مقالاتفن وأدب - مقالات

هل أنت حر ما لم تضر؟ – علينا أولا أن نفهم، ما هي الحرية؟

الحرية

– أنا لست حراً
وما الحرية ؟
– أن أفعل ما أريد
وما العدل؟
– ما علاقته بالأمر؟
فقط أجبني
– العدل ألا أظلم أحدًا
وكيف تظلم؟
– بأخذ حقوقه أو حجبها عنه
وإن كان حقه ذاك تريده أنت، فماذا أنت بفاعل؟
-ماذا تقصد؟
بالضبط كما فهمت، هذا ما أقصده.
– أرجوك وضح مرادك

توضيح أكثر

 حسنًا، القيم العليا لا تتعارض مع بعضها البعض، فلا يصح أن تتعارض الحرية مع العدل

 -وما هي الحرية إذن؟
ألا يملكك شيء، فتكون سيدًا لا عبدًا، تكون حاكمًا لزمام أمرك وفعلك نتاجًا لاختيارك الحر! القيم العليا تحكمك -نعم، باختيارى، الاختيار الحر هو جوهر الحرية

– وكيف أختار بحرية؟

الأمر يتطلب منك تكوين نظرة شمولية معرفية واضحة لأهم عناصر هذه الحياة والتي ستترتب علي تكوينها الاختيار، كمعرفتك بذاتك كإنسان  بشكل عام أو معرفتك كفلان بشكل خاص من خلال قدراتك وشخصيتك وظروفك، ومعرفتك للحياة والكون عندها تكون حراً

اضغط على الاعلان لو أعجبك

-وبعد إدراكى لهذا كله، ما عساه يجدي نفعًا في اختياري الحر؟
إنه الخطوة الأولى التي ستطؤها قدمك لتنطلق منها إلى المسير، فمعرفتك لأصل الحياة والكون والإنسان سيوجه بصيرتك نحو ما سيحقق لك السعادة وما سيدنو بك من الشقاء

ماذا سأختار؟

-أي سأختار ما بين طريق السعادة أو الشقاء؟
صحيح، ستكون أكثر دراية ووعيًا بما يؤهلك للخوض فى الحياة بقدم ثابتة لا تزلزلها صعوبات أو إغراءات، ستكون سيدًا يفعل، لا عبدًا يُفعل به

-وكيف لي أن أكون حرًا بحقٍ ما لم أختر كل شيء في حياتي؟

أتقصد عائلتك مثلًا أو شكلك أو مسقط رأسك وما شابه؟

  • بالضبط، ألا ينقص ذلك من حريتي، ألا أكون بذلك بعيدًا كل البعد عن الوصول للاختيار الحر الذي وصفته بأنه جوهر الحرية

 صحيحٌ أن الإنسان ليس مخيرًا بالكامل، ولكنه ليس مسيرًا ومجبرًا بالكامل أيضًا، فهو مخير بأمور ومسير بأمور أخر

الأشياء التي ذكرتها توًا لا خيار لك فيها لذلك فهي أشياء ليس مهمتك تغييرها. فالأمر يعود لدرايتك بمفهوم الإنسان كما أوضحت سابقًا، ومن ثم بتحديد الغاية المقرونة بوجودك أي مهامك ووظيفتك

قيمة المعرفة والإدراك

– أتقصد أن إدراكي بمهامي سيعفيني من الخوض في هكذا أمور لا قيمة لها فعليًا
نعم، فأنت كإنسان غير مطالب بتغيير ما لم تختره، بل مستحيل أن تغيره أصلًا، ولكن تأتي دائرة اختيارك فيما بعد، مثلًا باختيارك لأن تتمرد أو تتكيف

-أرجوك وضح
حسنًا، لم تختر شكلك كما ذكرت ولن تستطيع تغييره ولكن يمكنك اختيار تفكيرك باتجاهه وما مدى أهميته بالنسبة لآداء مهماتك كإنسان وبالنسبة لقيمتك ودورك، هل ستجعله عائقًا وقيدًا أم ستعامله بالقبول والتجاوز. وكذلك الأمر بالنسبة لعائلتك مثلًا، فمجال اختيارك هنا هو كيفية التصرف في طول غاية وجودك

 النظرة من هذه الزاوية توفر الكثير من عناء المتعنتين المتمردين وتوجه الجهود نحو مصرفها الذي يستحق، ولكن لم أستوعب بشكل كامل  – دائرة اختياراتي، فأرجوك أكمل حديثك

أكمل حديثك

جزء كبير من حياتنا هو محض اختيارنا ونتيجة طبيعية له، فكل موقف تمر به أمامك اختيارات وبدائل عديدة والمطلوب منك أن تختار بينها. إما أن تنام أو تستيقظ، تتكلم أو تصمت، تساعد أو تبخل، تسافر أو تمكث، تتزوج فلانة أو علانة، تشتري سيارة أو تدخر نقودها لتعليم أفضل لابنك، تشرب قهوة أم شايًا، تمتهن مجالًا بعينه أو تغيره

ملايين من الاختيارات ولكل اختيار عواقب ونتائج تكون ملزمًا بها، فلو صحّ اختيارك، كانت العواقب والنتائج أيسر من العكس، ولن تتمكن من الاختيار الصحيح إن لم تكن  حراً  لا يأسرك شيء من دنايا النفس أو تسلط شهواتها وغضبها على وعيك العاقل، فالشهوة والغضب قوى لا تفهم ولا تحسب ولا تعي وإنما هي قوى تجلب النفع وتدفع الضرر بالتوالي، لذلك إن أردت أن تكون حراً فعلا فعليك بقوتك العاقلة التي تدرك وتفهم وتتحكم ومن ثم تصبح حراً

الشهوة والغضب

 أتعنى أن الشهوة والغضب قد يكونان هما السبب الأول فى تدني حريتي كإنسان؟-

بالضبط قد يكونان كذلك، فعندما يسيطر الغضب فلن تكون حراً  في اختيار أفعالك فى حالة الغضب، وإنما ستكون تحت رحمة قوة لا تفهم وإنما تندفع وتبطش. وعندما تكون الشهوة هي المهيمنة ستكون ذليلًا لها وعبدًا لإشاراتها غير المنتهية وغير المنضبطة بأية حدود أخلاقية أو دينية أو عقلية

فمثلًا ستجبرك على التدخين لأنها تريده فقط وهى غير مدركة لآثاره المثبت علميًا ضررها ولن تنتهي في طلب المزيد والمزيد أو لن تكف عن طلب ساعات أكثر من النوم والراحة غير مدركة بأضرار ذلك على المدى القريب أو البعيد
-فعلًا
قواك العاقلة ستتمكن من إدراك المفاهيم الصحيحة إن تسلحت بقواعد سليمة، وتباعًا ستتوصل وتفهم المفاهيم الأولية التى تحدثنا عنها كمفهوم الإنسان والكون والحياة، وستتحكم بالشهوة والغضب وتذللهما لطوعها وقتما وكيفما وبقدر ما تشاء، وبذلك سيكون الاختيار هو عصب إرادتها وحينها ستتحقق منتهى الحرية الحقيقية
-فهمت
وكلما ازداد معرفة الإنسان وتعمق فهمه وإدراكه وسادت قواه العاقلة، كلما اتسعت حريته وتعاظمت، فالجهل يحد من حدود الحرية
-بالتأكيد

عودة إلى قصة الحرية

 إذن دعنا نعود إلى طرحك القديم بأن الحرية هي أن تفعل ما تريد ونعاود فحصه بعد ما مررنا به وفهمناه، ولتقل لي أنت ما رأيك؟
– بات الأمر أكثر إنصافًا الآن وأكثر وضوحًا، ففي البداية كنت أرى أن حريتى ألا يحد أحد من إرادتي لأي فعل مهما كان وكانت رؤيتي أن الحرية المطلقة رؤية قاصرة تحتاج لمثل هذا التقنين، فلا فائدة من كون الفرد يفعل ما يحلو له، غير آبه بعواقب ذلك على الآخرين أو دعنا نقول غير أبه بعواقب ذلك على نفسه أيضًا. وبفحص دوافع وغاية الفعل الحر بلا رادع أو حساب نجد أنه قمة الذل ولا ينسب إلى الحرية الحقيقية

 أحسنت، وأضف إلى ذلك أن الحرية الحقيقية لا يصل إليها ولا يتحمل عبء مسؤوليتها إلا أقوياء النفس بالعزم والعلم والعمل أستطيع أن  -أعيدها ثانية بـقول “أني لست  حراً  ” ولكن هذه المرة بمدلول مختلف تمامًا

 

اقرأ أيضا:

 الأفكار المتداولة والذكاء الاجتماعى

مولانا الخبر عاجل

حقيقة الحقيقة

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

 

هبة علي

محاضر بمركز بالعقل نبدأ وباحثة في علوم المنطق والفلسفة