مقالات

صوفيا والرأس المزروع.. هل ستدمر صوفيا العالم ؟ هل إعادة الرأس تُعيد الحياة؟

في الفترة الأخيرة ظهر “الروبوت صوفيا “[1]، إنسان آلي أعطاه مصنعوه ملامح ووجه سيدة، مبرمج بطريقة تجعله يستطيع إظهار تعبيرات عن الحزن أو الفرح، ويبدو أن المبرمجين قد زودوه بالكثير من الكتب الفلسفية التي يقتبس منها أثناء كلامه، وقد أعطته المملكة العربية السعودية الجنسية.

“صوفيا” قام ببعض اللقاءات والحوارات التي اجتهد البعض في محاولة تحليلها والتنبه لما وراء ردوده ولما بين الأسطر للوصول لنتيجة مفادها أن ” صوفيا ” يخطط لتدمير البشر، وأنه أثناء حديثه يطالب بحقوق للآليين؛ ما يعني امتلاك”صوفيا” للوعي والإرادة للقيام بمؤامرة شريرة لتدمير الكوكب والاستيلاء عليه، أو ربما تطوير تلك القدرات فيما بعد.

نجاح اول عملية زراعة رأس بشرية

منذ شهور أعلن الجراح الإيطالي “سيرجيو كانافيرو” نجاحه أخيراً في زراعة رأس لجثة[2]، بعد أن استمر العلماء والأطباء طويلاً في محاولاتهم لبحث احتمالية  نجاح هذه العملية الجراحية، ومن ثم بعد هذا الاكتشاف الطبي المذهل- وهو مذهل حقاً، فبالتأكيد إعادة ربط كل تلك الأوعية الدموية والأعصاب بين المخ والجسم لم تكن سهلة أبداً- بعد هذا الاكتشاف المذهل، تنبأ البعض بخروج الإنسانية من نفق الموت المظلم أخيراً؛ حيث يمكن إعادة إحياء الجثث ثانية بعد موتها، وما عليك إلا أن تحافظ على جثتك سليمة من التحلل بحفظها في النيتروجين السائل إلى أن يجد لك الاطباء رأساً يزرعوه لتعود للحياة مجدداً، أو ربما يعود صاحب الرأس، لا ندري، لم يجبنا الأطباء عن أيكما ستعود له الحياة!

قد يبدو الخبران مختلفين تماماً، وبعيدين كل البعد عن بعضهما إلا أنهما في حقيقتهما واحد! يجمعهما تصور أن العقل والوعي الإنساني منشأه مادي يمكن بالتطور التكنولوجي التوصل لإنسان آلي يملكها، وأن الروح والنفس الإنسانية مادية، يمكن بنقل مخ سليم لجسد فارقته الحياة، ردهما إليه. يجمعهما اختزال الإنسان في المادة التي تكون جسمه!

المعنوي في مقابل المادي

لنبتعد قليلا عن القصتين، هل تستطيع أن تجد قيمة (س) في هذه المعادلة: 2س+2=8 ؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أعتقد أنك قد درست طريقة حل المعادلات في الصف الإعدادي، وإذا كنت تتذكر طريقة الحل التي درستها، فإنك باتباعها أو بتفكير بسيط سوف تجد أن قيمة (س) في هذه المعادلة هي 3.

بعيدا عن الرياضيات، هل تستطيع تعريف العدل؟

التعريف الصحيح للعدل هو: إعطاء كل ذي حق حقه.

هل تستطيع إدراك معنى الحرية، أو الظلم، أو الحب، أو الرحمة ؟

لا أظنك قد قابلت رجلاً أو امرأة في الشارع يدعى أو تدعى “العدل” أو “الظلم” أو”الرحمة” أو غيرها من المعاني التي ذكرناها، ولا حتى قابلت (س) أو 2 أو 3 أو 8!

ولم تر العدل بعينك، أو تمسكه بيديك، ولا غيره من المعاني، وكذلك لم تذهب يوماً لتاجر الأرقام لتخبره برغبتك في شراء (3)! لا يوجد تاجر للأرقام أصلاً! بل تذهب لتاجر الفاكهة لتخبره برغبتك في شراء ثلاثة كيلوات من البرتقال مثلاَ.

إذن هذه المعاني سواء العدل والظلم وغيرها مما ذكرناه أو الأرقام ليست مادية فلا نستطيع رؤيتها أو سماعها أو لمسها أو شمها أو تذوقها أي لا نستطيع إدراكها بالحواس الخمسة، نعم قد نشاهد موقفاً يعبر عن العدل كأن يعطي مدرس لطالب حقه، لكننا ندرك أن هذا ليس هو العدل، بل موقف يعبر عنه. وقد نرى أم تربت على كتف ابنها، فندرك أن هذا الموقف يعبر عن الحب والرحمة، لكن ليس هذا الموقف هو الحب والرحمة.

فإذا كنا نستطيع إدراك تلك الأمور المعنوية غير المادية، فبالتأكيد لدينا وسيلة وأداة نستطيع إدراكها بها، وهي بالتأكيد غير مادية أيضاً، وإلا فكيف أمكنها إدراك غير المادي؟

العقل البشري

تلك الوسيلة هي العقل التي يستطيع به الإنسان إدراك الأمور المعنوية المجردة، فيستطيع من ثم تحصيل العلوم المختلفة، والبحث في علل الأشياء من حوله وأسبابها، ثم البحث والاكتشاف حتى توصل لصناعة إنسان آلي وضع له ملامح سيدة وأعطاه اسماً، وزوده بالكثير من الكتب الفلسفية،  ثم توهم أنه امتلك الوعي والقدرة على الإدراك حتى بات يخشى خطره أو يطمح لأن يستطيع زرع بعض الشرائح الالكترونية في جسمه ليتمكن بها من التواصل مع الآلات من حوله بطريقة أفضل في قفزة بشرية كبيرة بالتأكيد أن يتمكن الإنسان من التفوق على الآلات أو الاقتراب منها على الأقل!!

وإن هذا لشيء يدعو للعجب حقاً، فلم نر أبداً كائناً يحاول ويجتهد ويبذل الكثير في محاولة للتفوق على صنعته أصلاً التي هو بالتأكيد أفضل وأكثر تميزاً منها، وإلا فكيف استطاع صناعتها من الأصل؟! وكأن البشرية قد عادت لعبادة تماثيل العجوة التي صنعتها بأيديها!

وبالعقل أيضاً استطاع التوصل للاكتشافات الطبية المذهلة التي مكنته من التوصل لعلاجات للكثير من الأمراض التي كانت في وقت من الأوقات تحصد الملايين من البشر حتى بات يتحدث عن زراعة رأس!

هل ستدمر صوفيا العالم ؟

“صوفيا ” قد يدمر الكوكب فعلاً، قد يقتل كل إنسان يظهر أمامه، لكن ذلك لن يكون أبدا لامتلاكه الوعي والقدرة على الإدراك المجرد والإرادة، لإن المادة لا تتحول  لمجرد أو معنوي، فمهما تطورت العلوم التكنولوجية لن تستطيع إكساب”صوفيا” عقلا.

فأنت إذا كان في جيبك كيس من النعناع، وتمتلك الماء الساخن والسكر، لن تستطيع أبداً باستخدام تلك الأدوات أن تعد كوباً ساخناً من الشاي! والإنسان بامتلاكه للمواد اللازمة لصناعة إنسان آلي من معادن وأسلاك ودوائر كهربية وغيرها لن يستطيع أبداً إيجاد عقل ووعي وإرادة.

قد يدمر” صوفيا ” الكوكب لإنه قد برمج على ذلك، أو لخطأ ما في برمجته، لكن ليس لإنه يدبر ويخطط لحكم الآليين! في الحقيقة الإنسان فقط يستطيع أن يدبر ويخطط لتدمير الكوكب.

هل زراعة الرأس البشرية تُعيد للمرء حياته ؟

وبعيداً عن الاعتراضات الطبية على عملية زراعة الرأس[3]، أو للدقة: إعادة توصيل جسد برأس مقطوع عن جسد آخر، فإن الرأس المزروع لن يعيد الحياة لذلك الجسد مهما بلغت دقة العملية ومهارة الجراح في إعادة ربط الأوعية والأعصاب المقطوعة، فالروح أو العقل ليسا مجموعة من الذرات والمواد الكيماوية أو المراكز العصبية في المخ، بل أمور معنوية مجردة عن المادة، إعادتها لجسد بعد مفارقتها له لا تحتاج لجراح حاذق، لكنها تحتاج لقوة غير بشرية مفارقة للمادة.

سعي الإنسان لأن يصبح أفضل، ولأن يترقى ويتكامل هو أمر فطري، لكن تشخيص الكمال الحقيقي وفهم القدرات البشرية ضروريان لتوجيه سلوك الإنسان، ولأن يكون بذله وسعيه ناجحاً فعلاً!

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

 

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية