العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم، ماذا لو لم نغضب أبدا؟
هيهات هيهات بين ما كان قبل تلك اللحظة الفاصلة وما أضحى بعدها؛ فقد تزامنت مع عُلو الصوت وصياحه. وأَذِن فيها لهذيان اللسان بالسُبَّة وسيطر الغضب على المشهد والشِتام بلا سُلطان يحكمه وربما تجاوز الأمر وتصاعد نحو صراعٍ الأبدان واشتباكها.
فسرت أمواج الإساءة متلاطمةً ومتلاحقةً لتُغرق أطرافها في دَوَّامةٍ دائرة تحمل الألم والفرقة والشتات في طيات جريانها فتمحو الخيرات ويندثر معها الفضل وتُهان فيها العِشرة و تنفرِط لها لآلئ عِقد الرحمة والوِد وتشتَتَ بها ذاتُ البين وتنهار أمامها أعمدة الشراكات وتُنكثت بسببها عهود الصداقات وتضيع الحقوق والأمانات ناهيك عمّا يصاحِبُها من إيلامٍ للنفس وإمراضٍ للجسد.
فقد حَكم الغضب دولة النفس وتربع عرشها بعدما أطاح بسلطة حكمة العقل وفضيلة الحُلم ومكارم الأخلاق.
فلمَّا انقطع دابر الوعى والإدراك عن اللسان أصبح سوطاً سليطاً يتبارى أمام خصومه بقوةِ وشِدَّة قُبح لفظه ودناءة وعلو ضجيجه وخَواه. فاخترتَ بملء إرادتك أن تُلحِق بقوى عقلك هزيمةً نكراء أودعتها أسيرةً في قبضة قوى الغضب . ثم يُصبح الندم حليفك و مشاعر الخوف من ضعف حيلة العفو والغفران لِوَصل المقطوع ورَدم فجوة الفراق والخلاف أسيرة بداخلك أو ربما تكون العجرفة والتعصب في اللَىِّ والإعراض عن الحق سلوكك؛ فقد أسست أحكاماً جائرةً على هوى أدلة أعماها الغضب وكمَّمها الكبر والغرور.
الغضب يَشوب اليوم جل الأمكنة والأزمنة فتلمحه في البيوت والأماكن العامة وعلى منصات الحوار وفي زحام الطرقات واقعاً بين مختلف فئات المجتمع لأسباب شتى .فقد يكون داعى الغضب قناعاً يخفى به الإنسان ضعفه و قلقه و اضطرابه النفسى أو عجبه وكبره أو ربما الإخفاق في آداء مهامه و الفشل والإحباط أو تأثره ببيئته التربوية التي نشأ فيها أو وقوعه فى فخ التعميم والمبالغة أو غيرها من الأسباب.
فمتى عرفت السبب القابع خلف ستار غضبك صارح به نفسك واعترف به وتلمس عظيم أَثره ونتاجه الوخيم عليك اجتماعيًا وجسديًا وصحيًا واستعن بمن تلتمس فيهم الثقة ليكونوا داعمين ومرشدين ومشجعين لك في رحلة التغيير التى تتطلب منك التدرج والالتزام والمحاسبة الدؤوبة والمحاولة الدائمة والمستمرة.
هل هناك فائدة من الغضب ؟
أخيرًا؛ ما لم يكن هناك حاجة الى الغضب لَمَا أُودع في أنفسنا شأنه شأن الرغبة في ارضاء الشهوات والملذَّات من مأكل و مشرب و ملبس و زواج وغيره بدافع جلب المنفعة وبقاء الأبدان.
فمتى دَرَى وأضاء العلم عقلك وفكرك بالمبدأ السليم وكلل تاج الخلق قولك وفعلك كان غضبك عقلانياً متأدباً بالأخلاق موزوناً بمدى ثقل الموقف دون مبالغة أو تضخيم فتدفع به عنك أو عن غيرك الظلم بشتى صوره في شجاعة دون تسافل أو اعتداء على الآخرين وإن كان منهم المُسىء حتى لا تَفقِد قوة الحق وتقع في دور الإساءة الذميم. فزيِّن لسانك بالحياء واجعل منطقه جميل الكلام وحَلِّى خلقك بالتُؤدة والرُويدة والتريث في حال سكينتك وهدوئك فتكن تلك عادتك في وقت غضبك وشدتك.
اقرأ أيضاً:
تهذيب النفس – كيف تتهذب النفس البشرية؟ ( الجزء الأول ) – مقدمات هامة
مواقع التواصل وعلاقتها بالكآبة والضغط النفسي.. كفاية يا عم بخ!
عودة من بلاط الأمل المتكسر … بيدك أذيت نفسك!
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.