مقالاتقضايا شبابية - مقالات

توهم المعرفة.. هل كل خريج جامعة يعتبر متعلم ؟

أصبح ما يعرف باسم مجتمع المعلومات في القرن الحادي والعشرين أكثر انتشاراً، وساهم في إحداث تحولات كبيرة ومؤثرة في الاقتصاد العالمي وفي أغلب المجتمعات بخطوات متسارعة من جهة، وفي جانب المعلومات وتقنيات التواصل (تقنية المعلومات) من جهة أخرى، وتتمتع هذه النماذج الجديدة بالقدرة على إعادة تشكيل آليات الاقتصاد العالمي وبث أفكار جديدة ومفاهيم مستحدثة للعالم.

بحيث قصروا مفهوم العلم والمعرفة على إنتاج التكنولوجيا وإدارتها لكي يواكبوا الاختراعات الحديثة ويبتكروا وسائل جديدة أكثر راحة دون اهتمام بقيم وأصول المعرفة، بحيث أصبح البحث عن الحداثة وكأنها هي المعرفة الحقيقية دون مراعاة باقي الجوانب التي قد تترتب على تلك الأشياء!

يسلك الكثير مسار التعليم العادي ولا يدرك أنه قد يكون هناك خلل حين ينتهي من تعليمه الأكاديمي حاصداً شهادة تجعل منه شخصاً في منزلة مرموقة في مجتمعه ولكن هل هذا فعلاً كان مساراً سليماً للحصول على العلم النافع؟!
أم أنه يجب على المرء أن يتعلم سعياً إلى المعرفة التي تعد مطلباً إنسانياً في المقال الأول؟

المعرفة الحقيقية و توهم المعرفة

المعرفة التي هي طوق نجاته من كل ظلمات الجهل الذي يحيط به، ولكنا نجد نموذجاً يعبر عن علاقته والنتائج الحاصلة له من عملية التعليم التقليدية بالقول “إنني أحد تلك الحالات التي أنهت تعليمها الأكاديمي ولكنها وجدت نفسها في تيه من أمرها؛ فأي الطرق أسلك وأين الصواب؛ حيث يوجد الكثير من الحقائق الزائفة التي تتعارض مع بعضها على الساحة مما يثير الاستغراب!”

هل فعلاً هذا ما جنيناه من تعليمنا هذا؟ هل تعليمنا يجلب علامات الاستفهام الكثيرة تلك بدلاً من أن يقدم لنا إجابات على كل تلك التساؤلات؟
وهنا نجد أن التعليم قد فقد قيمته الحقيقية بأنه وسيلة الإنسان للحصول على المعرفة بعد أن تعددت وسائل نقل المعلومات التي لا تظهر فيها معايير التحقق ما بين الصادق والكاذب.
وهنا نجد حقاً أن مشكلاتنا جميعها أصلها واحد وهو غياب الوعي الناتج عن تعليم لم يقدم الآلية والأدوات الكافية للعقل؛ حيث يشكل له جدار حماية يحميه حين يخرج من مؤسساته التعليمية للهرج الخارجي والمعلومات التي تزداد كل جزء من الثانية مما يجعل من العقول قطعاناً من الأغنام تسلك مسلك من يستطيع اللعب بها وتوجيهها إلى ما يريد.
إننا ننتهي معتقدين أننا قد جنينا ما يكفينا من معرفة لكي نعتمد عليه في حياتنا، وفي الحقيقة نكن في درجات أسوء من الجاهل لأننا حينها نكن قد توهمنا المعرفة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كل هذا قد يكون سهلاً في ظاهره ولكن إن نظرنا إلى ذلك بعين الراصد لما يحدث في كل أنحاء العالم -ليس في بلادنا فحسب-
فلسنا وحدنا نتجرع الجهل و توهم المعرفة،

كيف يتوهم الغرب المعرفة ؟

إنما أيضاً الغرب الذي يمدح بحداثته وقدرته على الإبداع والابتكار أيضاً ولكنه لم يدرك أنه توهم المعرفة وأصبح أسيراً للمادة غير قادر على تسليط الضوء على أى شيء معنوي يجلب له قليلاً من الضوء الذي قد يساعده على الخروج من سياق المادة الذي كلما تقدم ازداد تطوراً وتجميلاً في المادة وازداد أيضا فراغاً من الداخل ومشكلات نفسية سلوكية لم يشهدها أي عصر من العصور السابقة.

أجد أن الجميع قد يحمل واجباً تجاه التغيير، فعلى الأقل إذا بدأ كل واحد منا أولا فقد يخرج نفسه من أي توهم للمعرفة مما يجعل منه شمعة تنير لمن حوله، فإن لم يستطع أن يغير في العالم الكبير هذا لأنه كقوة لا تستطيع على هذا التغيير الكبير فليهتم على الأقل بنفسه وبمن حوله.

هل لا يوجد باب خروج من كل تلك المتاهة التي يسلكها العالم؟

يوجد لدى كل إنسان عقل هو القادر على إدارة كل ما يحتويه من إمكانات تجعل منه كائناً قادراً على حل كل المشكلات والخروج منها وعدم الوقوع فيها أيضاً وذلك بتحصيل العلم النافع والتحلق بالأخلاق.
جميع الناس لديهم أدوات معرفية واحدة ولكن الاختلاف هو أي قدر من الاستخدام لتلك الأدوات لكي يستطيع حينها أن يكون صائباً في اكتشاف المعرفة سواءً كان مادياً يسعى بحواسه وتجربته بالحصول عليها، أو إخبارياً يأخذ ظاهر كلمات دينه للحصول عليها  أو إشراقياً يسعى دائما بوجدانه للحصول عليها.
أعتقد أنهم جميعاً يستخدمون العقل ولكن ليس كما يجب؛ فهم يضعونه في المرتبة الثانية بعد أداتهم المعرفية الأساسية.

الحل في كل ذلك هو إدارة العقل لكل هذه الأدوات مما يجعله قادراً على أن يستخدم كل أداة في موضعها السليم لبناء مجتمعات ناضجة فكرياً قادرة على الإبداع غير معرضة لأمراض نفسية ناتجة عن توهم المعرفة أو إغفال الجانب المعنوي لأنفسهم.
المجتمع الفاضل قد يكون من الصعب إنشاؤه لكن لو افترضنا بأن كل شخص لديه دائرته الصغيرة التي قد يستطيع أن ينشأ فيها مجتمعه الفاضل، بذلك نجد في الغد أملاً أنه يوماً ما سنرى أمام أعيننا أن شيئاً من تعبنا الذي بذلناه قد أتى بثماره ليس في نفوسنا فقط بل في واقعنا أيضاً.

اقرأ أيضاً .. أزمة العدالة والخير والشر

اقرأ أيضاً .. الحقيقة في عصر الإعلام

اقرأ أيضاً .. لماذا العقل ؟

 

محمد سيد

عضو بفريق بالعقل نبدأ أسيوط