مقالات

المقاومة تقدم الاختيار الأخطر: يالطا أم حطين؟

يقولون أن التاريخ ما هو إلا فعل من أفعال “التدبير الإلهي”، وأن هناك قدرًا قدّره الله العليّ العظيم، يُسيّر هذا التاريخ ويًصيّره من حال إلى حال، وسيدنا عمر الفاروق حين سمع الآية الكريمة في سورة الأعراف التي تتحدث عن قدرة الله المطلقة في إبداع الخلق، ومشيئته سبحانه، وتنتهي بقوله تعالى: “أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)”، قال رضى الله عنه بعدها: “من بقي له شيء فليأخذه”!

هذه المعاني بالغة الأهمية والقيمة في الفهم والوعي بما يدور حولنا في هذه الأيام الحاسمة من تاريخنا وتاريخ أمتنا.

كيف كان ذلك؟

مؤتمر يالطا وتحالف الأعداء

تقول الحكاية التي سيكون وراءها ألف حكاية وحكاية، أن “يالطا” هي المدينة التي اجتمع فيها “المنتصرون” بعد تلك الحرب، في فبراير 1945م ليقرروا مصير العالم “أمريكا/ بريطانيا/ الاتحاد السوفيتي”، الطريف أن المدينة تقع على سواحل البحر الأسود، وقد كان هذا فيما يبدو فألًا فؤولًا على شعوب العالم بعدها، خاصة الاتحاد السوفيتي الذي كان يحكمه وقتها ستالين الذي أذاق بلدانه أسود أيام حياتهم على مدى 31 سنة من حكمه لهم.

الفأل الفؤول هنا سيصاحبنا قليلًا على فكرة، لأن رئيس أمريكا بعد نهاية مؤتمر البحر الأسود قرر أن يأتي إلى الشرق الأوسط ليقابل ملك مصر وملك السعودية وإمبراطور إثيوبيا، فجاء إلى المنطقة على سفينة أمريكية رئاسية اسمها “كوينسي”، أين سيقابلهم؟ سيقابلهم في البحيرات المُرة! ولا تعليق.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أول لقاء كان طبعًا مع ملك مصر فاروق يوم 12 فبراير، وكل ما يتعلق بما دار في هذا اللقاء سيبقى سرًا في بطن قرموط، وسيضع القرموط سره في كتاب الأستاذ هيكل “ملفات السويس”. الذي سنعرف من سطوره أن الملك لم يتطرق إلا لموضوع واحد هو “تغليس” السفير البريطاني لامبسون “اللورد كيلرن” عليه وطلب من روزفلت تخليصه من هذا الإذلال.

“ملك يطلب تخليصه من الإذلال! وعلشان يعيش الذل مرتين! كما ورد في الكتاب، لم يكتف بذل بريطانيا وإذا به مرة أخرى يتذلل لأمريكا”. وأضاف أ/ هيكل: “ولم تطرح في الاجتماع مسألة مساعدة يهود أوروبا على الهجرة إلى فلسطين”.

الملك عبد العزيز والرئيس الأمريكي

لكن هذه المسألة: “اليهود وفلسطين” كما يقول بعض المؤرخين ستكون محور لقاء الرئيس الأمريكي “روزفلت” مع الملك عبد العزيز ملك السعودية، الذي التقاه “ثاني يوم”!

روزفلت جاء إلى المنطقة، وكان أول لقاء، مع حاكم أهم بلد في تلك المنطقة، البلد الذي سيكون لها حدود مشتركة مع “إسرائيل” القادمة، ولم يتطرق النقاش لهذا الموضوع!

لكنه ناقشه باستفاضة ثاني يوم، في ثاني لقاء، مع حاكم آخر! وعلينا أن نغلق الموضوع على ما قيل لنا من الأستاذ هيكل.

لكن المشكلة ليست في أ/هيكل أو غيره من أهل ذاك، المشكلة أن تاريخ ذلك كله لم يمض، ولم ينته، إذ لم تنته آثاره ومفاعيله، فكيف نغلقه؟

ما سيحدث فقط أننا سنتعامل معه بطريقة مؤسس المدرسة الألمانية في علم التاريخ “يوهان هيردر” وسيكون هذا التاريخ حيًا بروحه الكامنة بيننا.

هل التاريخ مجرد سرد لأحداث الماضي؟

“التاريخ ليس المجرى الخارجي للأحداث، ومن يسعى لرؤية روحه، هو وحده الذي يستطيع اكتشاف الروح الكامنة وراء أقنعة هذه الأحداث”.

وطبقا لـ”الروح الكامنة” هنا، سيكون سهلًا أن نتوقع أن زيارة “روزفلت” للمنطقة كانت تمهيدًا لتسلم المنطقة بأكملها من بريطانيا، لتكمل بلاده “أمريكا” العهد في السيطرة الخبيثة على “الطوق الحديدي” الذي سيطوق الشرق المسلم بأكمله بعد خروج بريطانيا.

لذلك سيكون الطفل وهو يتقلب في بطن “مامته” وينظر لهذا المشهد، مدركًا أن “البترول” و”إسرائيل” كانا موضوع الزيارة التي كانت ضرورية للغاية بعد مؤتمر “يالطا” هذا، وانتهى من الموضوعين.

سيتكفل تاريخ الشرق الأوسط من الخمسينيات بعد تأسيس “النظام العربي الرسمي”، وحتى 7 أكتوبر 2023م بتوضيح الغوامض كلها، غامض بعد غامض، والبقية ستأتي، لا محالة.

لم يبق للأرض من سر تكاتمه إلا ** وقد أظهرته بعد طول إخفاء.

لكن ما يعنينا الآن أن لحظة “يالطا” هذه قد أصبحت هشيمًا تذروه الرياح، وما نراه كله من أمريكا وأوروبا الآن في تعاملهم مع “الأبطال وأهل الأنوار” في غزة والضفة، محض محاولة بائسة، لمنع إلقاء “يالطا” في المجاري، وهو ما يجري فعليًا الآن.

أسطورة صلاح الدين الأيوبي

الحقيقة تقول أننا الآن أمام لحظة “حطين” مرة ثانية، حروب الغرب على “عالم الإسلام” من القرن الـ12 ميلادي فيما عرف بالحروب الصليبية لم تنته، اللورد اللنبي فقط هو من قال ذلك حين دخل القدس سنة 1917م: “الآن انتهت الحروب الصليبية”!

لكن “الأبطال” والصامدون المرابطون من “أهل الأنوار” كان لهم رأي آخر، وكيف كان ذلك؟

يقولون أن العظمة التي صاحبت سيرة “صلاح الدين” جاءت من “عظمة القرار” الذي اتخذه وقتها، وهو قرار مواجهة الصليبيين وهم في أوج مجدهم، بعد أن بلغوا من القوة واتساع النفوذ درجة هددت العراق والشام ومصر بل والحجاز والحرمين.

حين قرر المواجهة كان يعلم تمامًا أنه سينازل عدوًا قويًا، مكن لنفسه في الشرق تمكينًا تامًا.

لقد قرر الرجل تحدي ملوك “إنجلترا وفرنسا وألمانيا” ومعهم البابوية ذات النفوذ الواسع في غرب أوروبا في هذا الوقت، وقام الرجل وقرر جمع الأمة من “الفرات إلى النيل” في قوة واحدة شعارها الجهاد وهدفها تطهير البلاد من “الأنجاس”.

في أحد الكتب الهامة التي تناولت سيرة الرجل وهو كتاب “الناصر صلاح الدين” الذي كتبه د/ سعيد عبد الفتاح عاشور أستاذ التاريخ بجامعة الإسكندرية رحمه الله، سيلفت نظرنا شيء بالغ الأهمية.

ماذا سيلفت نظرنا في هذا الكتاب؟

أن الكاتب سيستخدم عبارة “وشاءت الظروف” مرات عديدة، وهو يتحدث عن تلك الفترة المدهشة التي بدأت بمجيء “صلاح الدين” مع عمه “أسد الدين شيركوه” إلى مصر سنة 1168م، وحتى نجاحه في جمع مصر والشام في دولة واحدة لتحقيق رسالته وتحرير “بيت المقدس” عام 1187م.

الطريق إلى حطين الثانية

في المراحل الهامة كلها التي صاحبت “صلاح الدين” في هذه الرحلة العظيمة كانت تحدث أشياء لم يجد لها الكاتب تفسيرًا إلا بقوله “وشاءت الظروف”، والمقصود طبعًا هو”القدر” الذي قدّره الله، ولا نعلم من أسراره شيئًا، إلا بما يأذن به الله ويشاء، وقال لنا “الفاروق” حول معناه جملته تلك، رضى الله عنه، كانت له بصيرة تنفذ إلى قلب الأشياء.

لكننا سندعو لـ”صلاح الدين” كما دعا له صديقه المقرب القاضي والفقيه والمؤرخ “بهاء الدين بن شداد”: “اللهم إنك تعلم أنه بذل جهده في نصرة دينك، وجاهد رجاء رحمتك، فارحمه”.

وهي نفس”الكلمات” التي نسمعها في التسجيلات التي يرسلها لنا “فتية الأنفاق” وهم يطلقون الصواريخ التي أذلت أحفاد “الجنرال اللنبي” في بريطانيا وأمريكا و”قفازهم القذر” الذي يضربوننا به منذ سبعين سنة.

“الأبطال” يقولون للأمة كلها الآن: إنها حطين مرة ثانية. لقد فعلوها “طاهرو” الغُدوات والرَوحات والخطرات والإسرار والإعلان.

الأمر لم يكن يتطلب إلا فئة قليلة من”المتطهرين”، وقد كان.

مقالات ذات صلة:

سلاح الأنفاق

الإنسانية تقتضي المقاومة

ليه من مصلحة نتنياهو يكمل الحرب؟

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هن

د. هشام الحمامى

رئيس المركز الثقافي اتحاد الأطباء العرب – عضو الأمانة العامة والمجلس الأعلى لاتحاد الأطباء العرب – مدير الشئون الطبية بقطاع البترول