مقالاتقضايا شبابية - مقالات

يا إلهي! لقد مات بطل المسلسل!

السيد كيشوت وواقع  الشباب

فرغ صديقي من قراءة ذلك المنشور على إحدى الحسابات التى يتابعها من على موقع التواصل الاجتماعي، كان المنشور يرثي أحد الشخصيات التي ماتت في مسلسل من المارثون الذي تعرضه قنوات الإفساد الوسطي الجميل،

صاحب المنشور كان يتألم من فرط الحزن لأنّ شخصية أساسية في الحبكة الدرامية تم اغتيالها وهو كان متعلق القلب بتلك الشخصية، ودخل عليه بعض الأصدقاء ليقدموا له مراثي على المفقود المخطوف وأنهم يشاركونه الأحزان،

وقد تقدم بعض المتفائلين بعدة نظريات تفيد أن الحلقات القادمة ستحمل غدًا أفضل للجميع وأن الكاتب بالتأكيد لن يهدف الى تقييم سيء للمسلسل حيث سيقوم في النهاية بوضع حالة تسعد الجميع وتحل العدالة.

سألني صديقي عن سبب تبسمي بعد الاطلاع على تلك الملحمة الفيسبوكية، قلت له أنت تقرأ المنشور مندهشًا وتشاركه مع غيرك مستنكرًا وتتساءل ما هذا الهراء كيف لهؤلاء أن يعيشوا مثل تلك الحياة، في الحقيقة أنا أشعر بأُلفة تجاه هذا الموقف،

فكل عام فى رمضان يجتهد سادة الوهم ليقدموا للشباب والعجائز والمراهقين ملاحم حياتية ليدفنوا فيها الفراغ الذي يملأ حياتهم وليشعروا بإنجازٍ ما مثل تحقق العدالة في المسلسل الفلانى أو إنسجام القلب بموسيقى وشخصيات الإعلان الفلاني وختم حلقات البرنامج العلاني، كل هذه مشهورات نسمعها كل عام.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أذكر أنه في الأعوام الماضية تكرر نفس الحدث حيث قرأت منشورا لإحدى الفتيات تصرخ أن النجم فلان سيقتل ابن خصمه وهو لا يعلم أنه ابنه الضائع، خبر مهم كهذا، خبر مصيري شاركته الفتاة مع مستخدمي العالم الافتراضي ليشاركوها الحزن واللوعة.

ليسو المصريين وحدهم

هذه الحالة ليست حكرًا على المصريين فقط بل هي حالة عالمية، كل دولة بها شبكات تليفزيونية تعرض مسلسلات تستمر لعدة مواسم يتعامل متابعوها مع أبطالها بشغف وحب وتعاطف أكثر ممَّن يتعاملون مع الذين يشاركونهم سقفًا واحدًا.

لا تُصدق كل من يقول لك أن هذا من فعل الشعب المصري أو المصريين فقط هم من يفعلون ذلك، من يقول لك تلك العبارات هو على الأغلب جاهل مُحب لذاته كاره لوطنه، فنحن نتشارك الجهل والسذاجة وحب الشهوات واضطهاد المستضعفين وفساد المؤسسات والحمية والطائفية مع كل العالم، الإنسان هو الإنسان في أي مكان، ورغم اختلاف المنابع الثقافية الا أنّ النفس البشرية واحدة.

نحن نتكلم عن حُب الخيال والوهم وتفضيله على معايشة الواقع الأليم أو التفكير فى محاولة تغييره، حُب الخيال والتفقّه في الوهم الذي نجد من مظاهره الاستغراق في متابعة وسائل التواصل الإجتماعي ومتابعة أخبار النجوم والفنانين والقراءة النهمة للروايات فقط، وإدمان سماع الأشعار والأغاني على الدوام.

رواية السيد كيشوت وفقه الوهم

بمناسبة الروايات كل هذه الأحداث تذكرني برواية قرأتها قديمًا، رواية صارت أسطورة ورمزًا لفقه الوهم، هي قصة “دون كيشوت” وهي كما يصفها موقع ويكيبيديا: “تدور أحداث الرواية حول شخصية ألونسو كيخانو، رجل نبيل قارب الخمسين من العمر يقيم في قرية في أسبانيا، وكان مولعًا بقراءة كتب الفروسية وحكايات الفرسان بشكل كبير.

وكان بدوره يصدق كل كلمة من هذه الكتب على الرغم من أحداثها غير الواقعية على الإطلاق. فقد ألونسو عقله من قلة النوم والطعام وكثرة القراءة وقرر أن يترك منزله وعاداته وتقاليده ويشد الرحال كفارس شهم يبحث عن مغامرة تنتظره، بسبب تأثره بقراءة كتب الفرسان الجوالين، وأخذ يتجول عبر البلاد حاملًا درعًا قديمة ومرتديًا خوذة بالية مع حصانه الضعيف حتى أصبح يحمل لقب (دون كيخوتي دي لا مانتشا)، ووُصف بـ فارس الظل الحزين.

وبمساعدة خياله الفياض كان يحول كل العالم الحقيقي المحيط به، فهو يغير طريقته في الحديث ويتبنى عبارات قديمة بما كان يتناسب مع عصر الفرسان. وأقنع جاره البسيط سانشو بانثا بمرافقته ليكون حاملًا للدرع ومساعدًا له مقابل تعيينه حاكمًا على جزيرة وبدوره يصدقه سانشو لسذاجته”

أصبح “دون كيشوت” أو السيد كيشوت مُحاربًا للطواحين التي “يتوهم” إنها وحوش تهاجم الفلاحين المستضعفين، فكان يحاربها ويهزمها فى خياله هو فقط، صار السيد كيشوت متفقهًا في الوهم فخلق عوالم وتأثر بها وعاش بها بطلًا بينما العالم من حوله يحترق وحكومات تزدهر وإمبراطوريات تسقط وحبيبته تموت،

بينما هو مستغرق فى مهمة مقدسة لم يكلفه بها سوى خياله المريض، الخيال الذي نشط نتيجة انسحاب المقاومة العاقلة من النفس، انسحاب جاء نتيجة نقص العتاد من العلم النافع والمعرفة المتينة اليقينية، عقل بلا منطق وروح بلا غاية وقلب بلا فضيلة، تلك المآسي الحقيقية التي يجب أن نقيم لها المراثي، تحوُّل شبابنا إلى السيد كيشوت مُحارب الطواحين

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

.