مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

تعرف إيه عن المنطق؟! ما هو المنطق؟ ما أهميته؟ وكيف اختفى؟

تعرف إيه عن المنطق؟

“ييييييه، ده هيقعد يتفلسف بقى!”،” أيوة يعني، هات من الآخر برده نعمل إيه؟!” …صار شبه مألوف بالنسبة لنا أن نسمع أو نقرأ تلك التعليقات حين يحاول أحدهم تحليل أمر ما بشكل منطقي وتبين أسبابه الواقعية الحقيقية، أو عند الحديث عن أهمية تحكيم العقل وضرورة مراجعة الأفكار والآراء وعرضها على موازين العقل و المنطق.

بل أصبح رد فعل تلقائي أن نستخدم ريموت التلفاز لنغير القناة حين يصادف أن نجد أحد المفكرين أو المثقفين يتناول موضوع ما بالعرض والتوضيح والشرح، نسارع لتغيير القناة لإنه”كلام نظري لا هيودي ولا هيجيب”.

كما نلاحظ انصراف الطلبة عن دراسة العلوم العقلية  والفلسفية والاجتماعية لدراسة الطب والهندسة لإنها “كليات القمة”، وينظر لدارس “العلمي” نظرة تقدير وإعحاب لا يحظى بها دارس”الأدبي” الذي غالبا منعه حظه القليل من الذكاء من اختيار مجموعة المواد العلمية كتخصص.

وأصبح الحديث عن مراجعة الإنسان لأفكاره ومبادئه واعتقاداته ترفا فكريا و”فراغ” يجدر بصاحبه استثماره فيما يحقق نفعا حقيقيا كوظيفة مثلا بعائد مادي يسد احتياجاته التي لا تنتهي أو حتى طريقة من طرق الترفيه المتعددة .

وكثيرا ما تعرض أعمالنا الفنية المتخصص في العلوم العقلية والمفكر شخص غالبا فاشل في حياته العملية ومحط سخرية ممن حوله وبعيد كل البعد عن الناس.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

العقل الغريب !

تلك الظاهرة، ظاهرة العقل الغريب، ليست ظاهرة محلية خاصة بمجتمعاتنا بل ظاهرة عالمية أيضا وإن أخذت ملامح مختلفة بعض الشيء فشيوع ثقافة “التيك أواي” في الحصول على المعلومة والنفور من البحث والتحقيق والتدقيق وانتشار نمط الحياة العملية الأمريكي السريع الباحث عن تعظيم الربح المادي بأسرع الطرق الممكنة والاستهلاك كهدف للحياة .

وقصر لفظ “العلم” على العلوم التجريبية  والتنكر للعلوم العقلية وسيطرة منطق حق القوة وثقافة ما يفرضه الأمر الواقع هو في الحقيقة غربة للعقل وعلومه، وانتشار الاتجاهات التكفيرية المتطرفة التي استباحت حرمات الإنسان وشوهت فطرته هو أيضا غربة للعقل وعلومه، وانتشار الخرافات والأوهام والاعتقادات الباطلة هو كذلك غربة للعقل!

مجتمعاتنا تنكرت للعقل والتفكير المنطقي عندما فقدنا حائط الصد الذي يدفع عن هويتنا وثقافاتنا، ويقوم بفرز الوارد إلينا من ثقافات الأمم والشعوب فيقبل حسنها ويرفض رديئها ويحمينا منه، حين فقدنا النخب العاقلة الواعية المدركة لذاتها ولهويتها الممتلكة لأدوات النقد والتحليل المنطقي التي تمتك رؤية حضارية واقعية صحيحة، حين أصبحت مجتمعاتنا كالاسفنجة تتشرب كل ما يرد إليها من الخارج، فحين سيطر منطق المادة واللذة والربح والاستهلاك والتنكر للتفكير المنطقي المجرد تشربناه وانعكس لدينا سلوكا وأسلوب حياة.

وحين فقدت شعوبنا الثقة بنخبنا من المثقفين والمفكرين وبقدرتهم على إيجاد حلول واقعية لمشكلاتنا انسحب ذلك للكفر بالمعرفة و المنطق والتفكير و”أي كلام نظري” باعتباره بعيد عن الواقع بعد من يتحدثون به أو يتناولونه.

وحين استصعبنا الطريق، طريق البحث والتساؤل والتمحيص، تمحيص الأفكار والمعتقدات ومراجعتها للتأكد من صحتها أو العدول عن الخطأ منها.

كما أن الخوف من التغيير أو تزعزع اليقين في الاعتقاد إذا ما تم عرضه على ميزان العقل و المنطق هو أيضا من أسباب انصراف البعض عن العلوم العقلية خشية تغيير ما أنس به من أفكار ورؤى.

انصرفنا عن العلوم العقلية

ربما كانت تلك بعض الأسباب التي ساهمت في غربة العقل في مجتمعاتنا وانصرافنا عن علومه بل حتى غياب العلوم العقلية من محافلنا العلمية واستيرادنا للفلسفة المادية  الحديثة ورؤيتها للعقل وتقديمها كأفضل إبداعات العقل الإنساني وتعاملنا مع المنطق العقلي كتراث عفا عليه الزمن وكأن كل حديث هو بالضرورة تقدم وتطور صحيح ومطلوب  وكل قديم هو نصيب متاحفنا لا يصلح للتعاطي مع واقعنا الجديد!

انصرافنا عن العقل وغربته بيننا قد أدت لأمراض خطيرة أصابت نفوسنا ومجتمعاتنا بسبب انتشار الأفكار الخاطئة وغياب الميزان الموضوعي الذي نحاكم به ونزن به الاعتقادات صحيحها من سقيمها.

ولسنا ندري إلى متى تستمر غفلتنا عن أهمية وخطورة العلوم العقلية مثل علم المنطق ؟!

فهي التي تؤمن لنا الوصول لاعتقاد صحيح وتكوين رؤية واقعية صحيحة تحكم كل سلوكياتنا الاختيارية، فالشخص الذي يتبنى رؤية واعتقاد بوجود إله خالق لهذا الكون بالتأكيد تختلف سلوكياته الاختيارية ويختلف نمط حياته عن الشخص الذي يتبنى رؤية واعتقاد مخالف، وبالتلي أفكار الإنسان حددت نمط حياته الذي يحدد مصيره في النهاية!

لماذا المنطق ؟

العلوم العقلية تقوم على دراسة القوانين الطبيعية التي تحكم العقل الإنساني، قوانين التفكير الصحيح التي بمراعاتها تعصم الذهن من الخطأ فينطلق الإنسان في رحلة بحثه عن الحقيقة متسلحا بميزان موضوعي ثابت صحيح يؤمن له الوصول لبر الأفكار والاعتقادات المطابقة للواقع ويقيه الانحراف والزلل خاصة في عصر تتصارع فيه الأفكار المختلفة والاعتقادات الكثيرة، فيكون علم المنطق دليله ومرشده في رحلته، ولا يستطيع أي علم من العلوم التجريبية أو غير التجريبية أن يؤمن له رحلة آمنة وسعيا نحو اعتقاد صحيح، هي فقط العلوم العقلية وعلى رأسها علم المنطق.

لذلك تتضح أهميته وخطورته التي تفوق غيره من العلوم مع الاعتراف بأهمية وقيمة كل علم بالطبع في محله.

ومن أجل تلك الغاية المهمة والقيمة الشريفة للعلوم العقلية فنحن ندعو جامعاتنا ومحافلنا العلمية لإعادة الاعتبار لها ولحث طلبتنا على دراستها، بل وكل إنسان يسعى لتبني اعتقاد صحيح وأفكار سليمة ورؤية مطابقة للواقع أن يحصن عقله بقوانين التفكير المنطقي يسعى لتعلمها ليس شرط التخصص والتعمق فيها لكن على الأقل ما يكفل له التمييز بين الفكرة الصحيحة والخاطئة، الدليل القوي والضعيف، ما يقيه الزلل والتخبط، فمجتمعاتنا تحتاج إلى جرعات مكثفة من العقل و المنطق، ونحتاج جميعا أن نعرف عن المنطق غير”إنه لما واحد يضرب واحد على دماغه يقع ما يحطش منطق”!

اقرأ أيضا:

صواب أم خطأ ؟ هل كل شئ حولنا يبدو منطقياً ؟

الحرية الشخصية بين التحرر والاستعباد.. ماذا يعني أن أكون حراً ؟

عندما نتآكل من الداخل.. ماذا يفعل بنا الاكتئاب ؟

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية