إذا سقط صغير الصقر في عش الدجاج لما يكبر ليصبح دجاجة؟
وقع فرخ الصقر من عشه وقد سقط بإحدى مزارع الدجاج، فعاش كما يعيش الدجاج، أكلُه أكلهم، وطريقة مشيه هي ذاتها مشيتهم، باختصار التربية كانت تربية الدجاج، وعندما كبر تطلَّع في السماء ووجد الصقور تحلق وتحدث وتمنى لو يحلق مثلهم فما كان من الدجاج إلا أن سخروا منه: أنتي دجاجة ولست صقرا هيهات هيهات أن تحلقي يوما! وفي كل مرة يتم تكرار تلك المقولة له حتى رسخ في ذاته أنه دجاجة وعاش عمره كله كالدجاجة.
والحاصل من تلك القصة هو أننا نربي أبناءنا على تلك الشاكلة التي تربى بها هذا الصقر في أن يصبح صقرًا جسما لكن دجاجة في السلوك والمعيشة، فتجد الأم عندما تستذكر الدروس لطفلها ولا يفهم أو أن يسترجع كلمة من المفترض أن يكون قد حفظها تجد الأم تنهال بالضرب على طفلها ويعلوا صوتها وتندد بالطفل: أنت غبي، لا تفهم أأنت لا ترى كيف فلان في نفس سنك لكنه أفضل منك؟!
وتلك هي الآفة التي تهلك وتدمر نفسية الطفل التنديد وترسيخ مفهوم أنه غبي ومع تكرار تلك الكلمة في كل موقف من المواقف يترسخ في عقل الطفل أنه فعلا غبي ولا قدرة له على التحصيل فتحدث الانتكاسة لديه ويصبح ويتصرف على مدلول تلك الكلمة: أنت غبي.
وللأسف الشديد تلك الطريقة متداولة في كثير من البيوت، فتجد الأم تعقد تلك المقارنة على أسماع طفلها في كل مرة يخفق فيها (فلان بن فلان أشطر منك)، (أنت ليس منك رجا). كل تلك المقولات للطفل هي معاول هدم في شخصية الطفل ، فتتولد لدى الطفل عقد كثيرة عقدة النقص وعقدة كره الغير لأنه أفضل منه وتمني زوال النعم من الغير لأنهم يفوقونه مهارة وعقلا؛ لذا يجب الحذر من كل كلمة تقال للطفل على سبيل الإهانة والتأنيب.
ماذا نريد؟
ما نريده هو جيل يقود ولا يقاد، نريد جيلًا ينشأ على عزة النفس وعلى الثقة في قدرته، لا نريد رئيس هيئة فاقدًا لشخصيته فاقدًا للثقة في النفس، يشعر بالدونية وعدم الكفاءة جراء تربية خاطئة قد أثرت في شخصيته وبالتبعية يلقي بظلال ونتاج تلك التربية على أبنائه وعلى موظفيه وعلى الجمهور الذي يتعامل معه من واقع وظيفته ومركزه.
ولنعد للبداية أولا: علينا أن نربي أنفسنا أولا لكي نستطيع أن نربي أبناءنا، علينا بحسن الاختيار سواء أكنت رجل أو امرأة علينا بحسن الاختيار من البداية فتربية الطفل تبدأ من قبل الزواج تبدأ من اختيارك لزوجتك أو اختيارك لزوجك، يجب أن تختار الفتاة الزوج الصالح القادر على تحمل المسئولية المتصف بالعقلانية والثبات، فلا تنجرف نحو معسول الكلام وكلام وقصص الأفلام الرومانسية التي تحيل الحياة على أنها قصة حب مع رحلات وكلام حب يدوم طيلة العمر .
وأن الحياة كلها ستكون بمثابة جنة عشق، ونحن لا ننكر أهمية الحب والعاطفة فبها تقام الأسرة السعيدة، لكن ما نود أن نقوله أن الحياة ليست كلها وردية كما تصورها الأفلام والقصص الرومانسية فالحياة مسئولية مشتركة بين الزوجان تتوزع فيها الأدوار بينهما، وعلى الرجل حسن اختيار زوجته التي تتصف بصفات الوفاء والتربية الصالحة عند تلك النقطة تبدأ تربية الطفل الذي لم يولد بعد.
مسؤولية التربية على من؟ وكيف نربي ؟
ومسؤولية التربية ليست كلها تقع على عاتق الأم وحدها فالأب ليست خزانة أموال بل دوره أكبر من ذلك بكثير فهو القدوة التي يستقي منها الأطفال نبع التربية، وهو ما نطلق عليه التربية بالقدوة فعندما يراني ابني أكذب وأقول له عندما يطرق أحدهم الباب ليسأل عني فأقول لطفلي: (قول له بابا ليس موجود)هنا أنا أربي طفلي وألقنه درس الكذب بأن الكذب أمر عادي ليس سيء فأنا أكذب فلا ألوم طفلي على الكذب؛ فالتربية بالقدوة هي أهم أسس التربية.
من يجد أباه أو أمه في كل المعاملات مع الآخرين صادقا فينشأ الطفل على حب الصدق ومن يجد أباه يلقي بالقمامة في قارعة الطريق سينشأ على أن إلقاء المهملات وعدم الاهتمام بالنظافة العامة هي سلوكه، ومن غريب المواقف التي تقابلني أن تجد الأب والأم في إحدى وسائل المواصلات يلقنا أطفالهم درسًا في عدم احترام الكبير بأن يجعلوا أبناءهم الصغار يجلسوا على المقاعد وهناك رجل مسن واقف بجانبهم فلا ينبهوا الطفل على أن يقف ويجعل المسن يجلس مكانه! هنا يتربى الطفل على عدم احترام الكبير.
كل تلك المواقف التي ذكرناها هي على سبيل المثال وليس الحصر، علينا الاهتمام بسلوكنا أمام أبنائنا، وعلينا أن نهتم بكل كلمة نقولها أمام أطفالنا لأنها ستثبت في عقله فالإنسان يتشكل حيز كبير من سلوكه في سنواته الأولى؛ لذا كلنا مسئولون عن أمتنا لأننا نحن الذين نربي أجيالًا وقادة وموظفي وعمال تلك الأمة.
اقرأ أيضاً:
دور التربية في إنشاء أطفال سوية
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط
ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب