حوادث مؤسفة تكشف لنا أحوال المرأة في المجتمع الغربي – الغرب ليس جنة
قضايا تفضح الغرب
كنت أشاهد حلقة من برنامج “Night Line” الأمريكي وكان موضوع الحلقة عن أحداث فنزويلا الأخيرة فأردت أن أتابع الأخبار هناك خاصة وأن فنزويلا أحد أهم الدول التي تساند القضية الفلسطينية اليوم! المهم بعد تقرير فنزويلا قدم البرنامج تقريرًا عن حادثة جرت في إحدى الجامعات الأمريكية، ويمكنكم مشاهدة التفاصيل في هذا الرابط. في إحدى الليالي وبعد احتفال صاخب في أحد الحانات قامت الفتاة المذكورة تحت التأثير الحاد للكحول بدعوة الطالب المتهم في هذه الدعوة لمنزلها لاستكمال الاحتفال هناك.
كان المنزل مشتركا مع فتيات أخر، وبعد ليلة حميمة، استيقظت الفتيات ليجدن صديقتهن في حالة إغماء شديد. قمن على الفور بإبلاغ الشرطة وتم نقل الفتاة للمستشفى، استيقظت الفتاة بعد ذلك ولكنها لم تتذكر أي شيء عن أحداث تلك الليلة وقدمت دعوى اتهام ضد الطالب بالاغتصاب.
تم القبض على الطالب بالفعل وتم الإفراج عنه مؤقتا على ذمة التحقيق بكفالة قدرها 200.000 دولار. وقال الطالب في التحقيق أن الأمر لم يكن فقط برضا الفتاة ولكنها هي التي طلبت منه العودة معها للمنزل بعد أن لاطفته في الحانة. وقد قامت المحكمة بتبرئة الطالب تماما من كل التهم بعد مشاهدة أفلام كاميرات المراقبة من الحانة التي أيدت رواية الطالب بالكامل. طبعا الفتاة أصيبت بفقدان ذاكرة مؤقت مما أسقط اعتبار اتهامها أمام المحكمة؛ نتيجة الإفراط في تناول المسكرات.
نداءات من مجتمع يئن
هذا كان النصف الأول من التقرير. أما النصف الثاني فكان يتساءل هنا عن معنى الرضا أو الموافقة “consent” من أي فتاة تحت تأثير المسكرات. ذكر هنا التقرير إحصائية أو دراسة أجريت عام 2009 في أمريكا على طلبة الجامعات (تجد الإحصائية في هذا الرابط) حملت المقالة عنوان “يا نساء الجامعات: لا تسكرن”. طبعا لو صدر هذا النداء هنا في مصر في أي مقال سنجد وابلًا من الاتهامات توجه نحو الكاتب لأنه له ميول دينية أو متحفظ أو رجعي أو متخلف. لكن لا تقلقوا؛ فاليوم الغرب هو الذي يوجه هذا النداء وليس الشرق!
من الملفت في التقرير أنه يقول أن نسبة 20% (امرأة من كل خمسة نساء) من النساء في الجامعات يتعرضن لمحاولات اعتداء جنسي من زملائهم في الجامعة، وأن 80% من حالات الاعتداء تلك (أربعة من كل 5 حالات) تتضمن تناول المسكرات. يتكلم المقال بوضوح ليقول “إن أكثر الطرق كفاءة في تقليل نسبة الاعتداءات الجنسية في الجامعات هو تقليل استهلاك المسكرات”. نداءات من مجتمع يئن تحت وطأة ظلم اجتماعي كبير يعصف به. تتكلم إحدى الحالات التي تعرضت لفقدان ذاكرة مؤقت بعد تناول الكثير من المسكرات أنها استيقظت لتجد أنها قد خانت “صديقها الحميم” مع أحد الشباب المشهورين في الجامعة واضطرت أن تعترف بخيانتها لرفيقها بعد ذلك، ناهيك عن كمية المشاكل المركبة في الجملة السابقة لكن الواضح أنه حتى نظام “الرفيق الحميم” الهش الذي نسمع عنه في الأفلام لم يستطع الصمود أمام غزو المسكرات.
من أين لهم هذه الملاحظات ؟!
بيد أن البعض هنا في مصر يضرب لنا المثل والقدوة بالمجتمع الغربي (نفس المجتمع المنحل الذي نتكلم عنه في هذا المقال) ليبشر له في مجتمعاتنا الشرقية المحافظة. ويقول ببجاحة انظر للغرب: لا تحرش ولا اغتصاب على الرغم من التسيب الأخلاقي والانفلات وعدم الالتزام من الجنسين في أمور الملبس والاختلاط. من أين لهم هذه الملاحظات؟ إن أبسط متطلبات القضية الصحيحة أن تكون موثقة ومستندة لدليل إما أن يكون بالإحصائيات كما هو في حالتنا أو بالدليل اليقيني في حالات أخرى. فالسؤال هو: هذه إحصائية عن المجتمع الجامعي لعام 2009، وهو أكثر الطبقات الاجتماعية انفتاحا واختلاطا، تقول أن نسبة التحرش، لا آسف ليس التحرش فقط، بل الإعتداء الجنسي 20% وأن 80% من هذه الحالات مرتبطة بالكحوليات.
طبعا من الطبيعي أن مجتمعًا تعرض للفوضى العارمة وانتشرت فيه السرقات وتكونت فيه العصابات المنظمة في أوائل القرن الماضي عند محاولة تحريم تناول الكحوليات “Prohibition” سيكون متحفظا عند الكلام حول ذلك الموضوع وسيطالب فقط بعدم الإفراط في التناول. لكننا لسنا نفس المجتمع، نحن مجتمع مختلف بخلفية ثقافية مختلفة، وندعي ليلا ونهارا أن علينا أن نأخذ الجيد فقط من الغرب وأن نترك السيء. حسنا إذا، هل من مقياس واضح للخير والشر هنا؟ أم لايزال الأمر يخضع للنسبية ولاختلاف الآراء الذي أذاب الفوارق بين الحق والباطل؟
قواعد لا و نعم
تتكلم إحدى متخصصات علم الاجتماع في حلقة البرنامج لتفلسف معنى جديد للموافقة والرضا الذي تعبر به القناة عن قبولها للمشاركة في أي نشاط جنسي. فتقول لم يعد يكفي أن تنتظر أن تقول الفتاة “لا”، فهم لديهم كلمة مشهورة في الغرب “لا، تعني لا”، لم تعد كلمة “لا” تكفي، لأنك تحت تأثير السكر قد لا تجد العزيمة لتقول “لا”، فعلى الرجل أن يطلب من المرأة أن تقول “نعم” وبوضوح لكي يعرف أنها موافقة.
ولن تفلح هذه الطريقة في المستقبل أيضا وسيجد المحتال ثغرات حولها. ومع كل أزمة جديدة سنجد التقليعات الجديدة لاستجلاب قدر من المشروعية والقانونية على تلك الأفعال الحيوانية في مجتمع يختار من البداية تغييب العقل والقدرة على الاختيار ثم يطلب من الحلقة الضعيفة المقهورة في المجتمع أن تستجلب تلك القوة العقلية من غياهب المسكرات لتجيب عن أسئلة مصيرية وشديدة الأهمية لحياتها.
إن هذه القواعد المتعلقة بكلمة “لا” أو “نعم” لا تعالج أصل المشكلة ولكنها تعالج ظاهر المشكلة فقط، ولذلك لن تنجح تلك الطرق في إنهاء الأزمة بل ستخدر الألم مؤقتا فقط. فالأزمة الحقيقية هو غياب رؤية سليمة لبناء كيان اجتماعي عادل يلبي احتياجات الإنسان كلها بما فيها الحاجة الجنسية بطريقة لا تهين كرامته ولا تعرضه للابتزاز الاجتماعي في مقابل تلبية احتياجاته الأساسية في الحياة. هل تعرفون ما هو هذا الكيان الاجتماعي الذي أتكلم عنه؟ إنه كيان الأسرة الذي تهمش وتعرض للهجوم والتضييق عليه من فلسفات الغرب المادية.
الغرب ليس جنة
لقد انتهي الكلام الآن عن هذا الموضوع، وعلينا أن نعيد ترتيب الأفكار، إن مجتمع الغرب اليوم ليس كما تصوره لنا الأفلام وجنة “هوليود” على أنه ذلك المجتمع المثالي الذي يجب أن نتخذه معيارا ومقياسا يقتدى به، إنه مجتمع كما قلنا سابقا يئن تحت وطأة ظلم وأمراض اجتماعية فتكت بالمجتمع تماما!
إذا دمجنا هذه الظاهرة مع عدة ظواهر فاسدة أخرى تفشت في المجتمع كالدياثة والشذوذ والتحول الجنسي التي باتت أمورا عادية ومنتشرة بشدة، والزواج المثلي، والسماح للأزواج المثليين من تبني الأيتام، وحمل القاصرات. إذا وضعنا كل هذه الظواهر في صورة واحدة عـن الحياة الاجتماعية في الغرب سنجد أنه لم يعد الطبيعي هو إقامة عائلة مستقيمة ومترابطة في المجتمع الغربي. بل إن ذلك أصبح هو الشاذ عن القاعدة، أما الطبيعي فهو طرقات وألوان مختلفة من الإسراف في إرضاء الشهوة الجنسية عند المجتمع الغربي دون أي مبالاة بالآثار السلبية لهذه الطرق غير السوية على العدالة الاجتماعية التي هي أحد ركائز الازدهار الاجتماعي.
على مر التاريخ نجد أن المجتمعات تتألق وتزدهر وتخرج الفلسفة والحضارة التي تؤثر في العالم أجمع عندما تضع على قمة أهدافها العقل والأخلاق والاعتدال في إرضاء متطلبات الإنسان بين العقل والغضب والشهوة، وأن انهيار نفس المجتمعات يبدأ فورا في اللحظة التي يقرر فيها المجتمع خرق هذا التوازن بين متطلبات الإنسان، فلا يجب للمجتمع الواعي أن يسمح للعقل أن يطغى على الشهوة والغضب ولا للشهوة والغضب أن يطغيا على العقل.
ماذا سنفعل بعد سقوط الغرب ؟
كل هذا يجعلني في النهاية أتساءل: هل أصبح من المنطقي بدلا من أن نستمر في التفكير في تقليد الغرب في كل نعراته وصيحاته تقليدًا أعمى على أساس أنه القوة المؤثرة في العالم، هل يمكننا بدلا من ذلك أن نفكر في ماذا سنفعل بعد انهيار الغرب؟ أليست كل تلك المؤشرات والظواهر هي نفس الظواهر التي شاهدناها أو درسناها في التاريخ عن الأمم السابقة؟
إن كان ذلك حقيقيا فإن التخلف والرجعية في هذه الحالة هو أن نصر على الانغماس مع الغرب في نموذجه الهالك لا محالة، أما الحداثة الحقيقية ومواكبة العصر بمجرياته ومتطلباته هو أن نفكر “ماذا سنفعل بعد سقوط الغرب؟” الذي يلفظ اليوم آخر أنفاسه في الجوانب الاجتماعية والأخلاقية، يبينما مازال يصارع في الجوانب السياسية والاقتصادية. وبعد أن ينهار تماما في هذه المجالات الثلاثة لن تبقى له باقية إلا بعض الأطلال التي سنزورها بين الحين والآخر كأهرامات الجيزة أو التي نسمع عنها دون أن نرى لها بقية كحدائق بابل المعلقة. وإلا فأي حضارة يمكن أن تعتبر بعد أن تفشل اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، أظن أن المستقبل يتطلب نمط تفكير مختلف.
أيتها المرأة العربية
وكلمة في النهاية أختم بها للمرأة العربية ومن يدعي أنه يدافع عن حقوقها بنداءات الليبرالية والشهوانية!
إن المرأة العربية لا تحتاج للنموذج الغربي الذي يحولها لسلعة تباع على الطرقات بأرخص الأثمان كما نشاهد اليوم عيانا بيانا في الغرب. ولا يحتاج للنموذج الوهابي المتطرف المشوه للفكر العربي الذي يدخلها في زنزانة ويمنعها من أداء دورها الحقيقي في المجتمع. إن المرأة العربية باختصار تحتاج اليوم للرجل الذي يعرف كيف يصون كرامة أمه وزوجته وأخته وابنته دون أن يجحف بحقوقهن العادلة التي لا بد لهن من نيلها. رجل يعرف معنى المرأة الحقيقي كشريك في بناء الوطن وفي بناء وعي الإنسان في العموم، فكل فرد فينا قبل أن يكون قائدا أو معلما أو مهندسا أو طبيبا كان قبل كل شيء إما ابنا أو أخا لامرأة اهتمت به ورعته الرعاية التي مكنته من أن يكون الإنسان الذي هو عليه اليوم.
فما هي المقومات والشروط الضرورية التي تسمح للمرأة اليوم أن تؤدي هذا الدور العظيم الذي لا يستطيع أحد غيرها أداءه دون إهدار لحقوقها ولا لكرامتها وعفتها. هذا هو السؤال الذي يجب أن نتمحور حوله في موضوع المرأة وليس الكلام الرتيب المتكرر حول كون المرأة نصف المجتمع كمبرر وساتر لكي تفعل المراة ما تشاء ويفعل الرجل ما يشاء. لا، بل كنقطة انطلاق نحو مواصفات ودور هذا المكون الذي يمثل نصف المجتمع وحول الشروط الضرورية التي يتمكن معها من تأدية دوره بكفاءة لإنتاج أجيال المستقبل.
اقرأ أيضاً:
سر الخلطة: لماذا يتقدم المجتمع الغربي ؟
الغربة وآلامها – ماذا يدور في ذهن المغتربين ؟
أيها المسافر: هل فكرت جيداً في قرارك ؟
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.