إصداراتمقالات

الحجاب والمجتمع

في مجتمعاتنا يوجد الكثير من القضايا المتشابكة والتي تزداد تعقيدًا عندما نحاول حلها بطريقة خاطئة أو بدون أن نبني تصورًا كاملًا صحيحًا لطبيعة هذه القضية.

ولعل أحد مفاتيح الخروج من هذا التشابك هو أن نعالج تلك المسائل بعيدًا عن ضغوطات الواقع وما يفرضه علينا لأن الوصول للحقيقة أو نتيجة كلية سليمة يصح استخدامها كمبدأ عام يتطلب الانطلاق من مبدأ ما ينبغي أن يكون لا من مبدأ ما هو كائن وحاصل بالفعل أي أنّ الباحث عليه أن يكون حياديًا وموضوعيًا ولا يقع أسير الزمان والمكان ولكن يشغله فقط معرفة الحقيقة والمعيار السليم الذي يحقق الاستقرار والتوازن للمجتمع.

وإحدى هذه القضايا التي يدور حولها جدل واسع في مجتمعنا اليوم قضية الحجاب.

بعض القضايا ومنها القضايا المتصلة بالمرأة كالحجاب لا يصح أن ندرسها بشكل جزئي وإن تمت دراستها بشكل جزئي قد تؤدى لنتائج مغايرة للنتائج الصحيحة وتطمس مفهوم هذه القضية. ولكن ندرسها فى إطار الرؤية العامة حول المرأة ودورها فى الحياة.

بالنظر إلى المجتمع الذي تعيش فيه المرأة ويعتمد عليها هذا المجتمع بشكل كبير؛ فإن أحد أهم أعمدة توازن واستقرار المجتمع هو الاستقرار الأخلاقي والذي إن اختل يقع الناس فى فوضى اللاأخلاق والتي تكون عواقبها مدمرة للمجتمع، وأحد أهم أسباب تحقيق الاستقرار الأخلاقي في المجتمع هو إغلاق باب السفور والتزام العفة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فالعفة من أهم القيم التي تحمي المجتمع وتحفظ الضوابط وتنظم الحياة فى المساحة المشتركة بين الأفراد، والعفة كقيمة أخلاقية تجعل من تحلى بها يتوقف عند محارم الله وتجعله يتبع سلوكًا اجتماعيًا لا يخل بقيم وضوابط المجتمع، وهي تربي النفس وتجعلها تترفع عن الاستجابة لشهواتها وتجعل الفرد راغبًا عما ينافي الخلق السليم والفطرة السوية حتى وإن تيسر له ذلك.

فالعفة قيمة كليه يُقر العقل بضرورتها وبأهميتها لتحقيق الكمال للبشر وأما السلوك الواجب علينا اتباعه لتحقيق تلك القيمة فهو ما يخرج من دائرة وظائف العقل إلى اتباع النصوص التي حكم العقل بصحتها لأن هذه الجزئيات لا يستطيع العقل الوصول لها ولكن يستطيع معرفة النصوص الصحيحة وبالتالي يستمد منها التشريعات والممارسات الصحيحة والتي بالطبع هدفها الوصول لكمال الإنسان وراحته.

فعندما نجد تلك النصوص تأمرنا بالحجاب فهذا سبب كافٍ للالتزام به وما هذه إلا محاولة لتدبر الحكمة من فرض الحجاب.

فكما ذكرنا أن الاستقرار الأخلاقي أمر لا غنى عنه للمجتمع فإن الحجاب يعد وسيلة من وسائل الضبط الأخلاقي وحماية المجتمع من الانفلات والمرأة غير المحتشمة تخرق هذا الاستقرار الأخلاقي وإن كان عن غير قصد فمثل هذه الأمور لا تكون بحسن النوايا وفقط.

وبما أنّ المرأة تتحرك فى إطار مجتمع له مبادئ تحفظه فالحجاب ليس حرية شخصية لأن الحرية لا تُمارس فى الهواء الطلق ولا تكون بإلحاق ضرر بالمجتمع وعدم الالتزام بالمعايير الأخلاقية فالحرية لها إطار معين يحكمها أما الحرية المطلقة التي لا تراعي أي قيد أو خُلُق فهي تفلّت وليست حرية.

والاستقرار الأخلاقي بالطبع ليس واجب المرأة فحسب فالرجل أيضًا ملتزم بالعفة والحشمة ولا يجوز له أن يرتدي أو يفعل ما يُنافي الاحتشام ولكن تبقى للمرأة خصوصيتها لأنها وبحسب طبيعتها هي عنصر الجذب الأكبر وعنصر الجمال.

وبالنسبة لمن يرون أنّ الحجاب يُعد تقييدًا لحرية المرأة وامتهانًا لكرامتها ويسألون لماذا الحجاب؟ ولماذا المرأة؟ نجيبهم بلماذا السفور؟؟ ولماذا تُمتهن كرامة المرأة ويُنحسر كيانها فى جسد؟؟ فإن هذا هو الامتهان حقًا لكرامتها وانسانيتها، هذا هو اعتبار قوة المرأة فى مفاتن جسدها لا بمقدار وعيها وقدرتها على العطاء.

إنّ من يريد محاكمة الحجاب فليس من حقه أن يحاكمه انطلاقًا من قيم حضارة أخرى ووفقًا لمبادئها حتى وإن كانت هي الحضارة الأكثر تأثيرًا فى العالم اليوم وإنما يحاكمه في ضوء المبادئ الإنسانية والعقلانية العامة وفي ضوء الأخلاق التي تُحيي الشق الناطق في الإنسان.

وهذا ما ينبغى أن نعلمه لبناتنا عندما نطلب منهن الالتزام باللباس المحتشم فيجب أن يفهموا أنهن يحملن أمانة حفظ المجتمع وصون كيانه فهي بالحجاب تحمى نفسها، تحمى الرجل، تحمى حياتها الزوجية. يجب أن نعلمهن أن الحجاب يجب أن يمس الروح قبل الجسد فكم من جسد محتشم بروح سافرة، نعلمهن أن الحجاب هو عفة وحياء وتقدير لمكانتها لأنها كما يقول علي بن أبي طالب “المرأة ريحانة”.

إننا بحاجة إلى تصحيح نظرتنا للمرأة فنحن أمام شعارات تُمجد المرأة وتنادي بحريتها ولكن تبقى شعارات فارغة المضمون، إننا أمام سوق عبيد بشكل عصري، سوق تباع فيه المرأة بطريقة مبتكرة. فقديما وأدوا المرأة جسدًا واليوم يحاولون وأدها كرامةً.

دعاء محمود

طالبة بكلية الطب جامعة المنصورة

باحثة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة