بالعقل نلعب… كان فريقنا ماهرا لكن فشلنا في المسابقة !
المنطق وفريق الكرة الطائرة
تعلمت في الفترة الماضية بعض العلوم العقلية مثل المنطق ومباحث المعرفة والفلسفة، وتعرفت على علم يشرح ماهية موانع التفكير كمدخل لدراسة المنطق ولم أكن أعرف الأهمية البالغة لهذه العلوم في جميع جوانب الحياة.
فبالرغم من قراءتي لكتب وروايات في مجالات مختلفة إلا أنها بقدر ما أكسبتني بعض الخبرات والمعلومات الثقافية العامة إلا أنها لم تساعدني على الارتكاز إلى نقطة لأنطلق منها وأستطيع من خلالها أن أفرق بين ما هو صائب وما هو خاطئ حين أشعر بالتشويش والحيرة، وتساعدني أيضا في معرفة السبب الحقيقي في عدم الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أفضل.
سأحكي لكم قصة فريق للكرة الطائرة والذي كوني أحد أعضاء فريقه كمثال جعلني أشعر بأهمية العلوم العقلية حتى في مجال الرياضة التي يري البعض أنها تحتاج أكثر للقوة الجسدية والذكاء الحركي.
لقد بدأنا هذا الموسم الرياضي بحماس شديد وبدأنا بالاستعداد للبطولة بدنيا ومهاريا وكانت توقعاتنا طبقا لقدرات أعضاء فريقنا تشير إلى نجاحنا بشكل كبير ووصولنا إلى دور الثمانية على أقل تقدير، ولكن مع بداية المباريات وبعد بفترة قليلة بدأنا بخسارة مباراة تلو الأخرى دون القدرة على تفسير السبب وعلى الرغم من أن أعضاء فريقنا متفوقين مهاريا وبدنيا على بعض الفرق فكانت النتيجة أيضا هي الفشل المتواصل حتى انتهى الدور الأول وبدأ الثاني ونحن على نفس الحالة.
استمرت الحالة بنفس الطريقة بل كانت تسوء أكثر فأكثر حتى إن اللاعبين فقدوا حماستهم تماما ومنهم من وصلت به الحال أنه لم يعد يرغب في لعب الكرة الطائرة مرة أخرى، ليس بسبب خسارة الفريق فقط بل لشعوره بأنه لم يتم إعطاء الفرصة له من قبل المدرب ليثبت أنه من الممكن أن يغير من أداء الفريق للأفضل، وفى المباريات الأخيرة وصل عدد اللاعبين إلى 7 أو 8 على الأكثر بعد أن كان عددهم في بداية الموسم حوالى 16 لاعب.
تحليل المشكلة باستعمال المنطق
في ذلك الوقت وعندما كنت أجلس مع معلمي وأحكى له ما يحدث في فريقي وما نحن فيه من هزائم متواصلة بالرغم من قدرات فريقنا التي تمكننا من أفضل من ذلك بكثير، فذكرني بما قد علمه لي وأنه من الممكن أن يكون السبب هو خلو الأمر من المنطق واستغراق الفريق في موانع التفكير السليم، فبدأت بتحليل ما يحدث وما يفعله أعضاء الفريق وقائده.
فتساءلت هل كان لدى قائد الفريق تصور صحيح لقدرات اللاعبين وإمكانياتهم والأدوات والمعدات المتاحة لديه ليخرج قدراتهم بالشكل الذي يؤهلهم كأفراد للوصول إلى أقصى إمكانياتهم وكمجموعة لتوظيفها لخدمة الفريق ككل؟
وكانت الإجابة بالطبع لا، فقد كان هذا واضحا في إدارة التدريبات ورتابتها التي جعلت اللاعبين يتكاسلون عن الذهاب للتدريب شيئا فشيئا وفقدوا حماستهم التي كانت مشتعلة في بداية الموسم وإذا نظرنا إلى المستوى الفردي للاعبين سنجد أنه أصبح يضعف وهذا دليل على عدم قدرة القائد على إخراج ما لدى كل منا من قدرات ومهارات ناهيك عن تطويرها.
أما على المستوى الجماعي فقد نشأت الكثير من الخلافات بين اللاعبين وكان الجميع يشعر بالإحباط وفي أغلب الأحوال كان يتم إلقاء اللوم على المدرب لعدم قدرته على تهدئة الوضع بل إنه في بعض الأحيان كانت له قرارات في غير صالح الفريق، فقد كنا في بعض المباريات نصل إلى تناغم واتحاد قوي يمكننا من إظهار قدراتنا الحقيقية كفريق ولكن هذا التناغم سرعان ما يتلاشى! لماذا؟
لأنه ناتج عشوائي غير منظم، إنه تناغم لحظي لا يمكن استمراره إلا من خلال رؤية واضحة وعقلية منطقية تدير هذه القدرات لتجعلها متناغمة وقادرة على الاتحاد والعمل لأطول فترة ممكنة.
غياب المنطق
هذا بخصوص غياب التفكير و المنطق، أما بخصوص ظهور “موانع التفكير” لدى قائد الفريق وأعضائه، فمن اللاعبين من كان يشعر “بالقلق” الزائد بسبب ارتباك الوضع أثناء المباراة وعدم وضوح الرؤية لدى مدربه وهذا الأمر الذى كان يزيد من حيرة اللاعبين وتشويشهم، فالقلق الذي كان يشعر به المدرب قبل المباراة والذى كان يظهر في تصرفاته أثناء الذهاب إلى الملعب كان يؤثر على اللاعبين.
الأمر الذي جعل بعض اللاعبين الذين كنت أنا واحدًا منهم غير قادرين على التفكير بوضوح والتركيز على ما يجب فعله للفوز بالمباراة وهذا النوع من القلق يعتبر قلقًا مرضيًا؛ لأنه من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالقلق حين يتحمل مسؤولية ما أو يكون في اختبار ما ولكن الفرق هو أن القلق الطبيعي يدفعنا لاستخراج أقصى قدرة لدينا للتخلص من ذلك القلق واجتياز الاختبار.
أما النوع الثاني فهو غير مبرر ويجعل الإنسان يفكر بصورة عشوائية وبالطبع هذا سيؤثر على من حوله إذا كانوا شركاء في عمل جماعي.
الكبر وأثره السيء
وكان هناك أيضا من بين اللاعبين من يشعر بأنه ما كان ينبغي له أن يكون في هذا الفريق حيث إنه متفوق عليهم في القدرات والمعرفة، وهذا ما كان يجعله يقوم بتوجيه اللاعبين طوال الوقت بدرجة تجعله لا يرى أنه بحاجة للتركيز على المباراة فهو دائما الأفضل وبعد انتهاء المباراة يبدأ في توبيخ زملائه ولومهم على الخسارة.
وهذا نوع آخر من موانع التفكير يسمى “الكبر” الذى يجعل صاحبه لا يرى أنه يحتاج للآخرين بل هم دائما في حاجة إليه، حيث إنه يعرف ما لا يعرفون وهذا النوع يدمر العمل الجماعي بصورة كبيرة، وهذا أيضا ما كان يمنع المدرب من أخذ آراء اللاعبين في أي شيء حيث إنه صاحب “الرأي” بالألف واللام وليس لأحد أن يرى غير ذلك .
وغير ذلك من الموانع كالغضب الذي كان يتملك جميع أفراد الفريق تقريبا، فالغاضب لا يفكر ومن لا يفكر لن يتمكن من إنجاز أي شيء إلا إذا قام بتوظيفه فيما هو صحيح وما هو صحيح يحتاج إلى تفكير منطقي سليم.
موانع التفكير
كنتيجة لوجود تلك الموانع ظهرت أنماط جديدة في التفكير تخلو من المنطق كالمبالغة والثنائية والتعميم.
فكانت هناك بعض الأمور البسيطة التي لا تحتاج إلا للهدوء لتخطيها ولكن نرى المدرب “يبالغ” في ردة فعله تجاه ما هو بسيط جدا وهذا كان يحدث مع بعض اللاعبين أيضا وهذه المبالغة نتيجة طبيعية للقلق الزائد غير المبرر.
وكان يحدث بين اللاعبين حين نقوم بتقييم أدائنا في المباراة أن يستخدموا الثنائية كنمط للتقييم وهي تعنى أنك إما جيد أو سيء، فالذي يفكر بثنائية لا يرى إلا الأبيض والأسود ولا وجود للرمادي في أحكامه، وتقييم الأداء يجب أن يكون موضوعيًا وبنَّاء بغرض تحسين القدرات لدى اللاعبين وليس تمجيدهم أو التحقير منهم، غير أنه من الصعب جدا أن يكون اللاعب قادرًا على تحليل أعضاء فريقه أثناء لعبه معهم فمن غير المنطقي الحكم دون تكوين قدر عالي من المعلومات عن الشيء المراد الحكم عليه.
بعد كل هذا ألفت أنظاركم إلى أنه لا يمكن الاستهانة بقدرة العلوم العقلية على تنظيم حياتنا وأهميتها في الوقوف على أسباب أي مشكلة كانت رياضية أو فكرية أو سياسية أو حتى دينية والوصول إلى حلول لها أيضا، فهي ليست حكرا على المفكرين والمثقفين ورجال الدين والسياسيين والفلاسفة بل إن كلًّا منا مهما كانت وظيفته أو فئته العمرية يحتاج إلى التفكير المنطقي السليم لكي يعرف كيف يبدأ ومن أين عليه أن ينطلق ومن ثم يصل إلى ما يربو إليه.
اقرأ أيضا:
القوى الكامنة في الإنسان .. لماذا نحن مميزون بالعقل (1)
لُب الزيتونة .. البحث عن السبب الجذري أفضل من معالجة الآثار الناتجة عنه
أزمة العدالة والخير و الشر.. ألن نتمتع بعالم خالٍ من الشرور ؟
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.