فى سيارة أجرة يستقلها شخص ليبلغ بها وجهته وعندما حان موعد نزوله حدث بينه وبين السائق خلاف بسبب الأجرة أو النقود المفروض دفعها للسائق وكان نتاج هذا الخلاف أن غضب الراكب وقال إن كل سائقى سيارات الأجرة جشعون ويطلبون أكثر من حقهم وأصبح يتعامل معهم على هذا الأساس فى حين أنك قد تصادف سائقا آخر يأخذ أقل مما تتوقع.. فى هذا الموقف عمم الراكب صفة وجدها عند شخص معين على كل الأشخاص الذين يمتهنون نفس مهنته وهذا التعميم نستخدمه جميعا فى حياتنا اليومية ونطلق عليه نتاج خبرة ولكن فى علم المنطق فهذا يسمى استقراء ناقص.
مشهد 2
بين أخوين (أ) و(ب) على المائدة حيث يقول (أ) لحم الدجاج مفيد للصحة ويرد (ب) بأن لحم البقر طعمه أفضل فيرد (أ) ولكن لحم البقر أغلى ونحن فقراء…فى هذا الموقف لم يعترض (ب) على كلام (أ) ولكنه سرد إحدى خصائص لحم البقر لكن (أ) قام بتشويه حجة (ب) وبدل أن يرد على الطعم حول الموضوع إلى السعر والفقر والوضع المادى وهو أمر يسهل عليه عملية الهجوم على رأى (ب) بدلا من النقاش حول موضوع الطعم فى حين أن طعم اللحم هو الحجة الحقيقية ولكن تم تجاهلها ليسهل الهجوم.. فى هذا الموقف التصرف الطبيعى الذى سيقوم به معظمنا لو كنا فى محل (ب) هو التأثر بحجة الفقر وعدم الانتباه إلى أنه تم تحريف الموضوع بعيدا عن حجته الأصلية وهذا ما نتعرض له كثيرا فى حياتنا وقد نتخذ بناءً على خدعة كهذه قرارات مهمة وهذا ما يسمى فى علم المنطق بالتحريف أو المغالطة.
المشهدان السابقان الغرض منهما توضيح أن علم المنطق وقوانين التفكير ما هما إلا شئ أساسى فى حياتنا فعلم المنطق علم منتزع وليس مخترع فالذين وضعوا علم المنطق لم يقوموا باختراع هذه القوانين وتأليفها ولا هى نتاج تجاربهم الشخصية ولكنهم استنبطوها من الطبيعة البشرية ومن العالم الخارجى حولهم ودعاهم لهذا كثرة المشككين فى الحق وانتشار العبثية وانعدام الأخلاق.
ونحن ربما نتوهم أننا لسنا بحاجه لتعلم قوانين التفكير طالما أن الإنسان مفكر بطبعه ولكن هناك فرق بين التفكير بوجه عام والتفكير بشكل صحيح فكثير منا يتكلم الإنجليزية ولكن من يلفظها بشكل سليم؟؟؟
فكما خلق الله الإنسان قادرا على الكلام والنطق وجعل له اللسان لينطق به إلا أنه يحتاج إلى ما يقوم نطقه ويصلحه ليكون كلامه صحيحا.. فالله تعالى خلق الإنسان مفطورا على التفكير ومنحه قوة عاقلة مفكرة إلا أنه قد يخطئ ويحسب ما ليس بعلة علة وما ليس ببرهان برهان وما هو عدم موجود وقد يخطئ فى التفريق بين الصواب والخطأ لذلك هو بحاجة لتصحيح أفكاره وما يرشده للطريق السليم.
إن التفكير هو عملية الغرض منها معرفة المجهول بالمعلوم عن طريق حركة الذهن فى المعلومات ومواجهة المجهول هى الشرارة الأولى للبدء بعملية التفكير وهى الدافع للإنسان للبحث فى عقله وبين المعلومات التى عنده لتحصيل ما هو مطلوب لاكتشاف هذا المجهول ولكن ماذا لو كان المعلوم مشوها؟؟ ماذا لو أنك كلفت عقلك بالتفكير فى حين أنك لم تدربه على استخدام قوانين التفكير؟؟؟ عندها سيخفق ولن يكون اللوم على العقل بل على سوء استخدام العقل.
يقول جابر بن حيان (إن الله هو الذى وهب الإنسان العقل، والعقل علة كل شئ والعقل نور والعلم نتيجة وهكذا كل علم نور).