لقد سرق اللص هاتفي، ولكن ماذا سنأكل اليوم؟
المدرب
انتهى المدرب من الشرح ثم نظر إليّ في انتظار رد فعلى، ولأن هذه أول مرة أستمع فيها لهذه المصطلحات والأساليب فشعرت الكلمات بالوحدة داخل عقلي؛ إذ لم تجد تصورات مسبقة تؤنس وحدتها!
كان هذا يومي الأول في صالة الألعاب الرياضية أو “الجيم” كما هو رائج، وكانت تلك خطوة جريئة جاءت بعد تفكير دام قرونا حتى دخل كتب الأساطير، ففي الحقيقة أنا إنسان كسول إلى حد ما وبحكم نشأتي لم يكن هناك من يحفزني على الحركة أو السعي في تحقيق مطالبي، لم نحتاج أنا وإخوتي إلى هذا؛ إذا كان لدينا أب وأم وبعض الخدم وكثير من المعارف، وعلى مدار السنين وبحكم العادة تراكمت الدهون وتيبست العضلات ومات بعضها واستمر هذا الغزو حتى وصل إلى مخي فغطته دهون الجهل وبطء التفكير هو الآخر!
نعم تلك مأساتي، طفولة ومراهقة من ذلك النوع الذي ينتج السفاحين أو مرضى القلب أو النرجسيين، المهم أنه تم إنقاذي في فترة ما من حياتي واستطعت بمعونة بعض الأصدقاء صقل عقلي البسيط الهزيل وازداد اهتمامي بالفلسفة والعلوم العقلية، وكنت أظن أنني على ما يرام حتى تعرضت للسرقة ذات مرة أثناء سيري في الطريق وفقدت تليفوني المحمول ولم أحرك ساكنا؛ إذ لم يستجب جسدي لأوامر عقلي بالدفاع عن نفسي واسترداد ما هو حقي ويبدو أنه عندما صرخ عقلي وأمر جسدي أن يلحق بالسارق حتى نظر له جسدي بتهكم قائلا (لعلك تمزح، أليس كذلك)؟!
الحادثة وأثرها
كانت الحادثة بمثابة جرس الإنذار حيث انقطعت فترة في منزلي مسترجعا ما حدث مرة تلو الأخرى شاعرا بالخوف كلما تكرر الحادث في خيالي، ماذا لو تطور الأمر وحاول أحدهم قتلى؟ أو وُضعت في موقف كان حتما علي أن أتعامل معه بقوة أو عنف في سبيل دفع الضرر أو نصرة القضايا التي أؤمن بها، ومع الوقت أدركت أمرًا بسيطًا: أنا ظالم، لقد ظلمت نفسي إذ اهتممت بعقلي ونسيت جسدي، اهتممت بتحصيل العلوم العقلية وتجاهلت حالتي الصحية والجسدية، لقد أخطأت في حق نفسي بنفس الطريقة التي عاصرتها في صغرى! وفي النهاية عندما ظننت أنى أسدى لنفسي معروفًا اكتشفت أنني أفسدت جزءًا منها وهو الجسد الذي هو الأداة التي تكتسب بها الحكمة
وها أنا ذا في هذا الصراع أقف أمام المدرب محاولا مجاراته فيما يقول وعندما رأى ملامح البلاهة على وجهي تبسم وسألني ما هي اهتماماتك؟
بلا تردد قلت له إنني أحب الفلسفة وما يتعلق بها، فقال المدرب: جميل، ولكن هل يصلح أن يتعلم أحد بدون معلم أو مرشد؟ قلت لا، فقال هنا أيضا أنا مدربك وبما أنني عالم بتلك الأمور التي تجهلها أنت فيجب عليك أن تتبعني وتفهمني أنا دون غيرى ولا تقف ما ليس لك به علم.
هل ترى تلك الأجهزة التي تحيط بنا؟ هي كالمنطق الذي يصقل مهارة التفكير ستصقل جسدك وتكسبك اللياقة، أنت كطالب العلم عليك أن تصبر ولا تستعجل في برامج التمرين بل اعلم أنه ليس لأحد أن يقرأ المجلدات بدون تعلم الأبجدية.
الرياضة والمنطق
وكما أنه هناك عدة طرق لنيل الحقيقة هناك عدة طرق لصقل الجسد وكل طريقة تهتم بك بما تقدمه وسنقوم بوضع منظومة من الرياضات تطابق حالتك كما يقوم الفلاسفة بوضع منظومة معرفية لمعرفة الحقيقة.
واعلم أنه كما لا ينفع علم بدون عمل سأطلب منك الالتزام بتطبيق ما ستتعلمه من تدريبات في أوقات فراغك وأن تمتنع عن بعض المأكولات والمشروبات المضرة لجسدك، اعتبرها كالأخلاق القبيحة التي تفسد نفسك وتهلكها.
وظل المدرب يسرد ويستطرد مشبها الرياضة وتهذيب الجسد بالمنطق وتهذيب النفس، وأنا مندهش كيف لم أرَ هذا الشبه من قبل، إنه خطأ عظيم أن يفصل الإنسان بين الأشياء وبعضها، بل إن كل شيء متصل بالآخر بطريقة أو بأخرى، فكيف وفي أي لحظات غفلة فصلت بين عقلي وجسدي؟
تطرف التفكير وتطرف التمرين
من ضمن كلام المدرب الذي لفت نظري أن التطرف في التفكير يشبه التطرف في التمرين والاهتمام بجزء من الجسد أو مجموعة من العضلات دون الأخرى يخلق مسخا ويعتبر ظلما كالاهتمام بفضيلة أخلاقية أو اثنتين وترك باقي الفضائل، فالعدالة هي تناغم وانسجام بين القدرات النفسية جميعها وأيضا تناغم الجسد واتساقه يمثل عدالة بشكل ما. فالعدالة هي هدف كل إنسان عاقل والظلم هو الاهتمام بشيء وإهمال الآخر، وكما أنه بالعدل نبني المجتمع، فبالعدل نبني الإنسان عقلا وجسدا.
اقرأ أيضا:
بعد فضيحة الفيسبوك… ما هو مصير المعلومات المسروقة؟
أخلاقيات العمل .. كيف ننمي الأخلاق داخل بيئة العمل!؟
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.