مقالاترياضة - مقالات

استعد بسلاحك، مع أي فريق كرة قدم ستحارب؟

كرة القدم

لم أجد مثالًا أفضل من كرة القدم أو الرياضة عمومًا ليكون مثالًا عمليًا فاضحًا للمبالغة في أحد صورها التي تؤدي إلى التعصب وعدم التفكير السليم فمؤخرًا كان جمهور أحد الأندية المصرية يمدح مديره الفني والفريق ككل بأشد جمل المديح عندما فازوا على أحد الأندية المغربية ثم بُدل هذا المديح بأشد العبارات عندما خسروا في المغرب وأيضًا عندما خسروا مباراة الذهاب والبطولة كلها أمام فريق أفريقي.

المبالغة هي واحدة من موانع التفكير السليم، وتؤدي إلى مشاكل نفسية أخرى كثيرة، فالمبالغة في رؤية الأمور سيئةً قد تجعلنا نكتئب، والمبالغة في رؤية الأمور جميلةً قد تجعلنا نتكاسل ونتراخى ونصبح لا مبالين، كذلك المبالغة في الانتماء لمجموعة ما قد تجعلنا نتعصب لها تعصبًا شديدًا، والمبالغة في كره مجموعات أخرى لا ننتمي لها قد تجعلنا عنصريين وظالمين لهذه المجموعات.

وبالرجوع بالذاكرة للخلف نتذكر أيضًا مدربين وطنيين عدة وإنجازاتهم الجمة مع العديد من الأندية المصرية وكذلك المنتخب القومي، فتارةً كنا نجد الجماهير تهتف باسمهم وترفعهم على الأعناق وتارةً أخرى كنا نجدهم ينسون كل هذه الإنجازات ويسبّونهم نظرًا لخسارتهم لمباراة أو بطولة أو التأهل لبطولة أخرى.

في كل هذه الأمثلة السابقة كان التعصب الشديد لحب النادي أو منتخب كرة قدم وراء هذه الأفعال المتضاربة من نفس الجمهور وفي فترات زمنية غير متباعدة وذلك بسبب أن المبالغة من السحب التي تجعلنا لا نستطيع التفكير بطريقة سليمة فتصدر منا مثل هذه الأفعال المتضاربة في فترات زمنية لا يبعدها عن بعضها الكثير من الوقت.

فنرى صديقًا يخسر أقرب أصدقائه إلى قلبه بسبب تشجيعهما لناديين مختلفين وبسبب احتدام النقاش بينهم بعد أحد مباريات “الديربي” بين الفريقين الكبيريين اللذين يشجعانهما، نسيا كل ما بينهم من حب ومودة وذكريات جميلة ومشاعر نبيلة في لحظة غضب غلب فيها التعصب للانتماء لنادٍ كروي على أي شيء آخر فأعماهم وجعلهم يخسرون بعضهم البعض.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ضحايا كرة القدم

في مباراة الناديين المصريين الأهلي والمصري على ملعب الأخير ببورسعيد في فبراير عام 2012م قد نجد مثالًا أشد فظاعة للتعصب الناتج عن المبالغة في الانتماء والتشجيع لنادي، عندما حدثت بالمباراة أحداث مؤسفة نتج عنها استشهاد حوالي اثنين وسبعين شخصًا غير الاصابات، ومن قبل ذلك بكثير وتحديدًا في عام 2008م قام بعض مشجعي النادي الأهلي بحرق أحد جماهير نادي الزمالك -في إطار مباراة لكرة السلة بين الفريقين- والذي أصيب بتشوهات بالغة وفي نفس العام رد البعض من جمهور الزمالك بإصابة أحد مشجعي النادي الأهلي بالعمى في عينه اليمنى نتيجة توجيه شمروخ إلى وجهه من مسافة قريبة وذلك في إطار مباراة لكرة القدم لشباب الفريقين.

حدث نفس الأمر قريبًا في مارس من العام الجاري في الدار البيضاء بعد أن حدثت مواجهات دامية -بين مشجعي فرقتي الرجاء البيضاوي وشباب الريف الحسيمي- أدت إلي مقتل ثلاثة وإصابة 54 شخصًا أخرين وتم على إثرها تجميد أنشطة كل روابط “الألتراس” في الدار البيضاء، كذلك في عام 2010م بالأردن حدثت مواجهات عنيفة بين مشجعي فريقي الفيصلي والوحدات أدت إلى إصابة أكثر من 250 مشجع.

التعصب في كل مكان

ولا نريد أن يظن القاريء أن هذا المرض مصابة به منطقتنا العربية فقط بل إنه وبكل أسف موجود بالملاعب غير العربية أيضًا؛ ففي عام 1971م وفي إطار مباراة لكرة القدم بين فريقي رينجرز وسيلتك الاسكتلنديين حدثت اشتباكات بين جمهور الفريقين توفي على إثرها 66 مشجعا فضلًا عن الاصابات، وإذا ذهبنا إلى الأرجنتين فسنجد مباريات فريقي ريفربليت وبوكاجونيورز لكرة القدم غالبًا ما يصاحبها أحداث شغب وكان أكثرها فداحة عندما سقط 71 قتيلًا وأُصيب حوالي 150 مشجع آخر، كذلك في عام 1985م وعلى أرض بلجيكا 600 آخرين من المشجعين في إطار أحداث شغب سبقت مباراة نهائي كأس الأندية الأوروبية بين ناديي ليفربول الإنجليزي ويوفينتوس الإيطالي.

وفي كارثة أفدح توفي 328 مشجع في إطار أعمال شغب جماهيري على هامش مباراة تصفيات كأس العالم بأمريكا الجنوبية بين منتخبي بيرو والأرجنتين عام 1964م، ومؤخرًا في كأس الأمم الأوروبية بفرنسا حدثت أعمال شغب بين جماهير روسيا وانجلترا تارة وبين جماهير أوكرنيا وألمانيا تارة أخرى وبين جماهير كرواتيا والتشيك أيضًا وكذلك بين جماهير بولندا وأيرلندا الشمالية.

حروب كرة القدم

لم يتوقف الأمر عند هذه الحدود وحسب، بل الأدهى من كل ذلك أن تقوم حرب راح ضحيتها عشرة الآف شخص ما بين قتيل وجريح بسبب مباراة كرة القدم بين فريقي هندوراس والسلفادور، فبعد فوز الهندوراس عام 1970م على السلفادور وتأهلها لكأس العالم لنفس العام أعلنت السلفادور الحرب على هندوراس وانتشرت القوات البرية للجيشين على طول الحدود، وبدأ القصف المدفعي عشوائيًا بين الطرفين على القرى والبلدات والمدن، فأسقط عشرة آلاف مدني من الجانبين ما بين قتيل وجريح في خلال ستة أيام ولم تنته هذه الحرب إلا بعد تدخل دول إقليمية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء هذه الحرب.

كذلك فإن العلاقات بين البلدين الشقيقتين مصر والجزائر تدهورت كثيرًا بسبب وقوعهما في نفس مجموعة التصفيات المؤهلة لكأس العالم عام 2010م بجنوب أفريقيا، ففي المواجهة النهائية بينهما في القاهرة فاز المنتخب المصري بهدفين وتعادل المنتخبان في النقاط وفي فرق الأهداف لمباراتي الذهاب والعودة بينهما وتم اللجوء إلى مباراة فاصلة على أرض محايدة وتم اختيار السودان الشقيق لهذه المواجهة ولكن الكثير من أحداث الشغب صحبت كل مباريات المنتخبين مع الكثير من الاتهامات الإعلامية والتي أدت إلى احتقان الشارع في البلدين ومن ثم أخذ الموضوع بعدا سياسيا كبيرا أضر بالعلاقات السياسية والاقتصادية للبلدين ضررًا كبيرًا.

الاتهام الجاهز

أيضًا نرى أنه عندما يخسر فريق فقد يلجأ جمهوره لاتهام الحكم بأنه قد أخذ رشوة ليجامل الفريق الفائز متناسين مدى بشاعة هذا الاتهام الذي يتهمون به شخصا قد يكون من نفس وطنهم ويحمل نفس طباعهم وأفكارهم وقد يكون مشجعًا للنادي المهزوم ولكن عدم التفكير بتجرد بل وبتعصب نحو الفريق الذي يشجعه يدفعه إلى ذلك دون تفكير سليم ومرتب ومستند إلى أدلة وبراهين لا تقبل الريب.

ورغم أن الحوادث السابقة كانت بين جماهير في الأغلب ينتمون إلى نفس الأرض ونفس الوطن وربما نفس الديانة أيضًا، ألا أنهم دخلوا في مواجهات دامية بسبب التعصب الناتج عن المبالغة، فإزهاق نفس بشرية جُرم كبير ومن الغريب أن يقترفه إنسان في حق إنسان آخر بهذه السهولة، ولكنه التعصب الناتج عن المبالغة في حب فريق ما يجعلنا نفكر بشكل غير سليم وبتصرفات غير مدركة لحقيقة الأمر والواقع الذي نعيشه.

وما كانت كرة القدم أو الرياضة في العموم إلا مثالا عمليا وإيضاحيا لهذه الظاهرة وهذا المرض المنتشر في عصرنا هذا، فعلينا بالتسلح بالتفكير المنطقي السليم ومبادئه، وأولًا وقبل كل شيء إبعاد موانع التفكير السليم كلها كالمبالغة والتعميم والثنائية والكبر والحسد وغيرهم.

اقرأ أيضا:

 إنسان اللذة والهروب من الألم

لماذا نتزوج؟ حقيقة العواطف وموقع المشاعر

 هاري بوتر والجمل الطيب …. الإعلام والأضرار التي يقدمها لأطفالنا الصغار

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

على الشاذلى

عضو فريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالقاهرة