الكوميديا ودورها الهام والمؤثر في الغزو الثقافي والفكري في المجتمعات
تحتل الكوميديا منزلة كبيرة في وجدان أغلب الشعوب وخصوصا الشعوب العربية وقد عدها كثير من الكتاب والمؤلفين من سمات بعض المجتمعات وخاصة مجتمعنا المصري وأن هذه السمة هي من ضمن الوسائل الفاعلة في التغلب على الصعاب والصبر عليها.
وفي مقالنا هذا لا ننتقد الكوميديا في ذاتها بل نحاول أن نستعرض كيف تم استغلال هذا الطابع البشري الفريد في عملية تغيير القيم وتسفيهها! كذلك نحاول أن نسلط الضوء على الكيفية التي تم استخدام الكوميديا فيها للنيل من الكثير من الرموز سواء العلمية أو الأخلاقية والوطنية أو حتى الدينية.
بالرجوع إلى بعض الأعمال الكوميدية الأكثر شهرة وشعبية سواء في المسرح أو التلفزيون وحتى البرامج الكوميديا نجد أنها تحدد موضوعًا ما أو شخصية بعينها ويتم التركيز على بعض المواقف الجزيئة غير المترابطة وتقديم تفسيرًا غير موضوعي يغلب عليه طابع السخرية مما يُفقد هذه الشخصية أو القيمة هيبتها وأهميتها في وجدان الناس، وبتكرار هذه العملية بصور مختلفة وبطابع لا يخلو من الإبداع تترسخ في عقول الناس السخرية التى هى في الأساس غير منطقية وتعتمد اعتمادًا كبيرًا على المغالطة ويصبح التسفيه هو القيمة الحقيقية وتتراجع القيمة ويتم النيل من الشخصية المراد إسقاطها.
الكوميديا وتأثيرها
ولنا هنا بعض الأمثلة التى تفسر التوضيح السابق
فكلنا نتذكر “مدرسة المشاغبين” هذا العمل الكوميدي الذي ما زال له قبول إلى يومنا هذا وكيف تم من خلال بعض النجوم المحبوبين عند الناس وخاصة الشباب في ذلك الوقت وتم تقديم نمط مغاير ومختلف عن الذي كان سائدًا في ذلك الوقت عن علاقة التلميذ والأستاذ!
وأغلبنا يكاد يذكر كل تفاصيل هذا العمل وكم التهكم والسخرية سواءً من المدرس أو المدير في إطار كوميدي مبدع! رسخ فيما بعد للكثير من التجاوزات التي شهدتها مدارسنا فيما بعد؛ فقد تم النيل بقسوة من شخصية الأستاذ القدوة للطلاب وكانت تلك مقدمة للتركيز في أعمال أخرى وبطرق متنوعة حتى بات وضع المعلم الآن في مجتمعنا لا يخفى على أحد.
كما نلاحظ نفس النمط ولكن بأسوب تراجيدي لا يخلو من الكوميديا أيضا، كان الهدف منه هذه المرة السخرية من أصحاب البشرة السمراء وكأنهم بشر من الدرجة الثانية وأنهم دائما ما يوصفون بأنهم مصدر القبح والجهل والتخلف وأنهم يجب أن يتخلصوا من بشرتهم هذه باستخدام مساحيق التجميل الغربية، وكأن المرأة البيضاء هى معيار الجمال! كذلك التهكم على السيدات أصحاب البدن السمين باعتبارهن ناقصي جمال ورونق وجاذبية وأنهم يجب أن يكونوا كعارضات الأزياء حتى يرضين الرجال!
السخرية من الصعيدي
أيضا من الأمور الواضحة والتي ترسخت في الكثير من الأعمال الكوميدية هي شخصية (الصعيدي) تلك الشخصية التي تم النيل منها بكل قسوة وظلم كبير ذلك لأسباب لا تغيب عن كل متابع لصعيد مصر؛ فدوره في مواجهة الاحتلال الفرنسي والإنجليزى معروف، ورفض قادته الشعبيين والروحيين للظلم واستكبار المماليك والحكام العثمانين أيضا لما يحمله الصعيد من قيم وثوابت أخلاقية تعبر عن عمق الهوية المصرية بشقيها (الإسلامي والمسيحي) فقد تم النيل من شخصية الرجل الصعيدي باعتباره رجلًا متخلفًا ساذجًا انتهازيًا في بعض الأحيان ضاربين بذلك تاريخ العلم والعلماء والأشراف ورجال الدولة والمثقفين في صعيد مصر،
كما تم النيل من القيم الأخلاقية التي يتمتع بها أهلنا في الصعيد من نمط العلاقة بين الرجل والمرأة ودور العائلة والأسرة في التربية والتنشئة، حتى اللباس الذي يعبر عن هويتنا والكثير من القيم التي حفظها الصعيد تم السخرية منها في ذلك الإطار الجهنمي المغلف بغلاف الضحك والسخرية.
السخرية من القيم
كما لم يسلم الطالب المجتهد والباحث الذكي والموظف الشريف والمرأة الراضية بدورها في المنزل من تلك السخرية أيضا حتى أصبحت كل القيم والشخصيات الأساسية في أي مجتمع محلًّا للنقد والسخرية؛ مما أفقدها هيبتها وتأثيرها الوجداني في نفوس شبابنا وأصبح نجوم الكوميديا الساخرين من كل شيء هم القدوة!
وأخيرا وليس آخرا نقول أن الكوميديا لها أثر كبير وفعال في وجدان الشعوب وكما تم استخدامها بهذه الطريقة البشعة يمكن أيضا أن تكون وسيلة للإصلاح شريطة أن يوجد من كتابنا ومبدعينا من يعي خطورة هذه المهارة وأن يحاولوا جاهدين تصويب مسارها.
اقرأ أيضاً .. ” من احلم معايا لـ داري يا قلبي” لماذا لم يحبنا العالم ؟
اقرأ أيضاً .. هل تصفح الفيسبوك بيجيب اكتئاب ؟