أي القميصين ستختار؟ المخطط أم المنقط؟
الفتاة والإختيار
كما جرت العادة، نتصفح الانترنت يوميا، لنُواجَه بمقالات أو صور عن واقع يحيطنا من كل صوب، أو بالأحرى يُصاغ لنا حتى نراه بطريقة ما غير الحقيقة الواقعة. وكان مما كان أن لقطت عيناي تلك الصورة التي ربما أرى مثلها في الحقيقة كثيرا. لكن شيئا ما بها استوقفني. نعم إنني أرى فتيات وفتيان يفترشون بضائعهم أمامهم للمارّة. ويدفعون لذلك ساعات طويلة من أعمارهم التي لا زالت في طور التبرعم؛ حتي يكسبوا قوتا يكون سببا في سد حاجاتهم.
لكن في تلك الصورة جلست هذه الفتاة البسيطة مطأطئ الرأس، وموجة خجل أراها وقد اعترت وجهها، خجلى هي من أن تصطدم عيناها بعدسة الكاميرا وقت الالتقاط. ولك أن تسألني: “ما الملفت بهذا الشأن كله”؟ للوهلة الأولى ستتعجب من توقفي كثيرا عند تعيبرات وجهها قائلا: هذا أمر طبيعي، مَن يُحب أن يُرى هكذا؟! “أنت مكبر الموضوع بلاش أفورة”!
لا أدري كيف تجلس الفتاة هكذا؟
لكنك لا تلبث أن تنتهي لتساؤلات أخرى وراء هذا الرد الذي ما قلته إلا لتلجم عقلك عن حركته وتأملاته، إن الفتاة تعمل ولو عملا بسيطا، فما العيب في ذلك؟ إنها لا تشحذ مثلا أو تمضي وقتها بخداع الناس حتى تستعطف قلوبهم، فلماذا كل هذا الخجل؟؟
إنك لا تشعر بطبيعة الأمر بمثل هذا الشعور إلا عندما ترتكب خطأ مثلا أو تفعل سلوكًا يخالف مجتمعك المحيط ولو كان صحيحا ،ذلك أن الإنسان بطبعه يحب أن يبدو دائما متوافقا مع تيار الجماعة ،مما يدفع بالإنسان في أحيان كثيرة للانجراف مع تيار الخطأ حتى لا يشعر بوحدته في تيار الفعل الصحيح.
نعم إن الإنسان لا يحب أن يبدو مختلفا عن جمعه، وهنا تتضح المسألة و يتضح خيط خفي يحرك أفكار وأفعال هذا الجمع الذي قد تتخيله في عقلك يلقي بمثل هذه العبارات عند مروره بمشهد الفتاة؛ “ياللبؤس! ، لا أدري كيف تجلس هكذا” !؟
ذلك أن مادة هذه الخيوط التي تحركنا كعرائس تتكون وفق الأيدلوجية الماديّة التي تصب في عقولنا يوميا، بصور مباشرة وأخرى غير مباشرة وما أكثرها! في الأفلام أو الإعلانات أو حتى بعض الكتب التي لم تسلم من هذا الفكر الملوث.
المرء بين خيارين
تلك الأيدلوجية تنسج في أذهاننا صورًا مزيفة عن المفهوم الحقيقي للإنسان وعن السعادة التي يسعى وراءها ذلك الإنسان.
فتارة سعادة الإنسان في لباسه وتارة في شعره وتارة أخرى في طعامه، حتى غدا المظهر كل شئ وأهم شئ لتحكم على الناس من حولك، مما ولَّد فجوة كبيرة في مجتمع الإنسان الذي هو بطبيعة الحال يتألف من طبقات شتى، وولَّد فجوة أكبر في كيان الإنسان ذاته؛ إذ ترك الإنسان روحه ونفسه ترتع في مرعى الفوضى، وتُقاد بقيود الشهوة، وغيَر من قيمه ومبادئه الصحيحة حتى يتوافق مع خيطه المحرك له.
المادة؛ نعم فالفرد منا لا يحب أن يعيش صراعا بداخله بين خيارين، يكبت أحدهما ليعيش بالآخر، يريد اتزانا واحدا غير مدرك فداحة ما اختاره، كونه باختياره المادية لتُسيّر أفكاره؛ قد خاض صراعا أشد ألما .هو خيار لا يتماشى مع خلقته وتكوينه؛ إذن لن يجد راحته المنشودة. أنت لا ترتدي قميصا أكبر من حجمك لمجرد أنه يعجبك ولو عزَّ عليك أن تضعه جانبا لجمال تصميمه حقا.
إذا كان الوضع كذلك مع مظهرك فكيف تتصور اختلاف الوضع مع باطنك؟ إنه نفس الشئ تماما لكن بخيارات أخرى. الإنسان عقل وقلب، روح ونفس، هذا جوهره الذي يفترض أن يسعى ليجد ما يوازيه، وينطلق من خلاله في تكوين أحكامه وأفكاره التي تُشكل سلوكه : العلم، الأخلاق، الحق.
في اللحظة التي يتخلى فيها الإنسان عن هذا كله فهو في الحقيقة يتخلى عن نفسه، يرمي بها في سلة المحذوفات، يبتعد بها بعيدًا جدًا عن السعادة التي ينشدها، ويلقي بها فريسة الانقسام على الذات والحزن و الوهم. وفي نهاية الأمر لك حرية الإرادة التامة أن تختار، أي قميص تُفضل؟!
اقرأ أيضاً:
لا يمكن تخيل حياة تليق بالإنسان دون قراءة
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط
ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب