كيف يعامل علم النفس الإنسان على أنه إنسان آلي ويضع العلاقات الإنسانية في قوالب محدودة؟
تزداد الأمور وضوحًا كل يوم؛ لتثبت أن وضع نظريات علم النفس ثابتة أو قوالب للتعامل مع العلاقات الإنسانية خطأ يصل إلى حد الغباء. نحن أكثر تعقيدًا من تسطيح الأمور و جعلها في قوالب بهذا الشكل؛ أكثر تعقيدًا من وضع قانون للتعامل أشبه بالمعادلات الرياضية. إن كل ما توصل إليه علماء النفس حتى اليوم يُدرج تحت بند نظريات؛ مجرد نظريات تحتمل الصواب و الخطأ. تنطبق على البعض لكنها لا تنطبق على البعض الآخر.
تقفز إلى ذهني فكرة طريفة؛ في بدايات نشأة علم النفس ادّعى العلماء أن علم النفس يمكن إدراجه تحت العلوم المادية التي تخضع للقياسات الملموسة. ذلك أن الإنسان وردود فعله عبارة عن إشارات عصبية؛ أي أن الأمر أشبه بكهرباء تسري في جسدك كرد فعل على فعل معين و بالتالي فأنت -عزيزي الإنسان – مجرد #آلة.
مع الوقت، انتهت هذه الفكرة عن علم النفس و نظرياته و صار فرعًا منفصلًا و ظهرت نظريات فرويد و غيره.
بتطبيق نفس الفكرة على العلاقات الإنسانية والمحاولات المستمرة و المستميتة؛ لوضع قوالب ثابتة يمكن على أساسها تحديد مدى نجاح علاقتك نجد أن هذه المحاولات فشل جديد؛ ينضم إلى حماقات البشر المتجددة كل يوم.
ربما وضع #قوالب ثابتة و محاولاتنا المستمرة لموافقتها في العلاقات الإنسانية أمر يجعلها مرهِقة أكثر. لم أكن أحب المطالبين بحقوق المرأة في صغري كنت أشعر أنهم لم يأتوا بجديد -على عكس ما يشعرون به – فالإسلام جعل الحقوق التي يطالبون بها بديهيات أساسًا. عندما تقدم بي العمر قليلًا بدأت أتفهم أن من حق الآخرين أن يُطالبوا بما نراه نحن بديهيات إذا لم يكن معظم الناس يرون هذا، و يحتاجون باستمرار إلى من يؤكد لهم كوْن البديهيات بديهيات. أما اليوم -فأنا- لا أتعاطف معهم بالقدر الذي كنت أتعاطف به من قبل؛ ليس لأن ميولي السادية ازدادت بمرور الوقت – و إن كنت أشك في هذا فعلًا – لكن لأن هؤلاء غالَوا في المطالب كثيرًا حتى جعلوا أنفسهم بمثابة أوصياء على عقول الناس و قلوبهم.
عليك فقط أن تشاهد أحد أفلام الثمانينات التي تناقش حقوق المرأة؛ إنها تناقشها بشكل متشدد يضع الفكرة و لا يذكر بدائلها بل ولا يضع لبدائلها وزن أساسًا ووضعها في قوالب . للتوضيح أكثر؛ عند مناقشة قضية عمل المرأة تجد تحقير – و إن كان غير مباشر – بدور ربة المنزل؛ التي تظهر في دور المنكسرة التي لا شخصية لها، الراضية بما حولها لتجعل الحياة تَمُر، والتي تكون دائمًا موضع التنظير من السيدة الرشيقة الجميلة المثقفة العاملة المثالية بشكل مستفز و التي تكون بطلة الفيلم بالطبع.
في حين أن هذه السيدة -ربة المنزل – ربما لا تسمح ظروفها بأن تعمل لتثبت أنها قوية أيضًا و لها كيانها الذي لا يهتز بوجود الزوج و الأولاد الذين لا يكفون عن الصراخ طوال اليوم. ربما لو حاولت مستميتة أن تكون مثل نموذج البطلة الساحرة ستفشل و بشدة و لن تزداد إلا تعاسة. بالطبع أنا لا أرفض عمل المرأة فأنا امرأة عاملة -إذا صح القول واعتبرنا العمل الحكومي عملًا – لكني أرفض وضع حل واحد أوحد و نموذج منير -في الحقيقة شديد الإنارة و اللمعان – يسعى الكل لمحاكاته و إن اختلفت ظروفهم، و إلغاء كل بديل يصلح لحل المشكلة.
لماذا مثلًا لا نقدم بديل كالبنت المثقفة التي تعلمت جيدًا؛ كيف تفكر بشكل سليم، و تزن الأمور بطريقة هادئة، التي تتزوج يومًا و تصير أمًا لكنها لا تعمل – بسبب الظروف أو رغبتها الشخصية – إلا أنها تصبح أمًا أشبه بالمدرسة التي تُخرج قادة و ليس أطفال شوارع.
الأمر الذي يزيد من قدرها و قيمتها وثقتها بنفسها أيضًا. و بما أن حديثنا هنا عن العلاقات الإنسانية، و بما أني أعيش تجربة جديدة بالنسبة لي – إذ لم يمر على زواجي سوى شهر و نصف تقريبًا – و بما أني في مراهقتي كنت مدافعة مستميتة عن حقوق المرأة أمام الرجل المتوحش الراغب دائمًا في السيطرة على عقلها؛ مرددة ما أسمعه في التلفزيون بشكل غير مباشر و الذي استقر في لاوعيي بشكل يوحي لي حينما أتكلم أن ما أَتشدق به إنما هو من وحي أفكاري، ربما تجعلني الأسباب السابقة مناسبة للتحدث عن الأمر. فأنا لا أنكر فعلًا وجود رجال متوحشين يرغبون و بشدة في السيطرة على عقول نسائهم، لكن المشكلة تكمن في تعميم الفكرة والذي يجعلكِ تتعاملين بشكل يمكن أن نسميه عدائي مع كل رفض تواجهينه منه.
في حين أنكما يمكن أن تصلا إلى حل معًا يجعل كليكما راضيًا. أنتما لن تصلا إلى هذه النتيجة إلا بتكسير #قوالب التي استغرق بناؤها عمرًا. أنا لا أحب تسلط “سي السيد” لكن ماذا لو أن “أمينة ” تحب “سي السيد” على هذا النحو ؟!
التعميم مع التجارب الإنسانية هو أمر فاشل فعلًا. نحن البشر أكثر تعقيدًا بحيث يمكننا أن نعتبر أن كل حالة هي حالة فردية نوعًا ما.
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.
#بالعقل_نبدأ