مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

كما تنظف شاشة الحاسوب من الحين للآخر، لا تترك الغبار ليتراكم على عقلك!

أجلس أمام جهاز الحاسوب المتنقل وأكتب أو أقرأ أو أطالع بحثا جديدا هنا أو منشورًا على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم أنتبه لكلمة في وسط الكلمات التي أطالعها لأجدها خاطئة فهناك نقطة زائدة على التاء جعلتها ثاءً أو نقطة تحت الحاء جعلتها جيمًا؛ فأنتبه وأدقق مرة أخرى لأجد أن عيني قد خدعتني فتراكم الأتربة والغبار على الشاشة عندما أهملت تنظيفها بصورة دورية هو ما أدى لتكون هذه النقطة الزائفة الكاذبة. تلك النقطة شاءت الأقدار أن تلتقي مع حرف في كلمة فشوهت الكلمة ومن ثم قرأتها قراءة خاطئة لأجد نفسي لم أفهم الجملة ليضيع معنى الفقرة التي أقرؤها.

كذلك هي الحياة بالرؤية الخاطئة. فالمنظور الخاطئ للحياة يعطي أهمية لمواضيع أكثر من اللازم أو يسلب الأهمية مما هو مهم فعلا. ليست القضية فقط في تشخيص ما يجب أو لا يجب أن نفعله؛ فهذا في أغلب الأحيان واضح سهل بالبحث اليسير. لكن بعد أن تكون تلك القائمة بما ينبغي فعله وما ينبغي تركه تظهر خطوة ترتيب الأولويات والمهمات وفق الهدف والغاية التي نتجه نحوها. وهنا تظهر الصعوبة.

العقل والقلب

فالترجيح عند الإنسان له ثلاثة آراء: رأي العقل، ورأي العاطفة والذي يتمثل في رأي الشهوة، ورأي الغضب. فلو تمكنت الشهوة أو الغضب في غير محلهما من الإنسان وقررتا الاتحاد معًا ضد العقل ستظهر القيمة المضافة الزائفة لأهمية موضوع معين أو التسفيه لأهمية موضوع معين وإنزاله من مقامه ليعتليه ما هو أقل منه أهمية تماما مثل الشاشة المتسخة والتي على الرغم من أن الصورة التي تعرضها حقيقية وصحيحة إلا أن التراب المتراكم والغشاوة عليها قد أدَّتا لخلل في الرؤية الصحيحة.

قال الحكماء كثيرًا أن البصر في العين ولكن البصيرة في القلب، ولقد ظلمنا القلب عندما شبهناه أو أوَّلناه بأنه العضلة التي في صدورنا التي تنبض بالدم. فهذا قلب الجسد خُلق ليغذي الجسد ويمده بالدم والأكسجين ويكسح عنه السموم ونواتج الاحتراق ليحافظ على بقاء الجسد. وهذه العضلة نجد لها مثيلها في الضفدع والسحلية وكذلك الحصان والفهد. لكن القلب الذي نعنيه هنا هو قلب الروح. والقلب هنا بمعنى المركز أو نقطة الارتكاز التي تتحكم في أمور الإنسان وتنظمه كما أن القلب هو المنظم لضخ الدم. فالقلب هنا كمركز للروح، والنفس البشرية هي العقل المدرك للإنسان. هذا العقل الذي ينتزع المفاهيم ويرتب الأولويات ويقدر الأهم والمهم وعلى أساس قراره يتحرك الجسد نحو تنفيذ المهمات وحمل عبء المسئوليات.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا تترك الشاشة متسخة!

وكما الشاشة فإن إهمال نظافة العقل وصيانة نشاطه قد أدى لتراكم غبار وغشاوة النفس عليه. فالنفس بالغضب والشهوة كالنبتة الصغيرة بغير عمود يسندها تنمو في أي اتجاه فتميل وتنحني نحو الأرض فتحرم نفسها من الوصول للأطوال العالية حيث الشمس والهواء النقي الضروري لنموها. فتنغمس في الطين لتموت وتذبل وتتحلل قبل أن تثمر وتزدهر.

أما النبات الذي يستند على الوتد القوي فإنه يجد في هذ الوتد التقويم اللازم والسند الحقيقي في مقاومة أهواء الإنسان ورغباته في التدني والتسافل نحو الشهوة والمتعة غير المشروعة والتي تنسف وجوده. فيتعلم الصبر على الحرمان حتى تتهيأ له الظروف لتحصيل سعادته بالطرق المشروعة والسليمة التي تحافظ على سمو نفسه الكريمة ورقيها مع إعطائها الحق في المتعة دون أن يضر ذلك بوجودها وبحيث يخدم إرضاء الإنسان لمتعته مشروعه الإنساني نحو الحضارة والرقي. بدلا من أن يكون المخدر والمثبط له عن أداء واجبه نحو نفسه والمجتمع.

كيف يقوى العقل؟

كيف نجلي عنه الغبار والتراب المتراكم عليه والذي يشوش رؤيته للحقيقة؟ ذلك يتحقق بأمرين: تقوية العقل على أداء وظيفته ثم تذليل العقبات التي تواجه الجسد عن طاعة أوامره حين تصدر عنه. العنوان الأول جوابه في العلم؛ فالعقل المتسلح بالعلم والقدرة على التفكير السليم والاستدلال يستطيع أن يصل بنسبة نجاح كبيرة للقرار السليم، ويتميز بالتواضع أمام العقل الأرقى منه في العلم فلا يستحي أو يجد حرجا أو غضبا في نفسه أن يستعين بالعقل الأرقى في الاستشارة وتعويض النقص لديه في العلم.

أما العنوان الثاني فهو في تعبيد الغضب والشهوة وتسخيرهما في خدمة العقل. وذلك لا يعني -وأركز هنا علي هذه النقطة بقوة- قمع الغضب والشهوة وتبني فلسفة الحرمان الظالم، ولكنه تعويد وتطويع وتدريب النفس على أن لا تطلب التكامل في أي أمر من أمور الحياة إلا من خلال القنوات المشروعة بالتشريع السليم الموافق لطبيعة الإنسان والمناسب لتكامله. فهناك تظهر مهارات مكتسبة كالصبر والحزم مع النفس والالتزام بالمسئولية حتى يتحقق الهدف. هذه المهارات لها من الفائدة فيما يخص كل جوانب الحياة. لا فقط أمور الشهوة والغضب وصراع النفس. فكل مشروع يدخل فيه الإنسان يحتاج منه البصيرة والتعقل بالإضافة للتأني وعدم الزهو أو التسرع نحو نتائج سريعة زائفة تحمل وراءها ألمًا حقيقيًّا طوي الأمد؛ فيندم الإنسان حيث لا ينفعه الندم!

اقرأ أيضاً:

هل من سبيل للخلاص من المعاناة ؟

محمد صلاح والبحث عن الذات

البحث عن السبب الجذري للمشكلات

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

حسن مصطفى

مدرس مساعد في كلية الهندسة/جامعة الإسكندرية

كاتب حر

باحث في علوم المنطق والتفكير العلمي بمركز”بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث”

صدر له كتاب: تعرف على المنطق الرياضي

حاصل على دورة في مبادئ الاقتصاد الجزئي، جامعة إلينوي.