إصداراتمقالات

ربّى عيالك

ربي عيالك جملة اسمعها كثيرا في مواقف متعددة مختلفة المعنى والمغزى، أحيانا أسمعها في موقف يريد صاحبه أن يقول لي – انتي عايشه في الوهم! فوقي وعيشي على الأرض وروحي أحسن اعملي حاجة مفيدة بدل الكلام الفاضي اللي بتقوليه! روحي ربي عيالك –  وأحيانا أسمعها في موقف يشعر صاحبه أني تعديت عليه عندما وجهت له نصيحة في التعامل مع أبنائه فيرد مستنكراما لكيش دعوي ب عيالي وروحي اتشطري وربي عيالك

ولكن دعونا من كل تلك المواقف، ولنحاول معا تأمل الجملة، هل نحن فعلا نحاول بصدق أن نربي أبناءنا؟! هل تربية أبنائنا تحتل مكان وأهمية في حياتنا أم أننا نتلهى عنها بأشياء كثيرة متعددة تاركين أبنائنا لتربيهم الحياة والمواقف المختلفة بل والآخرين؟

أسئلة هامة تحتاج منا لمحاولة الإجابة عنها بصدق شديد هذا إذا أردنا أن نعرف هل نحن فعلا نبلي حسنا في تربية أبنائنا أم لا؟!  هل نحن فعلا – نربي عيالنا – أم نتوهم فعل ذلك ؟

ويجدر بنا في البداية أن نسأل: هل يمكن لمهندس أن يقوم بالبناء دون معرفة قواعد البناء والتخطيط وفقا لمبادىء علمية واضحة؟ وهل يستطيع الطبيب أن يقوم بعملية جراحية دون علم بجسم الإنسان وأعضائه وخصائصه بالكامل؟ ما هذه الأسئلة التي تبدو ساذجة؟ كيف لطبيب أن يجري عملية جراحية دون معرفة بجسم الإنسان أو لمهندس أن يقوم بالبناء دون معرفة قواعد البناء والتخطيط ؟ نعم إنها حقا أسئلة ساذجة ولكنها مقدمة لمجموعة أهم من الأسئلة وهي:

كيف يمكن صناعة إنسان دون معرفة ماهية هذا الإنسان؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كيف يمكن تربية طفل وتنشئته دون معرفة خصائصه وصفاته واحتياجاته في المراحل العمرية المختلفة؟

وكيف يٌنتظر أن تكون نتيجة التربية هي فردا صالحا مصلحا فاضلا متزنا عقليا ونفسيا دون أن تسبق هذه النتيجة المقدمات الضرورية لها؟

إذن التربية عملية هامة شاقة تحتاج لجهد في فهم الطفل وجوانبه المتعددة في مراحل عمره المختلفة، وفي هذا المقال لن نتطرق لتفاصيل عملية التربية وأساليبها وقواعدها التفصيلية فهذا أمر نترك البحث فيه لكل أم وأب يريدون صدقا تربية أبنائهم بشكل سليم وصحيح، ولكن سوف نعرض بعض المبادىء الهامة التي يجب الانتباه لها بشكل عام في عملية التربية والتي يمكن إيجازها في النقاط التالية:

  • لابد أن نتطرق أولا في عملية التربية لمحورين ونوضحهم حيث أن كثيرا من المشاكل في تربية أبنائنا يكون منبعها هذين المحورين وهما:
  • الأول: متعلق بمفهوم عملية التربية نفسها، فالبعض قد يفهم أن التربية هي فقط عملية تعليم الطفل بعض العادات التي يستطيع بها التكيف في حياته مثل: كيف يأكل ويشرب، كيف يرتب أشياءه أو يرتدي ملابسه كيف يذاكر وغيرها أو أن مسئولية الأسرة هي فقط توفير الاحتياجات المادية للطفل كالملبس والمشرب ونوعية التعليم والمدراس وهذا غير صحيح بالمرة؛ فالطفل إنسان له جسد وروح والتربية السليمة لا بد أن تعتني بكلا الجانبين عنده وتعطيه حقه بل إن العناية بالجانب الروحي العقلي هي الأهم، فأساس عملية التربية هو تنشئة الطفل وتعليمه وتأديبه وزرع القيم والمبادىء والثوابت الصحيحة في نفسه في المقام الاول حتى يستطيع أن يكون إنسانًا متزنًا نفسيًا وعقليًا.
  • والعامل الثاني متعلق بفهم العلاقة بيننا وبين أبنائنا، فكثير منا يعتقد أن أبناءه هم ملكية خاصة له يفعل بهم ما يشاء، وهذا غير صحيح، فأبناؤنا ليسوا ملكية خاصة، بل هم أمانة يتوجب علينا الحفاظ عليها والتعامل معهم دائما من هذا المنطلق.
  • فالأسرة كيان يمثل النواة الأساسية لأي مجتمع، ولا بد لهذا الكيان أن تحكمه قواعد واضحة وسليمة ومعروفة لكافة أفرادها، فلا يمكن أن تتم عملية التربية بدون قواعد تنظم العلاقة بين أفراد الأسرة وتوضح المسموح به وغير المسموح به، وهذه القواعد يتم تطبيقها على الأم والأب كما يتم تطبيقها على الأبناء أيضا، ومن شأن هذه القواعد أن تنظم الحياة والتعاملات وتقلل من التوتر والاضطراب وبالتالي توفر كثيرًا من الجهد والوقت الذي يمكن استغلاله في أشياء كثيرة مثمرة تنمى العلاقة بين أفراد الأسرة.
  • ومما لا شك فيه أننا جميعا نحب أبناءنا لكننا لا ننجح دوما في التعبير الصحيح عن هذا الحب، أخبروا أبناءكم بحبكم لهم، أنبئوهم أنكم تحبونهم بلا شرط وبلا مقابل فهم في حاجة لأن يعلموا هذا بل في حاجة أن يعيشوه.
  • نستطيع أن نقول أن الصبر هو صديق لعملية التربية؛ فلا تربية بدون صبر ولا يجب أن يكون هناك حدود للصبر على تربية الأبناء، فالطفل كائن مذهل مليء بحب الاكتشاف والمعرفة والتجربة وهو في ذلك قد يضر نفسه أو يتجاوز الصواب في تصرفاته وهنا يأتي دور الأسرة في وضع المبادىء الصحيحة التي تساعد الطفل على الاكتشاف والمعرفة دون أن يؤذي نفسه أو الآخرين ودون الوقوع في الخطأ وكل هذا يتطلب وقتًا وصبرًا وحكمة بالغة من الأسرة.
  • لا يمكن أن تتم عملية التربية بعيدا عن مفهوم القدوة، ومن ثم على الأم والأب أن يعلموا أنفسهم قبل وخلال تعليمهم لأبنائهم، فلا يمكن أن نطلب من الطفل أن يتحلى بخلق بينما لا يرانا هو نطبقه في حياتنا وأفعالنا.
  • علم ابنك كيف يصطاد بدلا من أن تعطية كل يوم سمكة – مبدأ هام في عملية التربية ألا وهو تعليم الطفل القيمة والمبدأ الكلي – المعيار–  الذي يستطيع به أن يتعامل مع غيره ويحل مشاكله، فالمشاكل التي يواجهها أبناؤنا على مدار حياتهم في مراحلها المختلفة كثيرة ونحن لن نستطيع أن نكون معهم في كل تلك المواقف والمشاكل، وبالتالي فلا بد من تعليمهم المبادىء والقيم الثابتة التي يستطيعون بها حل مختلف مشاكلهم بشكل صحيح يضيف إلى شخصيتهم ويبنيها ويجعلها أكثر صلابة.
  • كيف يمكن أن تكون هناك علاقة بين أم وأب لا يتحدثون إلى أبنائهم ولا يسمعون منهم؟ الطفل لديه الرغبة الدائمة للحديث عما بداخله، والسؤال عن ماهية الأشياء وأسبابها في محاولة منه لبناء المفاهيم والتصورات، وهنا يأتي دور الأسرة في الاستماع والإجابة بصدق واهتمام، فلا تبخلوا على أبنائكم بالحديث، فالحوار الدائم والاستماع المتأني هو النواة للعلاقة القوية بينكم واستمرار هذا الحوار هو بمثابة صمام الأمان لاستمرار العلاقة والحب والثقة بينكم.

وأخيرا وليس آخرا، كلنا نتمنى أن نرى أبناءنا في أفضل وأحسن الأحوال، فالذرية الصالحة هي من أهم وأقوى بواعث ومسببات السعادة والرضا للإنسان، والسعادة هي الغاية التي يسعى لها الجميع، وعلينا أن نعلم أن أبناءنا سيكبرون يوما ويستقلون عنا وتكون لهم حياتهم الخاصة وعلينا أيضا أن نختار إما أن تكون لنا أيادي خضراء في حياتهم أو لا يكون لنا أي أثر أو بصمة خير في نفوسهم.

منى الشيخ

مطور برامج

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالاسكندرية