رحلة البحث عن الحقيقة
إنّ في الإنسان دافعًا اسمه (البحث عن الحقيقة) أي حبّ الاستطلاع للوصول إلى الحقيقة
وإنه لشعور أو محرك داخلي يدفع الإنسان إلى أن يتعرف إلى كل شيء يصادفه في حياته ويلفت نظره، وفي رحلة البحث عن الحقيقة يصادف هذا الانسان الكثير والكثير من المجهولات التي لا يستطيع إدراكها وهل هي هكذا أم هكذا… فينتابه الشك وتستولي عليه الحيرة والتردد. إنّه يرى أمامه علامات استفهام؛ وهذا هو الذي يطلقون عليه اسم الشكّ.
فهل الشك أمرٌ حسنٌ أم لا؟
إنّ الشك أمر حسن ومعبر جيّد للوصول إلى اليقين، وما لم يمرّ الإنسان بهذا الممر فلن يصل إلى اليقين، فالإنسان مقلّد وتابع بطبعه ففي جميع المعتقدات الدينية والوطنية، وأي معتقدات أخرى، يكون الطفل مقلّدا وتابعا لأبويه. ولكن أيجب أن يكون الأمر هكذا أم لا؟
في الحقيقة إنّ ما يعتقد به الأبوان قد يكون صحيحًا وقد يكون خاطئًا. وعليه، إن أراد الإنسان أن يكون من أهل الحقيقة، فأوّل ما ينبغي عليه فعله هو أن يشكّ في كل ما أخذه عن والديه من باب التبعية والتقليد، إذن فالشك أمر حسن لأنه يساعدنا على الوصول الى الحقيقة وما لم يشك الإنسان في السنن المحيطة به، وفي التقاليد التي سار عليها الآباء والأجداد، فلن يبلغ الحقيقة.
قرأت مقوله أعجبتني للغزالي في كتابه (المنقذ من الضلال) يتحدث فيه عن ذلك الشك المقدّس الضروري الذي ينبغي أن يواجه كل شخص باحث عن الحقيقة فتأمل جيّدًا ماذا يقول:
“أخذت أتعمق في التفكير في نفسي: هل أن هذه المعلومات التي حصلت عليها جاءتني عن طريق اليقين، أم إنها مجموعة من القضايا التي قلدت فيها هذا الأستاذ أو ذاك، وإنني قلت بصحتها لأن الأستاذ الفلاني قال: إنها صحيحة اعتمادًا على قول من جاء قبله بصحتها؟ فأدركت أن ذلك لا يكفي، واشتد هذا الشعور في نفسي شيئاً فشيئاً وازداد قوة بحيث إنه شغلني واستغرق تفكيري، وحيثما كنت، في الدرس، وفي الصلاة، وفي البيت، وفي الأزقّة والشوارع، كنت أشعر بالألم في نفسي وبالحرقة في روحي، ممّا كان يقلق راحتي، ثمّ أخذ أثر ذلك يظهر في بدني، فهزلتُ وضعفتُ ونحفتُ، ولم أعد أصيبُ من الطعام إلا القليل”
وعندما كان الغزالي يمر على مجموعه من الشباب يتباحثون ويذكرون أقواله كان يقول:
“تكفي أقوالي فائدةً أنّها تثير فيكم الشكّ في معتقداتكم الموروثة وتحفّزكم على البحث عن الحقيقة بأنفسكم، فإذا انصرفتم إلى البحث عن الحقيقة، عندئذ تدركون الحقائق”.
إذن لابد على كل انسان فينا قبل أن يصل الى مرحلة اليقين أن يكون مر بمرحلة الشك الذي يتجلى في كسر قيود التقليد، وفي تحفيز الإنسان على البحث والسير نحو الحقيقة، وصحيح أن الشك يثير ويبعث الألم في نفس الإنسان ولكنه ألم جيّد وله فوائد حيث أنه يعلن عن حاجة الإنسان الطبيعية للوصول الى الحقيقة.
لكنْ هناك شك سيّء هو الشك الوسواسي، وهو الشك الذي يظل يحدث للإنسان حتى بعد الوصول لليقين، ويظلّ يشككه في كل شيء حتى يدفعه للجنون في النهاية، أو الشك الذي لا يتبعه بحث عن الحقيقة هو شك سيء أيضا لأنه لا قيمة له.