“الفيمينيزم” أو بمعنى آخر “النسوية”، هل نحن حقا بحاجة لها؟ هل تعاني المرأة لتلك الدرجة؟
قضية تحرير المرأة
يثار كثيرًا الحديث عن المرأة؛ فهو حديث مزمن كمرض متأصل في جسد المجتمع لا يكاد يُشفى من مسألة جزئية إلا وينشأ خلاف على مسألة جزئية أخرى يقوم لها الرأي العام ولا يقعد. تُرَى هل هناك فعلا مشكلة؟ أم أنها مجرد آراء ونظريات ومستحدثات، ننساق لها دون أي وعي منا؟!
تحرير المرأة بين الحركة القديمة والحديثة
بالنظر إلى واقعنا المعاصر فإننا نرى الناظرين لقضية المرأة إما مفرِّطين يرون عدم وجود أي مشكلة بالمرّة، بل يصل بهم الأمر إلي تهميش المرأة كلية وعدم إعطائها أبسط حقوقها كالتعليم مثلا، وهؤلاء يعوزهم الثقافة والتنوير، وهو الدور الذي كانت تقوم به حركات التحرير القديمة مثل حركات صفية زغلول، وقاسم أمين في مصر قديما.
أو مُفْرِطين يصل بهم الأمر إلى حد القهر، والظلم الذي لا ينقشع إلا بالتسوية “الكاملة” بالرجل معنويا وحتى ماديا! ويمثل هذه الفئة حركة “الفيمينزم” وهي كما ترجمها الدكتور عبد الوهاب المسيري ترجمة ليست لغوية بقدر ما هي ترجمة لواقع الكلمة تاريخيا واجتماعيا وفلسفيا بأنها حركة “التمركز حول الأنثى” بمعنى أكثر وضوحا أنها تصبح مركز الكون تاريخيا واجتماعيا وحتى لغويا!
فقد ينخدع البعض من ترجمتها اللغوية التي هي “النسوية” ويظن أنها مجرد اختصار لفظي لحركات تحرير المرأة القديمة. ولكن التطور اللفظي للكلمة صاحبه تطور في فكر الحركة، التي نشأت وترعرت في بيئة الفلسفة الغربية مرورا بكل محطات انحطاط الإنسان في الفلسفة الغربية من كونه مركز الكون ومرجعه، همه الإنسانية جمعاء، بغض النظر عن احتياجه لمرجع كامل حكيم، يعلوه ويحكم تصرفاته “الله” بنظامه التشريعي، فاكتفى فقط بنظامه التكويني!
مما أدى به إلى صراع بينه وبين أخيه الإنسان. ثم اكتشف أن للطبيعة “المادة” قوانين تؤهلها أن تكون -من وجهة نظره- مركز الكون، فصارع الطبيعة على مركزية الكون. إلى أن حسم الصراع لصالح الطبيعة “المادة” فأصبحت جلَّ اهتمامه. وصولا إلى عالم بلا مركز، كل شيء فيه نسبي ولا توجد فيه حقيقة مطلقة.
وبالتطبيق على حركات تحرير المرأة قديما، وحركة الفيمينزم التي هي وليدة هذه الأيدولوجيا نستطيع رؤيتها بوضوح في مراحل تسافل الفكر الإنساني. فبعد أن كانت حركات تحرير المرأة القديمة تهدف إلى المساوة الإنسانية، والحياة المشتركة بين الجنسين في ظل الأسرة. أصبحت الفيمينزم تهدف إلى التسوية الكاملة بينهما بداية من الصراع بينهما إلى أن تنتصر عليه، ويكون التمركز حول الأنثى.
وفي النهاية تفقد هويتها وتصبح مسخًا لا امرأة ولا رجل حيث النسبية والسيولة؛ فتضيع المرأة وتضيع معها الأسرة، ومن ثم المجتمع. ونحن بلا وعي، أو بوعي! نستورد هذه الحركة من الخارج كما نستورد كل شيء دون نظر إلى هويتنا وثقافتنا وحضارتنا.
هل هناك مشكلة ؟ وما الحل ؟
وبالرجوع مرة أخرى للسؤال الأول ألا وهو: هل هناك فعلا مشكلة؟
نعم توجد حالات ظلم للمرأة وإهدار حقوق لها مشروعة هنا وحتى هناك! ولكن لا أستطيع الانحياز للفريق الذي يدَّعي المطالبة بحقوق المرأة “الفيمينزم” كذبًا وبهتانًا لأن الذين يدَّعون استقلال المرأة عن الرجل، يماثلون بين ما لها وما عليها، وما له وما عليه! في حين أنها إذا كانت الطبيعة مغايرة فبالتالي ستنشأ عنها حقوق، وواجبات مغايرة بالضرورة، قد تتشابه في أشياء، وتتباين في أخرى.
إذًا للخروج من هذه الثنائية التي بين المفرِّطين، والمفرِطين لنرجع إلى حركات تحرير المرأة القديمة التي تعطي للمرأة هويّتها المنفصلة والمتميّزة عن هويّة الرجل، وتطالب بحقوقها المشروعة التي تُهضم في بعض المناطق كالتعليم، والميراث، على سبيل الذكر لا الحصر، كفرد لها ما لها، وعليها ما عليها، مكلّفة مثلها مثل الرجل “كل على قدره”.
والحقوق هنا بمعناها الكلي الشمولي، لا الفئوي الصراعي، فامرأة ولكن ابنة وأخت وزوجة وأم. فهي جزء من المجتمع في نسيجه لا تنفك عنه، تبحث عن ذاتها وتطورها في إطار الأسرة والمجتمع.
أما الحقوق بمنظورها الغربي تجعل العالم كله أقليات تبحث عن حقوقهم! كالأطفال والنساء والرجال والحيوانات! بل والأدهى المدمنين، والشواذ،.. إلخ. فالحقوق يجب أن تكون لصالح المجتمع الإنساني كله. فبحثنا لتكامل أفراده يجب أن يصاحبه تكامل المجتمع بداية من نواته وهي الأسرة.
اقرأ أيضاً:
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط
ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب