إصداراتمقالات

كمال الحب في حب الكمال … عن المعشوق الحقيقي

قد عُرف عن الإنسان سعيه الدائم نحو الكمال، ولما كان الكمال يصعب نيله بشكل منفرد؛ فقد لجأ الإنسان إلى الاجتماع ليتكامل ويرتقي، لذلك يعرّفون الإنسان على أنه كائن اجتماعي بطبعه يهوى التجمعات ويهوى نيل كمالات من هذه الاجتماعات. ولمّا كان الكمال هو غاية الاجتماع فكان هذا الاجتماع يهدف إلى كمال الإنسان في كل متطلباته، وليست متطلبات الإنسان من المادة فقط فالمأكل والمشرب والملبس من يفتقر فيهم الإنسان إلى الاجتماع، بل إن الإنسان يفتقر إلى الاجتماع في كل شيء ويطلب المدد والعون في كل تفاصيل حياته فهو في حياته يبحث عن الكمال المادي الخاص به فيعينه أفراد مجتمعه على متطلبات الحياة المادية وهو أيضا يبحث عن الكمال العقلي فيعينه المجتمع عن طريق تلقي العلوم والمعارف في عملية التربية والتعليم وهو دائم البحث عن الكمال العاطفي أو النفسي فيجد ذلك حوله بين أصدقائه وأحبائه ممن يكونون له عونا وكمالا من نوع خاص.

الحب الحقيقي حب الكمال المطلق

ولما كان كمال العاطفة في الحب وما الحب إلا شوق للحصول وإرادة للتواصل كان أسمى معاني هذا المعنى اللطيف في الشوق إلى الكمال المطلق وإرادة التواصل معه، وما الكمال المطلق إلا الله لا إله إلا هو، فهو أكمل كامل بل هو الكمال ذاته وما دونه يدخل في طور النقصان والله كامل العشق فهو لا يشوبه نقصان فلا هو ببخيل في حبه ولا بزاهد، أحب الإنسان فخلقه عاقلا ففضله على خلقه أجمعين فهو عاشق لذاته ومن عشقه لذاته عشقنا جميعًا جميع مخلوقاته. فما نحن إلا فيض ذاته الكريمة وهو أيضا معشوق في ذاته وإن لم يعشقه أحد منا فهو كامل غير مفتقر فهو العاشق والمعشوق وفي عشقه لذة لا يدركها إلا العارفون به ممن تقرّبوا إليه فأصبحوا بحبه وبعشقه يستأنسون وما أفضل من الله من ونيس يأخذ بيد العاشقين إلى الرضا وإن أبت الدنيا إرضاء قلوبهم المنكسرة.. فالله كاف لعباده عن كل شيء فهو الكمال المطلق.

الخلق عيال الله

ولا يعني حب الله اعتزال عباده أو الانقطاع عنهم، فحب خالق الموجودات يفيض إلى حب جميع الموجودات، فهي منه في النهاية وإليه تعود، لذلك من لم يحب عباده لم يعرفه ولم يحبه كما ينبغي أن يكون حبه. فالله لا يمكن إدراك ذاته المجردة المقدسة إدراكا بل نحن ندركه بالمعنى أي أن قربنا منه ليس قربا بين ذات بشرية وذات إلهية فهذا محال بل إنّ الواقع أنّنا نتقرب إليه بمحاولة السير على الطريق القويم والتخلق والاتّصاف بصفاته لا إله إلا هو، فنعرف العدل والرحمة وغيرها من الصفات وبذلك نكون سائرين على دربه مخلصين لحبه. يقولون أنّ كل عاشق يحاول تقليد عشقه فأولى بنا تقليد العشق الأول تقيلدا يجعلنا في مصاف عباده الصالحين.

اللذة الحقيقية

والعارف بالله بالحقيقة لا يشغله حب الموجودات عن حب خالقها. إنها معادلة صعبة لا يستطيع حلها في النفوس إلا كل زاهد عابد عارف بالله حقّا. إنّ حب الموجودات فهو زائل لأن الموجودات فانية وحب الله أزليّ أبدي لأنه كذلك، فالعارف بالله لا يعرف الفقد الكلي ولا يعرف الانهيار، إنما هو يعرف فقد حب الموجودات الفانية فقط. ففي اتّكاله على المطلق حصن منيع ومقام رفيع لا يدركه العابثون ويتمتع به الزاهدون وهم قلة. فالزاهد في الدنيا المستغنى بالله عن عوارض الحياة هو في مقام شريف تعجز الكلمات عن وصفه. (وكيف ما لم نحط به خبرا) وإن أطلقت لخيالك العنان للوصف ستنفذ الكلمات قبل أن تلقى منها ما يستحق به وصف هذا المقام الشريف فدائما العاشق بجوار معشوقه يستغني به عن الدنيا ويفضله عليها وبالقرب منه تحلو الحياة وتطيب فكيف لنا أن نتخيّل جوار العاشق الأكبر بل هو العاشق والعشق والمعشوق، أيّ لذة هذه!! تلك لذة لا تضاهيها لذة في الحياة الدنيا، فهي اللذة الخالصة، اللذة الحقيقية.

الآن وقد علمنا أنّ عشق الأول يغنينا فما بالنا لا نرضى بمثل هذه اللذة ونسارع إلى غيرها من اللذات الفاسدة بالضرورة لفساد أصحابها، وكانت لذته كريمة بالضرورة لكرم صاحبها، ولكن هؤلاء هم قلة: قليل القليل منا من يدرك هذه الحقيقة وأقل منهم من يعمل بها ويفوز بالسعادة الحقيقة واللذة الخالصة. فاللهم اجعلنا من هؤلاء العالمين والعارفين بك الراغبين إليك المستغنين بك عما سواك.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 

اقرأ أيضا … الله والعلم
اقرأ أيضا … الله عند العقاد
اقرأ أيضا … حق الله وحق المجتمع

أحمد رمضان

طالب بكلية الهندسة – جامعة المنصورة
كاتب حر
باحث ومحاضر بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة