“انظر هناك! أرى ماءً” يعيش البعض في سراب فكيف نستفيد منه؟
سراب في الأفق
من منا في أسفاره وتحركاته لم يلمح سراب ماء ما يلوح في الأفق بعيدًا ينادي: هنا الماء، اروِ عطشك، ارتح قليلا من شقاء السفر والانتقال، ومهما أسرعنا تجاهه فلا نجد سوى وهم يتطاير لا أثر له كونه ألاعيب الهواء.
ليس السراب فقط في تنقلاتنا وأسفارنا، فالسراب لا يغادرنا في الحياة والواقع، فبعضنا حياته كلها سراب ووهم بأن السعادة على وشك الحدوث، فيعيش في غيبوبة تستمر وتدوم حتى تحين لحظة اصطدامه بالواقع فيفيق وقد تطايرت كامل أحلامه كسراب الواحة في الصحراء.
السراب يتخلل واقعنا بإفراط، وألفناه وأدَمناه، تصورنا أن الخيال طريقة لبلوغ السعادة فاختلط لدينا ما هو قابل للتحقيق وبين ما هو كامن فقط في عوالم الخيال فاضطربت حياتنا وظللنا في سراب الوهم وفقدنا الهوية والذات.
لماذا فهمنا الخيال على أنه واقع؟؟
فالخيال من المفترض أنه من قوى الإدراك الإنساني بجانب الإدراك الحسي والعقلي، فهو يرتكز على استعادة المشاهدات الحسية التي تم إدراكها بالحواس مسبقًا لتساعد في الوصول لحل لقضية ما، أما الاستخدام الخاطئ للخيال فيقتصر على تركيب هذه المشاهدات بطريقة لم تحدث فعليًا في الواقع ونسجها في إطار من الوهم ثم الاستسلام لها مكتفيًا برؤيتها في سراب أحلام يقظة..
يمكن ببساطة تشبيه رحلة الإنسان مع الخيال بالتدرج مع مراحل العمر المختلفة، من طفولة تحاول التقاط الواقع ومحاولة إدراكه بالاعتماد على الحواس ثم يكون الخيال في مرحلة متقدمة من العمر بخلق قدوة يقتدي بها من شخصيات وهمية خارقة القوى تكون مثل أعلى للطفل يحارب بها الشرور حتى يدرك مستقبلًا “وفي النهاية” المفاهيم المستخلصة من هذه القصص من مفاهيم كالحق والعدل والفضيلة.
سراب الخيال
إلا أن الخيال تحول في العصر الحالي – من مجرد وسيلة وطريق نهتدي بها – إلى غاية يتنافس الجميع للسباحة في سراب وهمه والإفراط في وهمياته، وخلال رحلة البحث عن النهاية المزعومة تساهم أدوات خادعة في إطالة أمد هذه الرحلة من وسائل إعلام موجهة وسوق نشر تعتمد في أغلبها على روايات تعمق رحلة الخيال فقط دون فوائد تنعكس على الواقع بالإيجابيات، فتكون النتيجة شبابا حديث التخرج حالما برغد العيش مباشرة بعد انتهاء التعليم، من الوظيفة رفيعة المقام والمال الوفير فيصطدم بواقع مغاير تماما لأحلامه غير المتعقلة فيرفض الواقع تمامًا ويظل عاطلا للأبد، أو زواج اقتصر مفهومه على المكاسب النفعية القريبة واختفاء لمفاهيم الترابط والمودة فتتزايد كنتيجة لها نسبة الطلاق بين الأزواج.
يذكر الدكتور عبدالوهاب المسيري في كتابه “الفردوس الأرضي” أنه مع انتشار النزعة الاستهلاكية في المجتمع الأمريكي – بالاعتماد على الإعلانات الترويجية القائمة على الجنس كإعلانات ماكينات الحلاقة لشد انتباه الجنس الآخر- قد أدى ذلك لتدمير مفهوم الأسرة في المجتمع الامريكي في الواقع نتيجة لتخيل الرجال لمقاييس معينة للجمال للأنثوي تسكن خيالاتهم فقط لا يجدوها في زوجاتهم، وكذلك قد انهارت ثقة المرأة في نفسها نتيجة لتخيلها أنها ليست بامرأة لأنها ليست ذات جمال موديلات الإعلانات؛ فلجأت المرأة الضحية إلى الإفراط في شراء مستحضرات التجميل دون فائدة مباشرة.
كيف يكون الاستخدام الصحيح للخيال إذن؟
إن الخيال لهو بمثابة الوقود المحرك والأمل المحفز للوصول لقضية ما بشرط أن يستخدم بالشكل السليم، فغالب النظريات العلمية الحالية ومعظم الوسائل التكنولوجية الحديثة الآن كانت مجرد خيالات إلى أن تم توظيفها بالشكل الصحيح لتتحقق في الواقع. فالإدراك الخيالي لدى الإنسان هو وسيلة يساهم بها في إدراك صورة ومفاهيم كلية، على النقيض من سراب الإفراط في الخيال ذي البعد النفعي المتمثل فقط في المصالح الذاتية للإنسان الغارق في الوهم، المصر على اللهث وراء سراب.
اقرأ أيضاً .. نعم أنا متشكك
اقرأ أيضاً .. اعرف نفسك
اقرأ ايضاً .. لماذا أدمر ما أحبه دائماً ؟
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.