عام جديد! ربما يكون سعيد أو قد يكون مثل ما سبقه، فما الفارق؟
عام سعيد !
عبارة كثيرا ما ترددها الألسنة تلك الأيام وفي مثلها من كل سنة ,تختلط بغيرها من كلمات التهاني بكل عام جديد والتمنيات بالسعادة والبشر بالقادم الأفضل وتحقيق ما تصبو اليه النفس من الأحلام..
ولكن ,هناك من جملة تلك العبارات ما ينبغي التوقف عنده, كلمات تصف ما مضى من الأعوام بأنها لم تحمل خيرا ولم يتحقق فيها هدف أو أمنية لأحد لأنها ببساطة”كان عام نحس “على حد تعبيرهم، يقفون على أعتاب ” عام جديد ” ضارعين آملين أن تحقق سعادتهم التى ضلوا طريقها مع كوارث وإحباطات عام فائت، متمنين أن يكون قدومها سعيدا ميمونا بدلا عن نظيرتها المشؤومة العسراء!!
والحقيقة أن في تلك المقولة وما مثلها الكثير من الأخطاء والمغالطات..بداية من اعتبارها في مجملها إساءة أدب مع خالق الكون ومن بيده الدهر يقلب الليل والنهار كيف يشاء وقد نهى عن سب الدهر ووصفه بما لا يليق..مرورا بإلقاء اللوم وتعليق أسباب الفشل وعدم تحقق السعادة على غير المذنب وفي الاتجاه الخطأ، فما ذنب الأيام والسنوات فيما يصيب المرء؟!
أليس ما يجنيه اليوم هو ما زرعته بالأمس يداه في عام مضى؟ فلماذا يسخر من الأيام ويتهمها بما أجرم؟!! وما هو والأيام إلا كما قال القائل:”نعيب زماننا والعيب فينا ..وما لزماننا عيب سوانا”
نستمع الى من يردد ساخرا:”سأحقق غدا هدفي الذي لم أحققه بالأمس والذي نويت تحقيقه أول أمس عندما خطر لي أمس الذي قبله”!! ليبقى السؤال:”وما الذي يمنعك من تحقيق الذي حلمت به؟”
من هنا..ينبغي أن يبدأ المرء في رحلته للبحث عن سعادته وتحقيق طموحه,أن يبدأ بإعمال عقله بشكل سليم وفي الاتجاه الصحيح, بالتساؤل..فأول خيط للمعرفة يكمن في السؤال
السؤال الإيجابي عن سبب ما وصل إليه من تلك الحالة,للبحث عن أصل مشكلته ثم إيجاد الحلول المناسبة لها والعمل على تحويلها إلى خطوات واقعية فعلية لتغيير ما هو فيه..
فما الذي يعوق الإنسان عن تحقيق أهدافه عاما بعد عام ؟
يعود ذلك إلى عراقيل وعقبات يضعها المرء بنفسه في طريق تحقيق هدفه ثم يعود ليشكو التعثر بها, فالقلق غير المبرر والمبالغ فيه والخوف المسبق من الفشل والذي قد يفضي به إلى حالة من الاكتئاب وفقدان الرغبة في فعل أي شيء..كل ذلك يتحول بتراكمه مع الوقت إلىعراقيل وحجب تمنع صاحبها الرؤية السليمة لخطواته، وتصرفه عن التركيز حول خطوات إنجازه المنشود.
فنجده مكبلا لنفسه بقيود وهمية تجره نحو الرسوخ في المستوى الأدنى بينما يتوق جاهدا للارتقاء والبحث عن الأفضل لحياته ولا يخفى أن أشد معركة قد يلقاها المرء وأكثرها استنزافا لجهده ووقته هي مجاهدة نفسه والدخول في صراع معها.
من ناحية أخرى قد تكمن العقبة في إعجاب المرء بنفسه ونظام حياته غير معترف بأي قصور فيها ولا بحاجته الى أن يطور من نفسه لغد أفضل, فنجده خائر العزم كسول النفس خامل الهمة عن تقديم أي نفع أو تحقيق أي هدف, ثم يعود فيشكو التعاسة دون سبب! ولا يدري أنه يعاني الكسل والخمول والقعود عن تغيير ذاته وتطويرها, لا يدرك أنه لولا تقلب البحر لفسد ولولا جريان النهر لما قدم نفعا.
أين يكمن الفشل؟
وقد يكمن الفشل في صياغة الهدف نفسه, في طريقة الشخص في التفكير, حين يعتمد المادة منهجا ومتجها له دون سواه, تحركه النزعة الهوجاء للاستهلاك، فلا سعادة إلابامتلاك كل شيء وبالتالي لا أهداف يعتد بها إلا ما يحقق أكبر عائد مادي ليشتري به سعادته الوهمية، متجاهلا تحت تأثير مخدر المادية حقيقته وفطرته:عقل وقلب, جسد وروح , مادة وصورة..جانبان لكيانه لا يستقيم إلا بهما.
فيبالغ بالاهتمام بأحدهما على حساب الآخر ثم يتعجب لماذا يختل ميزان حياته؟!!لا يدري أن مادية الأهداف تؤدي بها الى الرتابة والجمود بينما إضفاء الجانب الروحي والمعنوي لها يحييها ويجددها..هو وقودها الذى يشحذ همته دوما للاستمرار فيها وتحمل صعابها مقابل ما يحظى به من ارتياح وشعور بالتقدير لذاته والرضا عنها ومن ثم يسعد بها.
أن يربط أهدافه بأمر متجرد ثابت منه تنطلق وإليه تعود , قيمة مقدسة دينية كانت أو خلقية تسمو بها روحه ويرتقي بها فكره وعقله كلما استزاد منها.. بعيدا عن زيف الاستهلاك الذي تزيد قيوده وأغلاله كلما توغل فيه.
فلابد للمرء أن ينطلق فى تخطيط أهدافه من بداية عقلية صحيحة:”من أنا؟ وماذاأريد؟ وكيف يمكن تحقيقه؟”
الأسئلة الصحيحة
من أنا؟
أن يتعرف إلى نفسه,تلك اللبنة الأولى في بناء أهدافه..يتعرف إلى جوانب حياته وحقيقة كيانه بشقيه المادي والروحي فيعطي كل منهما حقه..فليست الحياة نهما ماديا,وليس النجاح بالأنانية والتفرد بالمشهد دون مراعاة لمن حوله ممن لهم عليه حقوق الرعاية والاعتبار,أن يدرك جيدا قدراته ومواهبه ونقاط قوته فيستعملها بالشكل الأمثل ونقاط ضعفه فيعمل على تدعيمها وتطويرها فيتخلص من داء العجب والقلق وهاجس الرتابة والخمول.
ماذا أريد؟
بأن يحدد هدفه بشكل متوازن منضبط متوافق مع قدراته وما يتقنه فلا يضع هدفا لا يستقيم وطبيعته ثم يعود فيعاني الإحباط متهما نفسه بالفشل..وأن يكون اهتمامه منصبا بالشكل الأكبر على ما سيجني غيره من نفع,ماذا سيقدم لأسرته ومجتمعه من أسباب السعادة والرقي,وليس فقط معنيا بالجانب المادي..فهداية رجل واحد للطريق القويم خير من متاع الدنيا, هكذا نص الدين الحنيف..كما أن الفطرة السليمة تقضي أن الانسان السوي لا يمكن أن يعيش منفردا,فلا يحيا سوى بتقديم النفع للآخرين والانتفاع منهم فيحقق لهم أيضا نقاء فطرتهم..فمن جعل النشوة المادية نصب عينيه واتخذ من أنانيته سبيلا للنجاح فقد خالف فطرته وحكم على نفسه بالشقاء.
كيف أحققه؟
بتنظيم وقته والأخذ بالأسباب لتنفيذ خطواته..والمثابرة وعدم الاستسلام لما يعتريه من تقلبات الأيام..فالحياة لا تستقيم على وتيرة واحدة,ولابد من التعرض للمنغصات والعراقيل الخارجة عن إرادة الإنسان..فليكن مستعدا لما سيلقاه من الصعوبات..وليكن مدركا أن ما لا يدرك كله لا يترك كله,فإن لم يتحقق هدفه كاملا فليرض بما تم تحققه مادام قد انتهج المنهج السليم في التفكير والتخطيط لأهدافه..ومن ثم يعيد ترتيب أوراقه وتصويب أخطائه والبدء مرة ثانية في إتمام ما قد بدأه..وحينها قد نسمتع لمن يقول:”سأنجز هذا العام ما قد بدأت فيه من عام مضى “..فالأيام هبة من الله لنا لنحقق فيها حكمته التي خلقنا من أجلها .
فطبيعة الأيام أنها متتابعة متشابهة , لكنك أنت من يصنع الفارق
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.
.
اقرأ أيضا:
فراغ القلب.. كيف يواجه الصديقان مشاكل الحياة ؟