أخلاقيات العمل .. كيف ننمي الأخلاق داخل بيئة العمل!؟
تستيقظ نهى يوميا، تعد ملابسها، ترتديها، تأخذ وسيلة المواصلات التي تساعدها على الوصول إلى عملها، تستقبل يومها بصحبة رفاق العمل تساريهم الأحاديث عن كل ما يدور حولهم. يبدأون حديثهم عن تلك الزميلة التي تزوجت وكيف كان حفل زفافها مملًا وأنهم لم يستمتعوا بالحضور، ثم يذهبون سريعا حول زميلهم الذي يعمل بإتقان في مهامه مستهزئين بإخلاصه في العمل فهو دائما غير متاح، لا يتبع طريقتهم في تنظيم أحداث اليوم كتناول الإفطار أولا ثم بعض المناقشات والمناورات مع ترك وقت لإنجاز عملهم سريعا آخر اليوم.
تشغلهم بشدة أفعال كل من حولهم سواء كان داخل نطاق الوظيفة أو بين عائلتهم أو أزواجهم، الكل يروي قصته ثم يشرع الآخر في طرح الحلول الثمينة -من وجهة نظره- التي يجب على الراوي سرعة تنفيذها.
في دائرة عمل كل منا غالبا توجد تلك المجموعة إن لم نكن نحن منها وكأنه من ضمن بنود عقد العمل “توظَّف وكن الراوي والمستمع والمحلل”.
في نفس المؤسسة يوجد طارق الذي أحدث مشكلة للتو مع زوجته وجاء إلى العمل وهو غضبان قد فقد السيطرة على أعصابه فمع أول نقاش يخرج عن صبره مع زميله، والدم ينطلق في جسده كالنار التي لا يجد من يطفؤها فتلتهمه هو ومن أمامه. بجواره مي التي بدأت يومها بسماع أخبار غير طيبة من أمها وذهبت إلى العمل وهي حاملة لهمومها لا تبتسم أمام أحد، وإذا حدثها أحدهم تنظر إليه بكل يأس مما يثير الحزن في نفس من يقابلها.
لماذا كل هذا؟
في ظل ما يمر به العوام من ظروف وأزمات سار الإفصاح عن مشاكلهم هو وسيلة التفريغ الوحيدة التي تشفي صدورهم وتهون ما يعيشون تفاصيله، فكان من الضروري لهم التحدث والبوح عن أحوالهم وأحوال غيرهم. ومنهم من هو غير قادر على إخراج مشاعره بهذا التسلسل فسقط في دائرة الغضب لكل من يقع أمام عينه ومنهم من صنع من يأسه بيتًا سوداويًا.
لا يوجد اعتراض في أنك تجد من تداوي معه جرحك أو من تروي له ما يؤلمك أو طريقة عرضك لما يسير في منظومة يومك ولكن اختيار الشخص والوقت والمكان هي من العوامل الجسيمة في التعبير، ولبيئة العمل ضوابط عدة.
بيئة العمل
لو انطلقنا من دلالة الألفاظ لنفهم المرادف الصائب للفظ بيئة ثم نربط بين ذلك المعنى وبين تصورنا المتشكل في مخيلتنا عنه، سنستنبط أن “بيئة” هي محيط أو وسط يحيا فيه الإنسان ويتأثر بيه ويؤثر فيه وبالتأكيد يصاحبه الأشخاص المشتركون معه وفقا لكون الفرد منا كائنًا اجتماعيًا مثال على ذلك: المؤسسة أو المصنع أو المكتب أو الشركة.
إذن بعد إدراكنا يأتي التصور السليم عن البيئة كـ كونها فعالة، إيجابية، مترابطة، يتعاون أفرادها بها ليساهموا في تقديم عمل منتج لهم ولمجتمعهم.
ولأننا نتحاور حول مفهوم البيئة والأفراد لا بد من وجود عامل متين يحكم سلوك هؤلاء الأشخاص فيما بينهم وهو ما يمكن أن نعرفه ب أخلاقيات العمل.
الأخلاقيات
الأخلاق هي الفعل الراسخ الذي يقوم به الفرد تجاه مع من يتعامل معهم بشكل تلقائي دون التفكير به ويمكن أن يكون ذلك الفعل حسنًا أو قبيحًا. وعند الجمع بين الأخلاق والعمل نجد أن هناك معادلة يجب أن تتوفر: “أخلاق نبيلة سامية في بيئة عمل عادلة تنتج أعمالًا قيمة هائلة”، والأخلاق الحسنة أمر هام وله دور كبير في سريان العمل يوميا بشكل إيجابي متميز.
والالتزام بتلك الأخلاقيات يساعد الموظفين فيما بينهم على الارتقاء بذواتهم مما يساهم في خلق بيئة معنوية سوية كتقديم العون لأحدهم إذا تعثر عليه مهمة ما، أو بث الطمانينة والبهجة في روح مطفأة، أو تهدئة شخص كاد يقدم على فعل غاضب، أو مطالبتك لمجموعة بعدم الحديث عن زميل ما بالسوء، شهادتك بالصدق في موقف يحتم عليك ذلك، رحمة من أساء إليك إذا وقع خطؤه تحت يدك بدلا من التأثر منه والكثير من ذلك تحت مظلة السلوك الطيب الذي يدفع لتحقيق العدل والعلو الإنساني في بيئة العمل.
ولكن على خلاف ذلك نجد أن معظم الأشغال حاليا يسودها جوًّا من التنافس غير الشريف مع مزيد من المشاحنات اليومية بين العاملين والحديث الزائد بما هو غير مجدٍ والخروج عن سير العمل، أيضا سيطرة القوة الغضبية على القوة العقلية واستحسان الفوضى على النظام مع عدم التحكم في المشاعر ونشر الحزن في نفوس المحيطين، وغير ذلك من السلوكيات التي تؤدي إلى التردي والصراع بين الأفراد.
الحكمة واجبة
الفارق هنا بين الخلق الحسن والقبيح: هو إعلاء لصوت العقل، هو قرار منك أن من حولك ليسوا مسئولين عن ما تمر به من أحداث في حياتك الشخصية، هو بحثك عن معنى لما تقوم به وما الغرض من كل سلوكياتك وإدراك واعٍ منك أنك لست بمفردك، فلمَ علينا أن نقاوم يوميا أفعال أفراد مبتذلة تجعلنا غير قادرين وعاجزين عن المواصلة؟
أعلم أن الرأسمالية وأدت غالبيتنا وجعلتنا نستيقظ لنذهب للعمل لنجني المال الذي ننفقه فنعود للعمل ثانيا مسلوبي الإرادة لكسب المزيد والمزيد، ولكن وجودنا في ذلك الترس يتطلب منا ألا نخضع أيضا في تعاملنا مع بعضنا البعض بالدونية والوحشية.
“الأخلاق ليست فقط نظاما للتعامل بين الناس ولكنها هي التي تنظم المجتمع وتحميه من الفوضى”
نجيب محفوظ
فالحكمة توجب التمسك بأخلاق قيمة نسعى لتطبيقها مع من حولنا، وإن طغت علينا الماديات أتمنى ألا نستسلم للمعيشة الحيوانية والأساليب المشوهة والمعنى الهابط للحياة.
اقرأ أيضا .. كيف تتهذب النفس البشرية
اقرأ أيضا .. متى يكون الإنسان ممسوخا؟
اقرأ أيضا .. النظرة المادية للأخلاق
اقرأ أيضا .. مأساة المجتمع الأزرق