مقالات

الخط الموازي

الشعوب بصفة عامة تريد العيش بهناء واستقرار، فتعمل وتكسب الأموال لتشتري لوازم الحياة الضرورية ثم تجد لنفسها فسحة من الوقت للخروج للتنزه أو ممارسة هواية كالقراءة أو الرياضة أو غير ذلك.

وتخيّل معي هبوط دولة يشعر قادتها بالنقص والدونيّة على دولة أخرى آمنة مطمئنة ذات سيادة لاحتلالها وسلبها إرادتها، ومن ثم التحكّم فيها مثل: ترسيم حدودها وإدخال الطعام والدواء والطاقة حتى الرواتب وغير ذلك بتقتير وإذلال.

ماذا فعل الصرب في البوسنة والهرسك؟

هذا ما يحدث وأكثر مع الدول الخسيسة عديمة الشرف، وقد ظهرت هذه النازية في البوسنة والهرسك، تلك المجازر التي ارتكبها الصرب، معلوم أنه توجد أجيال لا تسمع عنها، وأجيال سمعت ولا تشغل نفسها ما دام الأمر بعيدًا عنها، وأجيال تتابع ما يجري خطوة بخطوة وتحمل همّ المسلمين في بقاع الأرض كلها.

إنّ المحتل لا يدخل على الضحيّة بالورود والرياحين، وإنما يسطو لأجل سرقة المقدرات ونهب الثروات ووأد العقول والمفكرين واغتصاب الحرائر وهتك سِترهن وطمس هوية الأطفال وترسيخ مبدأ التبعية والرضوخ وقتل النخوة والرجولة.

عندما دخل جنود الصرب مع قادتهم اغتصبوا نحو 60 ألف امرأة وطفلة مسلمة، فضلًا عن ديدن المحتل وهو آفة التهجير فشرّدوا ما يزيد على مليون ونصف، إنهم يتلذذون بصراخ الضحايا واستغاثاتهم التي لا تجد قلوبًا رحيمة وآذانًا صاغية، فيضطرون إلى حَمْل ما تناله أيديهم أو النجاة بأنفسهم وذويهم والانتقال إلى مكان لا ماء فيه ولا غذاء ولا كهرباء ولا صحة ولا تعليم، ويفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، إنها السادية البغيضة الحمقاء والحقد الدفين الذي يجري فيهم مجرى الدم في عروق باردة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إنّ التطهير العرقي يستخدمه أصحاب النفوس الدنيئة التي لا تعرف السلام النفسي فضلًا عن السلام مع الجيران أصحاب الأرض الأصليين وبخاصة المسلمين.

أصحاب فصائل الدم الرخيصة الممجوجة لا قلب لهم ولا إحساس عبر العصور، فتراهم يسيرون في خطوط متساوية متوازية، ويشربون من كأس واحد يمتزج شرابهم بدم ضحاياهم البريئة التي لم تقترف إثمًا أو جريرة.

اختلفت الأزمنة وتشابهت العناوين

ما أشبه ليل البوسنة والهرسك الحالِك ببارحة فلسطين الجريحة المكلومة عامة وقطاع غزة بصفة خاصة، فالمحتلين عبر الأزمنة يتبعون سياسة واحدة، ويا ليتهم يشتركون في الفضائل بل يتجهون إلى سياسات قذرة مثل القتل والحصار والتجويع والإرهاب، ففي البوسنة هُدم أكثر من 800 مسجد بعضها أثري، فضلًا عن إحراق مكتبة سراييفو التاريخية، ولم يختلف الأمر في غزة من هدم معظم المساجد إن لم يكن كلها وتسويتها بالأرض.

إنه الغِلّ والحقد الدفين لدول جمعت نفسها من الشتات وصعدت على أنقاض أمم تاريخها ضارب في جذور التاريخ، وفي أثناء هذه المطاحن والمعامِع نرى الذين يخنسون كالشيطان الرجيم لا ينبسون بكلمة واحدة، أو يشجبون ويدينون على استحياء للتسجيل إعلاميًا، أو استخراج قانون كالِح شاحب كوجههم ليس له طعم أو لون أو رائحة، مفعوله ضعيف ولقلة مصداقيته وضعفه يرتسم عليه الخجل ومن ثم يُكتب عليه الفشل، تمامًا كعزيز مصر عندما قال: “يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذا”، ثم التفت إلى زوجته المُدانة والثابت عليها الجريمة قائلًا: “وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئينَ”.

في شريعة الغاب القوي يأكل الضعيف

فالعالم الذي تحكمه شريعة الغاب لا يستطيع العيش فيه إلا القوي، فالحرب سجال والدهر يومان يوم لك ويوم عليك، لكن لا بد من امتلاك مصادر القوة للحفاظ على البقاء والدفاع عن الأرض والعِرض، فالحق يحتاج إلى قوة تحميه وتدافع عنه وليس التعويل على منظمات حقوق الإنسان المسلوبة حقوقها.

من المعلوم أن المحتل لا عهد له ولا كلمة، فحتى الأماكن الآمنة التي يحدّدها هو للنزوح إليها يقصفها من البر والبحر والجو ليعاود المُهجّرون النزوح إلى مكان آخر وهكذا، أو أخذهم وجرّهم إلى معسكرات اعتقال أو سجون تفتقر إلى الإنسانية والآدمية، فضلًا عن تجريعهم أصناف العذاب التي لا تخطر على بال إبليس مؤسس الشر في العالم.

مقالات ذات صلة:

الاحتلال الإسرائيلي وقضايا الإتجار بالبشر

ما أشبه اليوم بالبارحة

الناشط الأوروبي الطيب الحنون

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر