ما هي المعايير الصحيحة لإختيار الشريك في الحياة الزوجية ؟
إذا كان اختيارنا لوظيفة ما أو تعلقنا بشخص أو شغقنا بمجال دراسى معين أو اختيارنا للون أو تفضيلنا لمأكولات أو مشروبات معينة دون غيرها فذلك بالأساس مرتبط بمدى “حبنا” لهذه الأشياء، أى أننا لا نتحرك بكامل إرادتنا تجاه شىء ما أو نتعلق به أو نضحى من أجله إلا إذا شعرنا تجاهه “بالحب”…
فهل يمكننا أن نفهم كيف نحب ولماذا نحب وما هى الأسس التى يمكننا من خلالها حب ما ينفعنا ويسعدنا حقا؟ أم أن محاولة تدخلنا واستخدام العقل فى هذه العملية هو ضرب من الجنون؟ للإجابة على تلك التساؤلات علينا أن نفهم أولا طبيعة الإنسان.
الأخلاق النفعية والإزدواجية في السلوك
كثيرا ما نشكو من هشاشة العلاقات وتفككها بين أفراد الأسرة أو بين الأصدقاء أو بين أفراد المجتمع عموما حتى انتشرت بيننا على سبيل المثال شعارات من قبيل “مفيش صاحب يتصاحب” و”كله شمال يا صاحبى”…
كثيرا ما يثيرنا رؤية تطاول أحد سائقى الميكروباص على امرأة عجوز أو تحكمه فى الركاب بشكل لا يطاق، كثيرا ما نحزن لما وصل إليه شبابنا من انحلال متمثل فى سلوكيات كالتحرش وارتداء ملابس ضيقة وممزقة تظهر شبه انعدام الحياء لدى الشباب من الجنسين،
كثيرا ما يجرح حياءنا الألفاظ التى نسمعها ليلا ونهارا فى مختلف مواقف الحياة، كثيرا ما نأسف لعدم تحمل أزواجنا المسؤولية وعدم مشاركتهم لنا الآلام والمشكلات التى نعانى منها طول الوقت، وكثيرا ما يرهقنا ما نراه من عقوق الشباب لوالديهم وأجدادهم وكأنهم عبء عليهم!
يحزننا أن مصر قد احتلت المرتبة الأولى فى نسب الطلاق على مستوى العالم بمعدل 250 حالة طلاق فى اليوم الواحد ولا أظن أن هناك من يسعده سماع هذا الخبر…
وهنا يأتى السؤال: لماذا تثير اشمئزازنا وترهقنا وتؤذينا مثل هذه الأفعال؟ لماذا نكره أن يعاملنا الناس بتلك الطريقة؟ لماذا نكره التفكك والعلاقات النفعية؟ والأهم من ذلك لماذا يكره النفعيون والشهوانيون أو من لا يتحملون المسؤولية أن نعاملهم بالمثل؟!
فطرة الإنسان الأصلية لا تميل للشر
إنها فطرتنا وأرواحنا التى تشتاق للعدالة والرحمة، حتى وإن لم نكن نعدل ونرحم من حولنا فى كثير من الأحيان، لكننا مفطورون على الاشتياق للعدل والرحمة ونبغض من يظلمنا ويقسو علينا.
إنها أروحنا التى تحب أن يعاملها الآخرون بحكمة وتعقل وحتى إن كنا حمقى ومتسرعين، إنها أرواحنا التى تحب العفة والشرف حتى إن كان البعض شهوانيًّا ومعتديًا فإنه أيضا لا يرضى بأن يعتدى الآخرون على شرفه أو يعامَل ذويه بشهوانية!
إنها أرواحنا التى تحب من يقف بجانبها وقت الألم حتى وإن كنا عديمى الشعور بالآخرين فى كثير من الأحيان!
إنها أرواحنا التى تعشق الشجاع الذى يتمسك بالحق مهما كانت العواقب وإن كنا جبناء فى بعض المواقف، إنها أرواحنا التى تكره الأنانية وتحب العطاء، إنها أرواحنا التى تعشق الدقة والنظام والجمال وكل صفات الكمال، إنها أرواحنا التى تميل إلى الجوهر النقى…
فساد الفطرة
فطرة الإنسان تميل وتشتاق للقيم والصفات الخيرة النقية وتبغض كل ما هو مضاد لها، ولا تتعلق حقا بالمظهر والجمال الخارجى والمكانة وما إلى ذلك…
ولكن إذا كان الأمر بهذه البساطة والوضوح فلماذا نرى الكثير من الناس لا يختار حاملى هذه الصفات بل إن المثير منهم يتعلق بالمظهر والمكانة والمال…
والأهم من ذلك لماذا لا يسعى الجميع لاكتساب تلك الصفات إذا كانوا فى الأساس مفطورين على حبها وإكمال نواقصهم بها؟
اقرأ أيضاً:
لم لا نحاول أن نرتقي بقيمة الحب ؟
أسباب فساد الفطرة الإنسانية
هناك الكثير من العوامل التى تؤثر فى فطرة الإنسان وتجعله يتسافل بالرغم من قدرته على السعى للارتقاء وللكمال، وأظن أن من أهمها “الانقياد الأعمى لما هو سائد فى المجتمع، سيطرة الشهوات على العقل، فساد القلب نتيجة لانعدام الأخلاق،
ضعف الإرادة، ويمكن إدراج كل هذا تحت مسمى “فقدان الحكمة” التى هى السبيل الحقيقى للتخلص من تلك الآفات، ولنتخذ بعض الأمثلة لشكل العلاقات فى ظل سيادة معايير منافية للفطرة…
الإنسان بطبيعته يأنس بغيره ويكمل ما ينقصه بالاجتماع مع الآخرين، فيبدأ منذ ولادته بالتعرف على واقعه ويسعى طوال الوقت للتكيف مع بيئته والأشخاص المحيطين به وهذا طبيعى ولا إشكال فيه،
ولكن الإشكالية تبدأ عندما يتبع ما هو سائد فى هذه البيئة دون تمحيص أو نقد أو إعمال للعقل، فيتبنى المعايير الحاكمة ويرى مثلما هو سائد فى الصفات الظاهرية كجمال الجسد والمظهر وعذوبة اللسان ومهارة الإقناع
والكاريزما وكثرة المال وعلو المكانة الاجتماعية ما يروى ظمأه ويكمل نقصه ويوصله إلى الراحة والاستقرار والسعادة على خلاف فطرته التى تطلب نقاء الجوهر.
معايير خاطئة عند اختيار شريك الحياة كمثال على فساد الفطرة
فعندما يختار شريك حياته مثلا تكون معاييره الأساسية التى يطلبها من أجل استقرار العلاقة والحياة الهانئة، إن الرجل الحقيقى “ميعيبوش إلا جيبه” أو شهادته أو مكانته الاجتماعية وأن حياء الأنثى أوالرجل يعنى أنهم غير متفتحين “مش مدردحين”
فيكون معيار اختيار الشريك هو”عدم الحياء” وأن رجلا بلا تجارب “غير شهوانى” لن يتمكن من إسعاد زوجته لأنه “قفل” فتصبح الشهوانية مطلوبة بدلا من التعقل والعفة
وعندما يكون الإنسان عميق الفكر لا يشترى إلا لحاجة ولا يستخدم وقته وماله إلا فيما هو نافع بحق يصبح “معقد” فى نظر المجتمع، ومعيار الاختيار يصبح “السطحية” والمرح والاحتفال طوال الوقت والإسراف فى الشراء وزيارة المولات وغير ذلك مما لا يشبع احتياجات الإنسان “الروحية”!
الشريك السطحي
وسرعان ما يصطدم الإنسان بحياة بائسة لا تطاق ويندم على اختياره السطحى، فالصديق “السطحى” مثلا لن يتمكن من مساعدة صديقه فى حل مشكلاته ولن يعينه على ما فيه الخير والزوج/ة “السطحي/ة” لن يتمكن من فهم احتياجات شريكه ولا احتياجات أولاده وبالطبع لن يتحمل المسؤولية لأنه غير مدرك لما تحمله هذه الكلمة من معنى،
الشريك الشهواني
و الشريك الشهوانى يحب ليأخذ لا ليعطى وبمعنى أكثر واقعية “بياخد اللى هوعاوزه ويرمى الباقى” فتجده دائما يبحث عن جديد لأن الشهوة ملولة بطبيعتها، وبالطبع لن يتحمل مشقة تربية الأطفال ولن يضيع وقته وجهده لمشاركة شريكه معاناته فلا يوجد مردود يرضى شهوته هنا،
عدم حياء الشريك
وعدم حياء الزوج/ة يعنى عدم حفظ الشرف لعدم فهم ما تعنيه “العفة”ودورها كحجر أساس فى بناء الأسرة، وتنتهى القصة باكتئاب أحد الطرفين إن لم يكن الطرفان معا وأسرة إما مفككة أو أنثى مطلقة وطفل فاقد لمعنى الرعاية والتربية التى لا يمكن أن تنشأ فى ظل تلك المعايير الواهية فى الاختيار وتعذيب من لا ذنب له إلا أنه ابن ل”حمقى”!
كيف تختار شريك حياتك؟
وهذا كله نتيجة أن الإنسان لم يتفكر قليلا فيما هو سائد ولم يمتلك إرادة حقيقية للبحث والتحليل للوصول للحقيقة وحتى من وصل منهم لم يمتلك الإرادة والشجاعة الكافيين ليكبح شهواته ويحسن من مسار مشاعره، فضلوا الطريق واختاروا شقاءهم وتعاستهم بدلا من اختيار ما فيه صلاحهم وسعادتهم!
ومما سبق يتضح لنا أن الاختيار السليم الذى يتفق مع الفطرة الإنسانية يحتاج فى الأساس إلى عقل راجح “حكيم” وقلب نقى متحلٍّ بالأخلاق وشجاعة فى اتباع الحق وإرادة لكبح الشهوة وتوجيه سليم للمشاعر وبيئة صالحة تعزز من إرادتنا وتقويها وترشدنا إذا حدنا عن الطريق.
الاستقرار يستمد من الطريق لا من الشريك
لنتوقف قليلا..
هل امتلاكنا لهذه الصفات واختيارنا الشريك الذي يمتلكها سيجعلنا نطمئن ونستقر ونشعر حقا بالسعادة التامة؟هل نضمن ثبات الشريك على ما اخترناه عليه أول مرة؟
وإذا فرضنا أنه لم يغير وثبت على صفاته الطيبة، هل من الممكن أن يتمكن شركاؤنا من تلبية ما نطمح إليه من كمال وعدل ورحمة وحكمة ونظام ودقة فى كل فعل وقول؟ بالطبع لا فمن يطلب الكمال من الناقص يطلب المحال.
فما العمل إذا كانت فطرتـنا تجعلنا نطلب الكمال وشركاؤنا لا يمكنهم تلبية ما نطمح إليه بسبب نقصهم وقلة حيلتهم؟ وكيف نتحمل هفوات شركائنا إذا كان طلبنا للكمال فطرة فينا؟
الحل يكمن فى الرجوع للمصدر الحقيقى، مصدر الصفات التى تجعلنا نتعلق بالآخرين، مصدر ما نحب من صفات الكمال والجمال والعدل والرحمة إنه “الكامل” سبحانه وتعالى،
فكل ما علينا فعله هو مساندة بعضنا البعض للسير فى طريقه واتباع ما يرشدنا إليه من سبل للارتقاء والتطور والسمو؛ فالاستقرار ودوام السعادة ودوام العلاقات مع شركائنا “زوج، صديق، رفيق عمل، زميل دراسة …” متوقف على مدى تعلقنا بالمصدر والطريق المؤدى إليه لأنه الوحيد القادر على تلبية ما نطمح إليه…
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا