالتأكيد سيُحاسب السابقون على الرضوخ للظلم، إن كان هناك من تقبل للأمر الواقع في الماضي فليس هذا معناه أن نتقبل نحن أيضًا الأمر الواقع، ما يجب أن يكون هو انتصار الحق وعلى كل إنسان أن يُدرك ذلك ولا ييأس، واجبنا هو الدفاع عن المظلومين ونصرة الحق في الزمن الذي نعيش فيه.

وحتى لا نُحمل التاريخ فوق طاقته فهو ممتلئ أيضاً بمقاومات نجحت في دحر الاستيطان كمقاومة المصريين للهكسوس الذين استوطنوا مصر 400 سنة كاملة إلا أن الشعب المصري نجح في النهاية في إسقاط دولتهم وإقامة دولته.

حفظ المقدسات الدينية

رابعا: الدفاع عن مقدساتنا الإسلامية والمسيحية التي انتهك الصهاينة حرماتها مرارًا وتكرارًا ومنعوا المتدينين من ممارسة شعائرهم فيها بحرية وأمان. وبخصوص الحديث عن كون المسجد الأقصى لا يقع في فلسطين، فمازال هذا الأمر قيد الاجتهادات التاريخية ولا يصل الحديث فيه للحقائق القطعية،

وإن فرض أن الأمر صحيحًا فالمسجد الموجود بفلسطين لا يزال الصهاينة ينتهكون حق المصلين فيه ويحفرون تحته لاستخراج هيكل سليمان، فهل يتفق ذلك مع حرمة المساجد ودور العبادة؟

دعوة لإحياء العدالة

نحن لا نقول برمي اليهود في البحر كما ينادي البعض ولكن نقول بوجوب إسقاط دولة الكيان الصهيوني وإقامة دولة عادلة تكفل الحقوق والحريات لجميع من عليها من عرب ويهود، دولة مساواة يحكمها القانون وليس العنصرية، إننا نُطالب بمحاسبة كل من تلوثت يداه بدماء الفلسطينيين، محاسبة القائمين على هذا الكيان العدو ومن تورط بالعداء للشعب العربي وليس محاسبة جموع اليهود الموجودين على الأرض الفلسطينية.

إن تشبيه القضية الفلسطينية بقضية الهنود الحمر أمر به مغالطة لأن معظم الفلسطينيين مازالوا يقاوموا ويريدون استرداد دولتهم أما الهنود الحمر فقد انخرطوا وانسحقوا في المجتمع الأمريكي، وبالنسبة للأكراد فبخلاف دعم إسرائيل والغرب لهم فهم يشتركون مع أعراق أخرى في الأرض وليس الوضع كما في فلسطين.

لماذا القضية الفلسطينية ؟

لأنه لا يوجد شعب في العالم يقاوم الاحتلال ويقاوم مخاطر الاستيطان وإزالة الوجود إلا الشعب الفلسطيني ولا يوجد كيان مجرم عنصري بلا إنسانية وبلا أخلاق يدير دولة إلا الكيان الصهيوني.

اقرأ أيضاً:

ستبقى القضية حية

سفر فلسطين – المسيح بيننا

من منا يتذكر فلسطين ؟