فيلم الذهب الأسود – صراع منطقة الحزام الأصفر!
تدور أحداث فيلمنا حول نزاع دائر بين مملكتين عربيتين هما ” هوبيكة” يحكمها الملك “نسيب”، ومملكة “حصن سلمى” ويحكمها السلطان “عمار”، هذه الحرب تدور حول ملكية منطقة خارج حدودهما في “الصحراء” يطلق عليها ” الحزام الأصفر “. ولإنهاء هذه الحرب الدائرة تم عقد اتفاقية بين الملكين تقضي بأن تظل تلك المنطقة منزوعة الملكية بينهما في مقابل أن يسلم السلطان “عمار” بعد هزيمته في الحرب أبنائه ” صالح وعودة” كضمان لنجاح الاتفاقية، ولكن حدث خلل في تلك الاتفاقية جعلت السلطان “عمار” يدخل حرب بقيادة ابنه “عودة” لتنفيذ بنود الاتفاقية.
شخصيات الفيلم وما ترمز إليه
وبالعودة لشخصيات الفيلم نجدها تمثل صراعاً بين قيماً مختلفة، ما بين البحث الدائم عن المنافع الذاتية متمثلة في الملك “نسيب” وعلى نقيضه ملك يخضع لأفكار معنوية صلبة متمثلة في السلطان “عمار”، حتى تمثلت الحكمة في شخصية “عودة” الحكيم صديق الكتب منذ الصغر.
جلس الملك “نسيب” في مكتبة مملكته والتي تحمل اسمه وفي يده كتاب يقرأه لينعي وفاة حكمه على المملكة ومنتظراً مصيره من ملك منتصر جديد خرج من هذه المكتبة. وبدخول الملك المنتصر الشاب “عودة” خضع له الملك المهزوم قائلا: “كان لابد لي أن أدخل هذا المكان من قبل”
مشهد يتكرر مع دوران حركة التاريخ بانقضاء حكم ونشأة حكم جديد إما بالحرب أو التوريث أو الثورات ولكن هذا المشهد يسجل اختلافاً عنهم تشهد عليه جدران هذه المكتبة.
ثنائية المادية والروحانية
انتهى حكم الملك نسيب ملك “هوبيكة” المهزوم حينما أخل ببنود اتفاقه مع السلطان “عمار” المؤمن الملتزم بعهده سلطان حصن “سلمى” حول منطقة ” الحزام الأصفر “، واستولى “نسيب” عليها بعد أن توهم أنه بحق القوة والنفوذ والمنح قد تملك قلوب كل القبائل المحيطة به في حربه، دارت بينهما حرب هي بمثابة الحرب بين الطمع في الدنيا وعدم الرغبة فيها من الأساس، انها حرب بين نقيضي طرفين متباعدين تماماً يتنافروا في ثنائية بين المادية المطلقة والروحانية المطلقة.
تمثل الجزء المعنوي المطلق في شخصية السلطان “عمار” حاكم حصن سلمى في تمسكه بمبادئه تماماً، في رفضه لأسلوب حياة غربية مغايرة لهويته مفتاحها بئر نفط في منطقة منزوعة الملكية باتفاق “شاهد الله عليه” كما كان يسميه دائماً مع ملك “هوبيكه” ، وظهرت مبادئه الصلبة كذلك في مقولاته “ان كل شيء قابل للشراء بالمال لا قيمة له .. وأن الحب أو الدم فقط هو ما يظهر قيمة الأشياء” وكان مدلول هذه المبادئ في أنه على الرغم من انتصاره لم يغير مبادئه مع الملك المهزوم، فقد كان شرطه القديم بأن تكون منطقة ” الحزام الأصفر ” بلا ملكية ورفض كل ما يظهر من باطنها من ذهب أسود لأنه المفتاح لمحن كبيرة مستقبلاً لم يشهد عليها الله وفقاً لرأي السلطان عمار.
” عودة ” التيار الثالث
التيار الثالث خرج من غبار معاركهم، هو الملك المنتصر الشاب “عودة”
ارتبط بكليهما – عمار ونسيب – كونه ابن لعمار وتربى مع نسيب كضمان لنجاح الاتفاقية الحربية بينهما، ووجود عودة بينهم قد يكون إشارة فلسفية للعدالة بين قوى النفس “الغضب والشهوة والعقل”، فعودة الذي كان مثار سخرية قواد الجيوش المتفاخرين بالانتصارات العسكرية “كممثل عن القوة الغضبية” القائمة على مبدأ أن الحق مع القوة ، وشهوة الاستيلاء على حقوق الآخرين أو إسكاتهم بهدايا ثمينة تغذي شهواهم المادية دون مراعاة لجانب آخر لهذه النفس لم يدركه سوى “عودة” وهو جانب الروح لدى الإنسان، فسار بقواه العقلية في طريق حق لم يثنيه عنه سخرية الغاضبين عنه بتسميته “ذي الأيدي الناعمة” متعمدين إخافته وإسقاط كتبه بأحصنتهم كدليل على القوة،ولم يرضى بإشباع شهوة السلطة والنفوذ وذلك من خلال إدارته لمكتبة الحاكم والعيش بدور الحكيم المنظر.
تجلت حكمة عودة في اقناع ابيه بالتخلي عن أفكاره الروحانية فقط وترك التمسك بظواهر النصوص، فاقتنع أبوه أخيراً أن بالحياة مظاهر تحتاج إليها النفس الإنسانية لتصل للسعادة بميزان عادل بين المادة والروح ومن أبسط أمثلتها استيراد الدواء من الخارج دون أي حرمان بأن الشفاء من الله. فهدف عودة “الحكيم” هو إقناع أباه أن لكل قضية حل يراعي ظروف الزمان والمكان، فكان “الحب” هو صناعة حل لقضية ” الحزام الأصفر ” والسبب لاقناع “عودة” لأباه بالدعوى للسلام وإنهاء الحرب بين الملكين المتحاربين “عمار ونسيب “.
هذا الحب ليس “مجرد” بل يحيط به حكمة عدم التنازل عن الحق، ونسيان أن الملك “نسيب” قد أخل باتفاقه وسيطر على ” الحزام الأصفر ” معتمداً أنه بإلقاء بعض العطايا الزهيدة من أرباح ذهبه الأسود سيسكت الطرف الآخر. فشهوة القوة والرغبة في السيطرة قد أعمت الملك الطامع عن قوة الروح ودفعته لرفض دعوة السلام معتمداً على قوة أسلحة جيشه الحديث غير مدرك أن الإيمان بالقضية والحق هو الدافع للانتصار مهما كان مدى حداثة الأسلحة الحربية.
الخير قوة
ففي الحرب اقنعت قيادة “عودة” الحكيمة جيشه – على الرغم من كونهم مرتزقة وقطاع طرق – بقيادته وتحمل كل مشاق الحرب، في إشارة فلسفية أخرى أن ضالي الطريق قد يهتدوا بوجود نخبة قائدة تدافع عن الحق، فالحكمة جمعت كل القبائل المنتظرة للدفاع عن الحق والتسليم للقائد “عودة” لأنه كسر جمود عادات كالرق والطمع، فعمل الخير يكون بداية لنصرة الحق، فما أن حرر السبايا من كل القبائل الراضية لعطايا الملك الظالم، حتى هبت هذه القبائل المستضعفة للاتحاد مع “عودة” للدفاع عن الحق المغتصب.
في النهاية كانت المواجهة بين الملك المهزوم “نسيب” والحاكم الشاب “عودة” في المكتبة التي خرج منها الأخير، لتدلل على أن الحكمة الفريضة الغائبة لا تعني الانكفاء في جدران مكتبة دون تطبيق واقعي في الحياة وأن الانتصار للحق هو النهاية مهما طال الطريق.
العدالة والإتزان
انتصرت مبادئ عودة وحكمته في عدم الاستسلام لإغراءات “نسيب” المادية وعدم الإيمان بمبادئ أبيه الصلبة “عمار” في السمو الروحاني فقط دون المادة ايضاً، فقاد الجيوش وانتصر بعلمه وإيمانه على معدات عدوه الحديثة، ولم يستسلم لرغبة أباه بتأجيل قضية محل نزاع ” الحزام الأصفر ” بل سعى لحلها بما لا يخل بحقوق أحد ممن ساعده، ولكن يتبقى الإختبار الحقيقي إلى أي مدى ستبقى حكمته دون تنازلات وأن تظل حائط يحمى هويته وينير بها انقياد القبائل له كحاكم عادل، حتى لا يطمع لإغراءات المادة فقط كـ “نسيب ” ويفقد حكمه كما فقد كل سابقيه الحكم .
في النهاية هل لنا أن نتخيل واقع نعيش فيه حالياً تقوده نخب مؤثرة حكيمة عاقلة تجعل من هذه الحكمة طريقاً نسير فيه مسترشدين بأفكارهم دون حروب أو أفكار تسودها المنافع فقط.
اقرأ أيضاً .. مناقشة فيلم الدائرة
اقرأ أيضاً .. مناقشة فيلم شكراً لأنك تدخن
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.