مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

التربية العقلية

العملية العقلية هو ما يميز الإنسان عن سائر المخلوقات، فلو نظرنا الى تعريف الإنسان لوجدناه كما يعرفه المفكرون بأنه حيوان ناطق، بما يعنى أن الإنسان له بُعدان، بعد حيوانى مادي متمثل في الجسد، وبعد آخر هو البعد الناطقيّ أو العاقل المتمثل في النفس الإنسانية المجردة بما تمتلك من قوى.

ولذا يعرف العملية العقلية لدى الأنسان بأنه قوة نفسية مجردة ضمن قوى النفس الثلاث، إضافة إلى القوة الشهوية والغضبية، فلو نظرنا لوظيفة الشهوة لوجدناها هى التى من أجلها تجلب المنافع لهذا الإنسان، أما الغضب فهو وسيلة دفع الضرر عنه.

أما #العقل فتنقسم وظيفته إلى قسمين، فهو بلحاظ كونه قوة مجردة له القدرة على التحرك والعمل في المعلومات والمفاهيم المجردة –المعقولات– ليخرج منها بنتائج جديدة كانت مجهولة له قبلا، من هنا كان التعقل بمعنى الفهم والإدراك، وهو ما يعرف بمصطلح العلم.

ومن جهة أخرى فبلحاظ علاقته بباقى قوى النفس، فوظيفته هي إحكام وضبط باقي القوى النفسية الشهوية والغضبية والسيطرة عليها ووضعها على حد التوازن والاعتدال فلا تميل إحداهما إلى حد التفريط أو الإفراط، من هنا كان التعقل بمعنى الإحكام والإلجام والسيطرة، فعقل الشيء بمعنى ربطه وقيده. وهو ما يعرف بمصطلح التربية.

لذلك ليست مبالغة عندما نختصر الأمر في أن الإنسان يختلف عن باقى المخلوقات بل ويسمو عليها بحاجته إلى اكتساب العلم الصحيح والسلوك الفاضل، ذلك أن هذين الأمرين هما ما يؤديان الى بناء وكمال العقل والنفس.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن هذا المفهوم للإنسان وللعقل هو المفهوم المفتقد كثيرًا في ثقافتنا ولو وضعناه نصب أعيننا لاختلفت الكثير والكثير جدًا من مفاهيمنا الأخرى وتوجهاتنا في الحياة. فلو نظرنا لواقع التعليم والتربية الحالية في مجتمعاتنا لوجدناها لا تنطوى إلا على مفاهيم سطحية وقشرية ومتهافتة لما ينبغي أن تكون عليه هاتان العمليتان الضروريتان جدا في حياة البشر.

فبالنسبة لثقافة التربية فقد انحصرت عند غالبية الآباء في توفير حاجات الجسد لأطفالهم من مأكل ومشرب ورفاهية معيشية، فإذا ما نظرنا لاهتمامهم بجانب التعليم فغاية ما تصل اليه جهودهم هو إنفاق الأموال الطائلة على إلحاق أطفالهم بأغلى المؤسسات التعليمية دون الاهتمام بفاعلية وأصالة ما يتعلمونه أو مضمون هذا التعليم الذي يتلقونه، وإذا ما بحثنا عن مفهوم التربية الحقيقي المتمثل في ضبط السلوك والتقويم من أجل اكتساب الخلق الرفيع فنجده قد تم اختزاله تقريبا في تلقين الطفل أيضًا لبعض المظاهر الشكلية ولا أكثر من ذلك.

أما إذا نظرنا الى دور المؤسسات التعليمية ذاتها، فعلى مستوى التعليم نجد تجاهلا لكل العلوم التي من شأنها تنمية وظائف العقل من أجل حسن الفهم والإدراك والتمييز بين ما هو حق وصواب وما هو خاطئ ومزيف، كما إنّ أسلوب التعليم لا يعتمد سوى أسلوب التلقين الذي لا يختبر في العقل الإنسانى سوى قدرته على الحفظ والترديد، أما من حيث الكم فتنتشر ثقافة أنه كلما زاد حجم المعلومات بغض النظر عن المضمون كلما أصبح #الإنسان أكثر ثقافة ونضجا وعلما. أما الدور التربوى لتلك المؤسسات فقلما نجده فقد اختفى أو أوشك على الاختفاء تقريبا.

وإذا ما نظرنا للمجتمع ككل وجدناه في الأغلب الأعم يفتقد على مستوى جميع المجالات إلى النماذج الحسنة من العلماء والصالحين أصحاب العلم والخلق الذين يمكن لأي شخص أن يقتدي بهم أو يلجأ إليهم طلبا لعلم أو نصيحة. فلما غاب دور الأسرة والمؤسسات التعليمية والمجتمع كانت نتيجة كل ذلك أن انحرف العقل أن أداء دوره ووظيفته الحقيقية التي خُلق من أجلها من أجل ضبط الإنسان وإيصاله الى كماله وخيريته.

إذا أردنا أن نخلق إنسانًا عاقلًا من أجل مجتمع فاضل فعلينا أن ننمى في أنفسنا ومجتمعنا ثقافة التربية العقلية، بأن ندرك أولًا معنى ووظيفة هذا العقل الحقيقية، فلا يقتصر اهتمامانا على متطلبات الجسد بل نفسح مجالًا واسعًا لمتطلبات العقل والنفس، فعلى مستوى العلم والمعرفة النظرية يجب أن ننمي في هذا العقل قدرته على التمييز والنقد فلا يجب عليه أن يتبع أيّ قول أو يردد كل ما يلقى إليه بل ينتقده ويراجعه حتى يأخذ منه ما هو صالح ويرمى ما لا ينفع خارجًا، أن ننمى عند الطفل ثقافة السؤال والبحث عن الإجابة ولا نواجه أسئلته بالرفض والإنكار والتوبيخ والتسويف. أن نشجعه على الفهم و التربية العقلية قبل الحكم فلا يتخذ قرارا أو يبنى نتيجة إلا بعد استيضاح مطالبها ومقدماتها، وإذا ما جهل شيئًا ألا يخجل من اعترافه بجهله فهي الخطوة الأولى من أجل العلم، بعيدا عن سطحية الفهم وأخذ قشور المفاهيم ثم ادعاء المعرفة والتلفيق التي لن تؤدى إلا إلى جهل مركب وقرارات خاطئة ومن ثم الفشل. أن ندربهم على ثقافة البحث وعدم التسليم إلا بعد استيفاء الأدلة الصحيحة، وأن ننمي فيهم فكر البحث عن أهمية الشيء في ذاته ومدى ملائمته للواقع قبل البحث عن كيفية الاستفادة والانتفاع منه.

أما على مستوى التربية والمعرفة العملية السلوكية فتربية هذا العقل تكون بتدريبه على ضبط الشهوات والأهواء والنوازع والتحكم في العواطف والميول من أجل تهيئة النفس لحال العدالة والاتزان، فإذا ما تحقق ذلك كانت هذه هي الخطوات الأولى والضرورية لإقرار النظام والعدالة في المجتمع.

فعندما يصبح الإنسان عالمًا بالحقيقة؛ حقيقة نفسه والعالم، ومدركًا للحق؛حقوق نفسه والآخرين بما يتطابق مع حاجاتهم الحقيقية، ثم مطبقًا لتلك العدالة مع نفسه أولًا، يمكن له أن يطبق ذلك مع غيره على أرض الواقع. وبدون تلك المرحلتين الهامتين لا يمكن أن نطمح لوجود مجتمع فاضل أو نتحدث عنه، وسنظل ندور في تلك الدوائر المفرغة التي يسود فيها الجهل والظلم، الجهل لغياب العلم والظلم لغياب #التربية و خاصة العقلية التي تؤدي إلى فضيلة العدل.

فلا نبالغ إذا قلنا إنّ الحلقة الناقصة وحقيقة ما ينقصنا بالفعل هي التربية العقلية، عندها نعي ونهتم بحسن رعاية العقل كما ينبغى أن تكون.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب

#بالعقل_نبدأ

دينا خطاب

باحثة في علوم التفكير والمعرفة

فريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالقاهرة