أزمة العدالة والخير و الشر.. ألن نتمتع بعالم خالٍ من الشرور ؟
أزمة العدالة والخير و الشر.. ألن نتمتع بعالم خالٍ من الشرور ؟
كانت تنطلق فلسفة هيجل الفيلسوف الألمانى من نظرية تسمى توالد الأفكار، بمعنى أن الفكرة تأتى إلى الوجود نتيجة تصارع فكرتين متناقضتين، وفسر حركة التاريخ بتلك النظرية، أى أن تطور التاريخ وحركة المجتمع تأتى نتيجة وجود طرفين متناقضين ( الخير , الشر ) ثم يتولد طرف ثالث، وبغض النظر عن كون تلك النظرية مستوية السرد أم بها عوار فلسفى إلا أن الفكرة استوقفتنى وراقت لى وجعلتنى أفكر أنه لا يستلزم توالد طرف آخر فحسب بل يمكن أن تغلب فكرة ما نقيضتها وتسود، فلدينا الصراع بين الخير و الشر أو الحق والباطل، أحدهما سينتصر أو هو سائد بالفعل أو الصراع بين الباطل والباطل قد ينتهى بطريقتين إما أن يفنى بعضهما الآخر وتخلوا الساحة للحق أو ينتصر أحد البواطل ويعود للصراع مع الحق.
البقعة البيضاء
ذكرتنى هذه الأفكار بواقعنا المعاصر حيث نعيش فى “ديسيوتوبيا” عالمية يرتع فيها الشر يمنة ويسرة بلا رقيب أو حسيب، وفى هذا السواد الذى يخنق المعمورة نجد بقعة بيضاء ليست صغيرة ولا كبيرة بل لها أبعاد تعطى انطباعًا للرائى أن هناك شيئا ما يحدث أو على وشك الحدوث، هذه البقعة البيضاء تؤرق السواد المنتشر المستبد فهو يجدها تُلطخ الديكور العالمى ولا تليق به، هو يخشاها لا بحجمها بل لقوتها المعنوية، يخشى من المعنى الذى تتركه عندما يأتى ذكرها أو يلمحها أحد، يخشى أن يسود الواقع الرمادى كالبرص فى جسده الأسود وتتمدد حتى تخنقه وتسود، هذه البقعة البيضاء هى المقاومة بكل ما تحمله من معانٍ وأفكار ومصاديق، والسواد المتشح والكبرياء والعجرفة و الشر هو النظام العالمى بماديته وجشعه وشهواته وقيمه النسبية .
العدل هنا أم في حيوات أخرى
هذا الواقع قد ترك ظلاله داخل عديد من النفوس وجعلتها تنظر للسماء وتتساءل عن جدوى الحياة واستمراريتها، وحينما لا تأتى الإجابة من أهل العلم يسعى الناس للتوهم فيهتفوا فى ذكاء “نعم، لا بد وأن الحياة ليس بها متسع للعدالة، وأنه لنلقى ضالتنا المنشودة -العدل-لا بد أن نعانى فى هذا العالم ونلقاها فى عالم آخر”ومن هذا المنطلق يدخل إلى النفوس تبرير الشر على أنه عمل إلهى واختيار من السماء !
وفى الواقع لم أستسغ تلك الرؤية قط؛ إذ إنه ثبت بالبرهان أن الإله يفيض بالعدل ولا ينقطع فيضه سواء فى هذا العالم وما بعده وأن كل موجود له كمال واجب عليه أن يتحصل عليه، وأن العالم هو موجود من تلك الموجودات وله كمال هو الآخر لا بد أن يناله قبل انتهاء الغاية من وجوده، وأن هذا الكمال لا بد وأن يحصل من طريق إنسان عاقل فاضل يحمل منهجاً ربانياً ويسعى لإقامة مجتمع الفضيلة والعدالة،
فالعالم لا بد أن يصل لكماله شأنه شأن جميع الموجودات ولا بد أن يكون هذا عن طريق المنهج الإلهى ولا شىء غيره، ولا بد أن تتم التجربة بشكل واقعى على الأرض قبل نهاية العالم وإلا لاعتبر فكرة أن المنهج الإلهى صالح لكل مكان وزمان وأنه الباب الوحيد للكمال المادى والمعنوى لم تختبر بعد وستظل محل تشكيك، كل ما قلناه خارج من معنى العدل الإلهى والحكمة واللطف.
تلك المعانى غائبة تماماً عن شبابنا، فوجود العالم والهدف منه وتحركات الخير والشر تربكهم ولا يستطيعون أن يجدوا لها تأويلاً أو تفسيراً، وسواد الشر والفساد فى العالم وخلو العالم من الهُداة والمربيين يعطيهم الحق فى الإيمان بالعدالة أو الخير أو حتى وجود الإله.
تدافع من ما بين الخير و الشر
كما قلنا فى بداية المقال لحدوث حركة فى التاريخ والمجتمع لا بد من وجود طرفين يحدث بينهم تدافع ما ونتيجة ذلك ستُخلق حضارة ما تسود لفترة حتى يظهر قطب آخر يدخل فى صراع مع القطب المغاير له وهكذا… ولمنع التسلسل وحتى لا يحدث الصراع إلى ما لا نهاية ولأن العالم المادى شأنه شأن أى شىء مادى لا بد له من زوال، ولأنه موجود لا بد له من كمال كما ذكرنا فلا بد أن يكون آخر صراع ستشهده الأرض هو بين قطب الخير الخالص وقطب الشر الخالص.
الصراع الآن فى العالم بين الإلهيين والماديين، بين المقاومة والاستعمار، وينقسم العالم بين هاتين الجبهتين، وإذا نظرنا إلى واقع شبابنا حالياً سنجد ارتباكاً حول طبيعة جبهة الخير وجبهة الشر وما يجب عمله نحوهما، وسنجد للأسف أن معظم الشباب يتجه للحياد والانسحاب زاعماً أنها ليست معركته أو أنه لم يحصل لديه اليقين بعد،
ولكن على النقيض نجد جبهة الشر لها جاذبية كالثقب الأسود تسحب إليها الكثير من المؤمنين والأتباع ونرى كيف أنهم مخلصون لجبهتهم ويحاربون من أجل نشر وسائلها وملحقاتها، بينما أتباع الحق متخاذلون متهاونون فوضويون لا يسعون إلى نشر مبادئهم أو حتى الإشارة إليها، على العكس من جبهة الشر النشطة المنظمة، نعم انتشار الشر فى العالم هو نتيجة تخاذل أتباع الحق وحملة العقلانية تجاه واجباتهم الاجتماعية هذا هو كل ما فى الأمر .
أتباع الحق .. ماذا يفعلون و من يكونوا ؟
فى الحقيقة نعزى هذا الخلل إلى مرض الأنانية والفردانية الذى يعتنقه معظم الشباب، فحامل الحق ينظر لنفسه فقط ويعمل على مصلحته فقط ويبخل على المجتمع بالأخلاق والعلم وهذا عكس ما يدعو إليه الخير والعقلانية، فتخاذل صاحب الرسالة عن رسالته وكانت النتيجة انهيار عالمه من حوله وإحساسه بعدم جدوى ما يحمله من خير وإنكار تأثيره كالمريض الذى يرفض الدواء والطبيب ثم يشكو من تزايد المرض عليه، تغافلنا عن علل النصر وأسبابه هو سبب ما نعيشه من ذل وهوان .
النهاية لا بد أن نلتزم بما نحمل من منهج بملامحه وشرائطه بغض النظر عمن نحب أو نكره ونضع فى حسباننا مسئوليتنا تجاه المجتمع، ونُوعى الشباب بطرائق الخير والشر وطبيعتهما حتى نرفع اللبس عن أذهانهم وتتفتح عقولهم ويقبلوا على الخير ببينة ودليل، لا بد أن نعمل على إحلال النظام العالمى الاستهلاكى المادى الحالى والعمل على إيجاد نظام عالمى بديل قوامه العقل والأخلاق والقيم الفاضلة، هدفنا إنشاء المجتمع الفاضل “يوتوبيا مجتمع الخير”.
اقرأ أيضاً .. معضلة الشرور
اقرأ أيضاً .. لماذا كل هذه الشرور في العالم ؟
اقرأ ايضاً .. حمزة نمرة وداري يا قلبي
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط
ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب