مقالات

فراغ القلب.. كيف يواجه الصديقان مشاكل الحياة ؟

فراغ القلب.. كيف يواجه الصديقان مشاكل الحياة ؟


ذات مرة التقيت مع صديق لي في يوم الاثنين كما تعودنا دائمًا في هذا اليوم أن نلتقي ، نلتقي لكي نتفكر في أحوال العباد وما آلت إليه البلاد ، ودائمًا ما يكون الحديث بيننا شيقًا وممتعًا لأننا تجمعنا طريقة تفكير واحدة ، لكن هذه المرة كان الحديث مختلف قليلًا ، فكان صديقي يريد أن يتكلم عن عدة مشاكل يمر بها ويراها كثيرًا أيضًا في أفراد مجتمعنا ، فبدأ بالتحدث عن المشكلة الأولى وقال لي ” انا اعرف انني لم اُخلق لكي اجري والهث خلف المال ، وان المال مثله كمثل كل ما هو مادي لا يُحقق لي السعادة الحقيقية التي أسعى للوصول إليها ، لكني كثيرًا ما اتغافل عن تلك الحقيقة ، وتكون أفعالي كلها معاكسة لما اعرف ،

فيؤرقني مرتبي الذي اتقاضاه من عملي مع انني بسببه اعيش في مستوى اجتماعي لا بأس به ، لكني افكر دائمًا واتسائل في كيف لي أن اجعل مرتبي في زيادة مستمرة ، فأُطالب صاحب العمل بأن يسمح لي بالعمل أكثر من الطبيعي ، لكي اتحصل على مال أكثر ، بل انني اتحامل على صحتي وكثيرًا ما أمرض لكي لا افوت امكانية حصولي على مال أكثر ، والأدهى من ذلك انني فكرت منذ أيام قليلة في امكانية سفري خارج تلك البلد لأنني سأحصل على وظيفة حينها ستجلب لي مال لم أكن أحلم به أبدًا ، وسأترك أهلي واقاربي وأصدقائي وواجبي نحو بلدي ، سأترك كل هذا في مقابل ذلك المال ”

المشكلة الثانية والثالثة

ثم تحدث عن المشكلة الثانية وقالي لي ” انا اعرف ان الجمال الحقيقي هو التحلي بالأخلاق الحسنة ولا شيء غير ذلك ، لكنني كثيرًا ما اتأثر بالجمال الظاهري الحسي فانخدع به ، فعندما أرى امرأة تلبس شيئًا جديدًا غير مألوفًا لدي يلتفت نظري إليها وتتكرر نظراتي لها ، وعندما أرى مأكل يحمل ألوان غير اعتيادية تتحرك شهوتي نحوه دائمًا ، بل انني حتى اتابع الموضة كثيرًا واشتري ملابس جديدة حتى ولو لم يكن لدي احتياج لها في تلك الفترة ، لكي يراني الناس جميلًا حتى وان كان هذا الجمال وهمي ”

ثم تحدث عن المشكلة الثالثة وقالي لي ” انا اعرف أن هناك إله بالبراهين العقلية المتينة ، وأتبع دينه الذي هو حق ، واعرف ان اتباعي لهذا الدين يستلزم علي أداء بعض العبادات الأساسية المعينة على أكمل وجه ، لكني كثيرًا ما اتكاسل عن أداء تلك العبادات بالطبع ليس كلها لكن بعضها ، و حتى بعضها لا اؤديه على اكمل وجه ، فأكون مقصرًا دائمًا في أداء تلك العبادات الأساسية بسبب كسلي هذا ، مع انني اعرف ان في تقصيري هذا خطأ عظيم ”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فقولت أحيانًا لا تكون المشكلة بسبب عدم المعرفة ، فالبعض منّا يعرف طريق الحق لكن لا يميل قلبه إلى تلك المعرفة بالتالي لا يفعل ما تلزمه تلك المعرفة من عملٍ نحوها.

 

فلماذا نعرف الحق ولا يكون سلوكنا مبنيًا عليه – أي نعمل بالخير – ؟

لماذا يكون هناك فجوة بين مانعرفه نظريًا وبين ما نسلكه عمليًا ؟

كيف يحدث فراغ القلب ؟

بالنظر إلى تلك المشاكل المذكورة بالأعلى وغيرها ، فإن تلك الحالة تسمى فراغ القلب ، فقد يمتلك الإنسان عقلًا سليمًا وقيمًا ، وغاية فاضلة طويلة الأمد يسعى لها ، ولكن ليس هناك محبة ولا ميل قلبي لها … فكيف يحدث ذلك ؟

يحدث ذلك عندما يحتدم الصراع بين حب المثل والتعلق بالمادة … حب الرقي والميل للدنو فيعرف الإنسان نظريًا أهمية المثل لكن قلبه يظل متعلقًا بحب الدنيا والنذوات الجسدية وشهواتها.

 

فلن تسعى إلى غاية فاضلة ولن تمشي في طريق الحق مادام قلبك يُعاني من فراغٍ يزيد بالتعلق بكل ماتشتهيه النفس ، فكما يقول الإمام أبو حامد الغزالي : قطع علاقة القلب بالدنيا تكون بالتجافي عن دار الغرور والإنابة إلي دار الخلود بل ويجب أن يصير القلب إلى حالة يستوي فيها كل شيء وعدمه ، ففي هذه الحالة فقط يستطيع أن يتمسك قلبك بالحقيقة ويكون سهلًا عليه أن يميل نحو الحق ، فالانسحاق في الأهواء والشهوات يجعل الإنسان بعيداً عن الحق ، ويجعل على قلب الإنسان حجاب فيصعب نفاذ الحقيقة إلى نفسه.

 

وإن كنت تعرف أنك خُلقت لتستكمل نفسك أي تسد ما ينقصك سواء على مستوى الأخلاق والمعرفة والسلوك وأن في ذلك سعادة حقيقية للنفس وأن الكمال الحقيقي للإنسان هو التشبه بصفات الإله وهو الكامل من جميع الجهات فهو الكمال المطلق ، فكيف تستطيع أن تتشبه بالكمالات الحقيقة وتحاول أن تكتسبها وتجاهد نفسك عليها وقلبك مازال يتعلق بغيرها ؟

فلا يستطيع أن يتعلق القلب بالحق ويتعلق أيضًا بشيء لا يعينه على ذلك ، فكيف تكون غايتك التكامل المعنوي وقلبك متعلق بالمادة ؟

الوسيلة والغاية

فاجعل استخدامك للمادة بغرض انها تعينك في طريق الحق ، فإياك ان تعتبرها غاية فتجعل حياتك كلها سعيًا لها ولا تعيش الا لكي تحصل عليها ، بل هي وسيلة وعلى القلب ألا يتعلق بالوسائل ، فالوسائل تتغير وتختلف باختلاف الزمان والمكان ، لكن الغاية الفاضلة ثابتة لا تتغير أبدًا ، فاجعل سعيك نحوها دائمًا ، فبها القلب يتعلق بحق .

وإن كنت تعرف طريق الحق ولم تلتزم بما تُلزمه عليك تلك المعرفة بأن تمشي في هذا الطريق تصبح فاسقًا ، فتكون أقبح من الجاهل الذي فقط لم يعرف ، وإن كان لم ولن يسلم من سوء جهله ، فكثير من الأحيان لا تكون المشكلة في الذي لم يعرف الحق بل تكون المشكلة في منْ عرف الحق ولم يتبعه ، فالحق أحق أن يُتّبع.

فانظر إلى قلبك إلى أين يخطوا … فخطواته نحو ماذا ؟ يخطوا إلى طريق الكمال أم إلى طريق التسافل ، ولا تتركه والحقه قبل أن يُطمس عليه فيُصعب عليك انقاذه حينها.

علاج فراغ القلب

اذًا فما هو علاج فراغ القلب ؟
بإمكاننا النظر إلى العلاج من حيث هو كل لا من حيث تتبع الجزئيات ، كل إنسان لديه حس ووهم وخيال وعقل ، فالحس يجب أن ينقطع عن كل ماهو باطل ، فيغض بصره ولا يسمع ولا يتكلم في كل ما ليس حق ، وهنا يستعلي العقل على الحواس ، فلا تُستعمل الحواس إلا في أشياء تُعين على الحق ، وإن صَلُح الحس فسيتم اصلاح الخيال بالضرورة ، لأن الانسان لن يكون سمع او رأى باطل لكي يتخيله ، وكذلك الوهم ، لن يتوهم الانسان بباطل وحواسه كانت منقطعة عن كل ماهو باطل ، والعقل وهو الأهم ، دوره هو الاستعلاء على الحس والوهم والخيال لكي يتم استخدامهم فيما هو حق ، فبهذه الطريقة البرهانية لن يُعاني الإنسان من فراغ القلب أبدًا .

اقرأ أيضاً .. الأخلاق وتأثيرها على الفرد والمجتمع

اقرأ أيضاً .. ما هي قواعد الحب ؟

اقرأ أيضاً .. فلسطين قضية من ؟

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

خالد حسام

عضو فريق مشروعنا بالعقل نبدأ المنصورة