إصداراتمقالات

لماذا لا تموت المهرجانات؟

في البداية لا بدّ من الاعتذار “للمهرجانات”

رغم أن عنوان المقال يبدو وكأنه عنها، إلا أننا يجب أن نعترف أنه ليست هي بالذات شخصيًا المقصودة.
ولكن يجب أن نعترف أيضًا أنها -شئنا أم أبينا – قد صارت ترمز لكل السفاهة والانهيار الذى نلمسه في الفن المصري والسينما حديثًا، وانعكاسًا له، كل الانهيار والسفالة التي نشاهدها في المجتمع المصرى، خاصةً من بعض الشباب والكثير من حديثي السن.

هدفنا فيما هو آت من كلام، محاولة فهم ما حدث، ولماذا حدث، وربما نرى الخلاص.

ما الذي حدث في السينما؟؟ ما معنى أن الفن والسينما في انحدار؟؟ … ما المقصود بالأفلام “السيئة”؟؟
يمكننا أن نعرف “الأفلام السيئة” بأنها تلك الأفلام خالية المضمون والرسالة، أي بلا هدف لكن لو تتبعنا تقريبًا جميع ما تصدره السينما المصرية حديثًا، لا بدّ وأن نجد رسالة ما يدعى صناع الفيلم أنهم يريدون توصيلها.

فيلم مثل “تتح” مثلًا … بسهولة ممكن ادعاء أنه يهدف إلى توصيل رسالة سامية للمجتمع (مع الاعتذار إلى سامية طبعًا)، مفادها أنك بإمكانك تحدي الإعاقة الذهنية والهطل، لتحرز بطولة!! فيلم مثل “الليمبى” أو “حاحة وتفاحة” ممكن أن تدعى أن رسالته هو الكفاح ضد الظروف الصعبة للوصول إلى الهدف ووصال الحبيب!!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فقط شاهد البداية والنهاية، وتجاهل ما بينهما من سفه وألفاظ بذيئة وعرى وانحلال ومخدرات و…إذًن البحث عن وجود أو غياب “هدف” من الفيلم ليس فى ذاته كاف. لكن لو صنفنا “الفيلم السيء” على أنه ذلك الفيلم المعتمد بصورة أساسية وبإلحاح على العنف (الجسدي واللفظي) أو على العري والإباحية، أو على انتزاع الضحك بسطحية، هنا يمكننا بوضوح تصنيف الفيلم (وبالتالي السينما). فلماذا إذن تنتشر الأفلام المعتمدة على العنف، أو الجنس أو السطحية؟؟ لماذا لا تنتشر الأفلام الأعمق والأكثر جدية ؟؟

الإجابة تكمن في السبب الذي تصنع من أجله الأفلام ؛ كسب المال

صانع الفيلم يهتم جدًا بإيرادات الفيلم ، وبالتالي على عدد مشاهدي الفيلم كلما زاد عدد المشاهدين، زاد الربح، وزادت الأفلام و لكي يزداد عدد مشاهدي فيلم، لابد وأن يلمس الفيلم ما يشبع حاجات أكبر عدد من الناس.
تخيل أنك صانع أفلام تبحث عن الربح، جمهورك مكون من ١٠٠ فرد مثلًا … ١٠ منهم يحبون “بيتهوفن”، ١٢ يهوون “نجيب محفوظ”، ٦ يعشقون جارسيا، والباقي (٧٢) لا يشغلهم غير لقمة العيش ومحرومون وإشباع رغباتهم الجنسية ومفتقرون للكرامة الشخصية وتحقيق الذات فى مجتمعهم …. من من هؤلاء ستضع أمام عينك أثناء صنع الفيلم؟؟

توضيحًا لذلك تعالوا نرجع إلى السينما المصرية في الماضي. في البداية، كانت تذاكر السينما غالية بالنسبة لقطاع واسع من الشعب، خاصة القطاع قليل التعليم والثقافة بالتالي كان الزبون الأساسي للسينما كان “الباشا” وأسرته، أو الكتاب والمثقفين والمتعلمين ممن يستطيع توفير ثمن تذاكر السينما ، ونسبتهم إلى الشعب ككل قليلة هذا القطاع من الشعب يحتاج إلى إشباع رغبات مختلفة عن باقى الشعب، هذا القطاع بمستواه المالي العالي نسبيًا، بالفعل يستطيع إشباع رغباته الإنسانية “البدائية” بالطرق المقبولة مجتمعيًا،فهو لا يحتاج لرؤية مشاهد عنيفة أو ألفاظ نابية عالية ليشبع كبتا مدفونا، ولا يحتاج لرؤية جسد ممثلة عار ليشبع رغبة جنسية مكبوتة.

بالتالي كانت أفلام “يوسف وهبي” على سبيل المثال تحمل رؤية ورسالة ولغة موجهة لذلك النوع من “الزبائن”
ثم بمرور الأيام وتغير الأحوال في المجتمع، انخفض سعر التذكرة النسبي ليصبح في متناول الجميع
الغني والفقير، الجاهل والمثقف، المتطلع للسمو والباحث عن متنفس لكبته الجنسي والمجتمعي
وحيث أن أكثر الأشياء المشتركة بين المشاهدين هي غرائز الجنس، والرغبة في إشباع غضب داخلي ولأن الجاهل والباحث عن منفس لكبته أكثر جدًا من السابقين، ثقلت كفتهم، وتحولت الأفلام لإرضائهم. فانتهى الأمر بـ”يوسف وهبي” إلى الظهور في دور ثانوي في فيلم “البحث عن فضيحة”!!!!

إن وافقنا واتفقنا على ما سبق، وحاولنا أن نسأل …. ما الحل؟؟ هل الحل أن نشدد الرقابة على الإنتاج الفني لنمنع مرور ما يسيء ؟؟ بالطبع لا، من حيث عدة أسباب

فباستثناء الحدود القصوى مثل العري الكامل أو الألفاظ بينة الفحش، من الصعب جدًا تحديد ما يجب قطعه وما يمكن تمريره، لأن نفس المشهد ونفس الجملة يمكن أن تُعرض وتُقال بأساليب كثيرة ومن الصعب كتابة “لائحة” تتحكم في المعروض وتصنفه ولا يمكن ترك الأمر تبعًا لوجهة نظر الرقيب

هل الحل هو تشجيع الأعمال الهادفة المفيدة ؟؟ ربما، لكن في النهاية تلك الأعمال الفنية الهادفة لابد وأن تهتم بالربح لضمان استمراريتها، بما يعنى خضوعها لنفس التأثير الخاضع له باقي الأفلام، وبالتالي، تحولها إلى نفس الأعمال السيئة هل الحل أن نقتل مغني “المهرجانات”؟؟ بالطبع لا، فباستمرار التربة السيئة، سيخرج ألف “مهرجان” فما الحل ؟؟

الحل يكمن فى “التربة” السيئة التي تنمو فيها النبات السيء الحل هو تغيير تركيبة المجتمع، بحيث لا يعد متقبلًا لبذور المهرجانات. فإن كان “زبون” المهرجانات هو الجاهل، الحل في نشر وتحسين التعليم وإن كان “زبون” المهرجانات هو المكبوت جنسيًا، الحل هو توجيه الرغبات الجنسية إلى مسالكها السليمة من حيث تيسير الزواج والإقلال من المثيرات الجنسية التى يتعرض لها الشباب (عن طريق التعليم والتوعية) وإن كان “زبون” المهرجانات هو من يجد من حوله أن البلطجة تفيد للحصول الحق، الحل هو التصدي لكل مظاهر البلطجة والعنف بين السلطة والناس، وبين الناس بعضهم وبعض.

المهرجانات لم تظهر فجأة، لكنها نمت وربَت على مدار سنين وسنين من فساد المجتمع والوهم، كل الوهم أن ننتظر أن يقتلها مقص رقيب أو قرار مسئول.

لماذا لا تموت “المهرجانات” ؟؟؟

باستمرار الوضع على ما هو عليه، سيخرج من بعد كل “مهرجان” يموت “مهرجان” جديد

محمد سمير شعبان

مدرس بكلية الطب جامعة اسكندرية

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالاسكندرية