قبل أن نتهم الخصوم، فلنسأل أنفسنا ماذا نفعل نحن ؟ – عن تزكية النفس والمنطق
تزكية النفس والمنطق
من الغريب أن نلقي باللوم علي خصومنا في أسباب انهزام أمتنا وتراجعها، في الوقت الذي نوفر فيه أخصب أرض للاستعمار؛ الجهل والتخلف !
فالأمة جهلت نفسها واستثقلت تكاليف اليقظة والسعي، وفقدت طريقها نحو الوعي المطلوب، فنري أن ثقافتنا الحاليه لا تُبصر ماضينا الرائع كما ينبغي ولا هي تحوي علوما تسد بها الثغور. فمن الطبيعي في ظل فقدان المنهج والتيه الذي أصاب مجتمعنا أن تتواجد الأفكار المعدية والدخيلة علي المجتمع، وإن الأفكار المؤمن بها مجتمع ما كمثل النظرية المعرفية المُتبِع لها الفرد فهي مبني عليها رؤيته الكونية، وتفسيره للواقع وبالتالي سلوكه. كذلك أهمية الأفكار والثقافة لدي المجتمع فهي إما أن تكون عوامل نهضة للمجتمع أو تكون مُنكِّسَه للمجتمع وتعيق تقدمه أو تجعله مستحيلا. وبالتالي فإن أي تخلف ينبغي أن يُرد إلي مستوي الثقافة والوعي المجتمعي.
في البدء تكون الفكرة
ومن هذا المنطلق فإن تطور المجتمع يرجع إلي زيادة وعيه حتي أنه عندما يزداد الوعي يكون الاقتصاد ناجح؛ أي أن الثقافه تنعكس حتي علي الحياة العملية المادية.
وفي ذلك ذكر “مالك بن نبي” في كتاب مشكلة الثقافة “فالفكرة والشئ إذن مرتبطان ومتعاونان تعاون الذراع والعجلة في الآلات التي تغير حركة أفقية إلي حركة دائرية، فالذراع هو الفكرة، والعجلة هي الشئ.”
فالفكرة أي المعرفة هي التي تُحرك وتنعكس علي الحياة المادية والتقدم العلمي؛ لأن الإنسان هو الذي يقودها عن علم ووعي وهدف معين، أي أن البداية تكمن في المعرفة والثقافة.
حتي إذا ما حدث وسقطت المادة كان العقل بمثابة السند الذي يستطيع البناء من جديد، كما حدث في ألمانيا عام ١٩٤٥ م، فالحرب لم تستطع أن تهدها لقوة المعرفه والعلم الكامنين في عقول أمتها مما أتاح لها النهوض مرة أخرى، فنري أن العجلة تتوقف دون أن تتوقف الحركة.
من هنا نبدأ
ومن دون الخوض الكثير في حال واقعنا وما وصلنا إليه، يبقي التساؤل عن كيفية الوصول، ومن أين نبدأ !
كما ذكرنا أن الأساس في بناء المجتمع هو العقل والمعرفة، وبما أن المجتمع السليم ما هو إلا عباره عن مجموعة من الأفراد الواعيين المثقفين، فالبداية تكون ببناء الفرد .
ولكن ما معني أن يكون الفرد مثقف؟!
بداية ما معني الثقافة؟ الثقافة من لفظ ثقف، فيقال للرماح إذا ما أريد تعديل اعوجاجها بثقف الرماح، ومن معناها فهي تقويم اعوجاج الأفراد ( عن طريق تعديل الأفكار فيظهر في السلوك ).
تزكية النفس بداية هامة
ومن منطلق التعديل فإن تزكية نفس الإنسان وروحه هي أول ما ينبغي النظر إليه، لأن صلاح الفرد يبدأ من صفاء روحه، فعندما يكون الطريق كثير الحفر فلا صلاح له إلا بردم تلك الحفر وتسوية السطح، ” قد أفلح من زكاها” والتزكية هذه ليست بالشعارات وإنما تعديل الفطرة والسلوك.
وعندما نصل للفطرة السليمة فقد سهلنا علي أنفسنا كثيرا في طريق الوصول للحقيقة والتمييز بين الخير والشر، ووجود الفطرة السليمة يجعل معرفة النفس وإدراك مخابئها أيسر ومن ثم الوصول إلي معرفة قضايا الإيمان التي تمثل أعلي درجات الحق.
المنطق والبناء العقلي
عن طريق تزكية النفس نُمهد الطريق للبناء العقلي السليم لدي الفرد؛ وفي مرحلة بناء العقل يتحتم علينا التخلص من معوقات التفكير السليم ومن المنطق الخاطئ الذي قد يكون من عراقيل معرفة الحقيقة، كما أن المنطق العملي الصحيح يلغي أوهام التعصب والتبعية، كما يخلص من آفات الغفلة والانغماس في الماديات.
ومن ذلك ينتج نمط حياة للأفراد وقرارات قائمة علي أساس منطق سليم واستدلال عقلي صحيح.
كما أن استخدام المنطق السليم قد يوصله إلي غايته الحقيقية في الحياة كفرد واعي مدرك لحقيقة نفسه يستطيع صقل مواهبه الفرديه وتنميتها.
العائد على المستوى الفردي والمجتمعي
فعلي مستوي الأفراد ينتج فرد مُزكّي نفسيا؛ لديه الجاهزية والقابلية لمعرفة الحق، وبوعيه وإدراكه؛ فهو كعقبة في وجه المشاريع الطامعة التي تضلل الأفراد وتتستر بعباءة الدين أو الوطنية.
وتتعديا تلكما الثقافة والوعي بدورهما كطابع علي سلوك الفرد في المجتمع مما يضمن حياة مجتمعية أكثر سهولة ورقيّ.
أما علي المستوي الجماعي؛ فالمجتمع المترابط الواعي حصن من الغزوالفكري، مدرك لواقعه، علي علم بماضيه. بعيدا عن الجمود الفكري والحضاري ويبحث بصورة جماعية عن مشاكل المجتمع وقضايا الأمة.
اقرأ أيضاً:
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.