عندما لا تكون الحياة دائما بين الأبيض والأسود… ألوان الحياة المتعددة
بين الأبيض والأسود .. في عصر من العصور ارتكبت امرأة جريمة من الجرائم، وبعد فترة شعرت بالندم ما دفعها إلى تسليم نفسها للعدالة بإرادتها، وبمجرد أن استوفت شروط العقوبة، أمر حاكم البلدة بتنفيذ العقوبة عليها وذلك بإعدامها رجمًا -رميا بالحجارة- وكان القانون ينص على أن يحضر جمع من شعب هذه البلدة ليشاهدوا العقوبة فيكون ذلك زاجرا لهم عن ارتكاب هذه الجريمة، واُثناء تنفيذ الحكم عليها أصاب بعض من دمها ثوب شاب يدعى “خالد”، فاشمئز منها وسبها على مسمع من المحيطين به غير أن أحدًا لم ينكر ذلك، إلا أنه كان من بينهم رجل حكيم من رجال هذه البلدة، فقال له: (مهلا يا خالد) وأوضح لخالد جزءًا مهمًا غاب عنه ذهنه وهو أن هذه المرأة جاءت إلى هذه العقوبة باختيارها، وكان يمكنها أن لا تفعل، فتمهل خالد.
يعد الإدراك هو عملية تكوين تصور عام أو رؤية عن شىء ما، كما يعتبر الإدراك هو الأساس الذي تنطلق منه العديد من السلوكيات، حيث إن سلوكياتنا تجاه شىء معين محكومة بعدد من العوامل وأهمها إدراكنا لهذا الشىء، وهناك آليات أو أساليب تفكير مختلفة تتسبب في تشوه الإدراك، ويعتبر كل أسلوب يعيق وصول المعلومات المتاحة المتعلقة بموضوع واحد بصورة سليمة على أنه من مسببات تشوه الإدراك، إلا أن أكثرها شيوعا -وبالأخص في مصر- هو أسلوب تفكير ” الأبيض والأسود “، ويليه أسلوب التعميم،
وتكمن خطورة التفكير “الأبيض والأسود” في حصر الأمور في نَقِيضَين منفصلين بصورة مطلقة، ولذا فإن إثبات أحدهما هو نفي للآخر، الأمر الذي يدفع العقل لتجاهل المعلومات المتعلقة بالنقيض الذي لا يتبناه، وفي المقابل فإنه ينتقي المعلومات الداعمة للنقيض الذي يتبناه، فتنتج صورة أو إدراك غير مبني على الحقيقة وإنما مبني على انتقاء معلومات تدعمه، وبإسقاط ذلك على القصة المتقدمة فيمكننا أن نرى في البداية أن “خالد” لم يدرك الصورة الكلية، فهو رأى في هذه المرأة أنها ارتكبت هذه الجريمة البشعة، وبالتالي عظم عليه أن يلامس دمها ثيابه، وعبر عن ذلك بسلوك (السب) ناتج عن إدراكه الجزئي، ثم يأتي الرجل الحكيم ليصف له النصف الغائب عن إدراكه حتى يتمكن من رؤية الصورة كاملة، فيوضح له أنه أخطأ في سلوكه نتيجة اضطراب في إدراكه، ويخبره بصدق توبتها وأنها على الرغم مما ارتكبته بإرادتها -وفي هذا إشارة إلى سوء سلوكها- إلا أنها سلمت نفسها للعدالة بإرادتها أيضا -وفي هذا إشارة إلى فضلها-، فلا يمنع كونها أخطأت من كونها قد تابت، ولا يمنع كونها قد تابت من معاقبتها لخطئها، فما أراده الرجل الحكيم هو أن يوضح أن كلا الجزئين -الجريمة والتوبة- لا يمكن أن يُعزل أحدهما عن الآخر في قراءة الموقف، وهذا ما يطلق عليه اسم التفكير في حدود “المنطقة الرمادية”.
وكما ذكرنا من قبل فإن التفكير “الأبيض والأسود” هو شائع في مصر والأمثلة على أرض الوقع كثيرة، ففي خلال الأحداث الكبرى تجد المجتمع يحكم على الأشخاص والأحداث بصورة مطلقة، فهذا شخص يوصف بشئ، فإن تصرف تصرفا مختلفا فإنه يوصف بالضد تماما، وكذلك الأحداث فهي إما نور مطلق وإما ظلام مطلق، إما تدبير مطلق أو عشوائية مطلقة، ويظل الإدراك متأرجحا مشوها بين النقيضين، مما يصعب فهم المشهد المحيط وهذا بدوره يتسبب في المزيد من تشوهات الإدراك، ولعل العديد من إدراكاتنا اليومية تحتاج لنصيحة “مهلا يا خالد”.
يعتمد التغلب على أسلوب “الأبيض والأسود” على ما يلي:
- التوقف عن حسم الرؤية اعتمادا على مجرد معلومات جزئية.
- التأكيد دائما على ترك مساحة للمعلومات الغائبة وهذا بدوره يؤدي إلى عدم التحيز تجاه أي رأي نتيجة للإحساس بعدم اكتمال الصورة.
- ترك الحكم على الأشخاص استنادا إلى سلوكياتهم، إذ أن السلوك هو قمة الجبل المرئية والكامن تحتها بقية الجبل غير المرئي.
- #السلوكيات لا تحكم على الأفكار، بينما الأفكار تحكم على السلوكيات.
في النهاية يمكن أن تكون السلوكيات التي تظهر انها خطا خطوه نحو الامام و التقدم اذا غيرت في تفكير الشخص
لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.
ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.