أسرة مفككة – طريقة تدمير الأسرة في خطوات معدودة!
على أي شيء نشأ المجتمع ؟
تظهر الأمراض لنعالجها بمزيد من الأمراض، وتظهر الأخطاء لنعالجها بمزيد من الأخطاء في ظل وعي اجتماعي سيء أو بالاصح انعدام الوعي الاجتماعي وسطحية الرأي العام في قضايا الأسرة و المجتمع. تأتي الهجمات الواحدة تلو الأخرى لتدمر نسيج المجتمع وروابطه الأساسية التي بها ينشأ هذا الكيان الذي نسميه «المجتمع ».
نشأ المجتمع من العقد الاجتماعي الذي اتفقت عليه المجموعة بالتخصص الاقتصادي والمشاركة الاجتماعية في تحمل أعباء بناء الحضارة والنظام الذي يضمن سلامة الناس وازدهار الحياة ورفاهية الفرد في نطاق النفع العام العائد على المجتمع. وقرر الإنسان في مقابل هذه المنافع التنازل عن بعض مميزات الحياة الفردية كالحرية الشخصية التي تكاد تكون غير محدودة وأخف وطئة المسؤوليات التي يتحملها الفرد إذا ما قورنت بتلك التي يتحملها في الحياة الاجتماعية. كان في المقابل الوعد بالتطور في الحياة نحو الأفضل والأيسر دون المساس بإنسانية أو كرامة الفرد ودون طمس شخصيته الفردية.
المعادلة
هذه المعادلة هي أحد المعادلات الصعبة التي خرجت الكثير من النظريات العلمية في محاولة لحلها الحل الأمثل الذي يضمن رخاء المجتمع وسعادة الفرد وتمتعه بالحرية الشخصية بالقدر المنسجم مع الواقع الذي يعيشه. قامت من أجل هذه الأفكار والنظريات الصراعات والخلافات التي وصلت في كثير من الأحيان إلى حد الحرب والقتال في سبيل إثبات أحقية المنتصر في تنفيذ نظريته ونشرها.
أتذكر هنا محاضرة استمعت إليها على أحد المواقع لأحد الباحثين البريطانيين عن كيفية تطوير التعليم. تكلم الباحث هنا عن حقيقة التعليم وتعريف العملية التعليمية في محاولة انتزاع للمفهوم من الواقع. وقال أنه في التعليم أو في المدرسة سنحاول أن نضع تعريفا عن طريق تجريد المدرسة من كل المكونات التي تعتبر عارضة على التعليم لا ذاتية فيه، ونبقي فقط على المكونات التي من دونها تنهار العملية التعليمية.
واستنتج أن الأصل في عملية التعليم هو التفاعل بين التلميذ والواقع من حوله وأن كل العوامل الأخرى هي عوامل تساعد وتسهل من هذا التفاعل وتزيد منه إثراءً للمعلومات بما في ذلك المدرس نفسه. وأن فشل أي من المكونات العارضة في تحقيق هذا الهدف مهما كانت تلك العوامل مكلفة أو متطورة أو معقدة تركيبيا لا يجعل عملية التعليم أفضل من حيث القدرة على تحقيق الغاية النهائية من العملية (التعليم).
تساؤل
وأنا أطبق نفس الشيء على المجتمع في هذا السرد. لو أردنا أن نجرده من كل العوامل العارض التي فيه ونبقى فقط على العناصر الأساسية التي لا يقوم مجتمع إلا بها (الشروط الضرورية والكافية) فإننا نستطيع أن ننتزع كل شيء من حولنا.. إشارات المرور والسيارات والمصاعد، حتى الأبنية الضخمة والطرق والطائرات…إلخ. كل هذا من الممكن أن يقوم المجتمع من دونه، صحيح لن يحظى بنفس مقاييس الرخاء لكنه سيظل مجتمعا «ليس متطورًا» لكنه مجتمع في النهاية.
لكننا لم نحدد بعد ما هو العنصر الذي بغيابه ينهار مفهومنا عن المجتمع تماما. هذا العنصر ببساطة هو الأسرة. هذه هي الوحدة البنائية الأساسية للمجتمع. فبها ومن أجلها ومن أجل رخائها وسعادتها والحفاظ عليها ينشأ المجتمع. ومهما تعقد بناؤنا الخدماتي والاقتصادي ونظامنا الإداري أو تطور، فإنه إن فشل في النهاية في الحفاظ على رخاء الأسرة وسعادتها، فإننا نستنتج أن كل هذا التعقيد والتطوير لم يحقق جدواه مهما كانت كفاءته عالية في وظيفته من المنظور الصغير. ذلك لأن الكفاءة ليست شرطا كافيا لضمان الجدوى من الفكرة فيما يسمى بالإنجليزية بمبدأ “Efficiency vs. Effectiveness” أو الكفاءة في مقابل الجدوى.
مثال الأسرة
نعود لمثال المجتمع والذي ينشأ من الأسرة في البداية لتصب كل قدراته وخدماته على الأسرة مرة أخرى. هل يمكننا عند تطبيق مبدأ الكفاءة والجدوى أن نقول بصراحة أن المجتمع يحقق هدفه في الحفاظ على ذاته وعلى وحدته البنائية الأساسية؟ أشك في ذلك…
إن المجتمع ومعه الأسرة يعاني من الضربات الموجعة التي يتلقاها والتي تمنعه من القيام بدوره الرئيسي. بينما تشتت قوى المجتمع بعيدا عن هذه الهدف الرئيسي في سعي حالم وراء أهداف وهمية ومعارك طواحين هواء تشغله عن المعركة الحقيقية وهدف الصراع الأهم. ظهرت آخر تلك الهجمات في قضية «السنجل مازر» أو الأم العزباء كما يطلقون عليها.
وناهيك عن الخلفية الأخلاقية والسلوكية للحدث الذي لن أجادل في الإشكال الذي وقع فيه الأب في المقام الأول والأم حينما لم تراعِ القواعد السليمة لبناء أسرة صحية. ناهيك عن هذا الخوض والنقاش فإننا نعالج الأزمة بأزمة جديدة ونزيد من جراح المجتمع عن طريق تبنينا لحلول متسرعة وغاضبة في الرد على ظاهرة معيوبة لم تكن لتظهر في مجتمع يعي حقيقة هدفه والغاية من وجوده.
مصطلحات زائفة
القضية لا يمكن أن تختزل بكل سذاجة في بطاقة ميلاد أو في اسم الطفل ولا يمكن أن تصنف كقضية حقوقية يكون فيها القرار للصوت الأعلى أو للرأي العام دون أي سند علمي. هذا من الإسفاف الشديد والاختزال المشين للقضية في بعض المسميات الظاهرية التي من دون أن ندرك معناها والغاية الحقيقية منها سنستخدمها بالتأكيد استخدام خاطئ وغير منضبط نهدف منه لطمس الحقيقة وتزييفها.
لا يمكن أن يكون قمة التعبير عن الحرية هو أن يدمر الفرد حياته وحياة الأجيال المستقبلية بالإضافة لشل حركة المجتمع عن الإصلاح والتعديل تحت ستار مسميات الحرية والأنثوية…
في هذه الحالة لن تتسم هذه المسميات بالإنسانوية التي يدعيها البعض بل ستتحول لمفاهيم تنم عن الأنانية المفرطة والاستعداد للتضحية بكل شيء بما فيه الأسرة لضمان سعادة الفرد أو بعض الأفراد فقط. يجب أن تحال القضية لعلماء الاجتماع المتخصصين الذين ينظرون للموضوع من وجهة نظر عقلانية متزنة تستند للدليل وتسعى بكل أمانة لاستنباط القاعدة التي بغض النظر عن الأب أو الأم تضمن في المقام الأول حق الطفل البريء الذي يجب أن ينمو في جو اجتماعي معتدل وأن يتمتع بولاية تحقق له أن ينمو بشخصية سليمة معتدلة ومفيدة للمجتمع. وعلينا هنا أن نلتزم بالتجرد مع النتائج العلمية التي تظهر من البحث المتخصص والعقلاني بغض النظر أكانت النتيجة في صالح هذا الطرف أم ذاك.
الأسرة هي الحل
نعم إن المجتمع اليوم يفشل مجددا ومكررا في تحقيق أمن ورخاء الأسرة… لكن أن يكون العلاج هو بتدمير الأسرة لتتحول الوحدة البنائية الأساسية للمجتمع من الأسرة للفرد فذلك أخطر وأكبر مأساوية من القصة المحزنة التي حدثت ومن الحق المهدور الذي ضاع في خضم صراع لا يراعي الأبرياء الذين تم الزج بهم في المعركة دون اختيارهم ويطلب منهم تحمل فاتورة هذا الصراع.
إن القضية التي نواجهها اليوم حلها باختصار في إعادة بناء المنهج والرؤية التي بها نؤسس المجتمع ونحمي بها الأسرة لندرك أين وقع الخلل وما مصدره ومن ثم نحدد آلية العلاج وكيفية حل المشاكل والسرطانات التي تستنزف بدن المجتمع وتحوله لمسخ مؤذي بعد أن كان ملاذا آمنا للفرد وطوق نجاة من الغامض والمجهول.
اقرأ أيضا:
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.