مقالات

الوعي السهل

دائما يتحدث المثقفون عن مسألة الوعي، والمسألة لها أبعاد فكرية ونفسية واجتماعية، لكنني أنوي أن أسلط عليها ضوءًا من جانب إنساني سهلٍ، لأننا وإنْ كنَّا أمام مسألة من أهم المسائل في المجتمعات إلا أن الحقيقة كثير ما تكون يسيرةً غير معقدَّة.

لا تحتاج إلى أن تكون فيلسوفًا كي تدركَ وتفهمَ وتختارَ، ويكونَ ذلك وفْقَ أسلوبٍ تقتنعُ به، ويجعلُك راضيًا.

أولًا: لا تكن عاطفيًا دائمًا

إن كان الإنسان لا يستطيع أن يتخلى عن عاطفيته مثل الحب والكره وتفضيل بعض الأمور الحياتية دون مبرر حقيقي، فلا مبرر لكراهيتك لبعض أنواع الطعام خصوصًا حين تجد شخصًا آخر يفضلها ويأكلها بحب. لكن لا يمكنك أن تكون عاطفيًا للدرجة التي تمنعك من الحفاظ على حياتك وكرامتك وأموالك ومصالحك، فالحياة تعلمنا أن نصبح عمليين، وإلا فإنها لن تتوقف لتراضينا. فكراهيتك لرأي فيه مصلحتك لأن قائله لا يعجبك أو لأنك ستضطر لبذل جهدٍ شيء ضد العقل والوعي، ضد مصلحتك شخصيًا، وقبولك أي شيء لأن قائله من المفضلين لديك أيضًا غير صحيح.

ثانيًا: صعوبة البحث عن الحقيقة:

لا أخفي أن الحقيقة في حياتنا الآن صعبة، فالآراء تتضارب تضاربًا عنيفًا، ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ويقع إنسان عصرنا الحالي في حيرة، لكن لا بد أن يختار بعض الآراء في حياته، فماذا يفعل؟ مما يساعد على ذلك ثلاثة أمور:

  • ضع مقياسًا واحدًا للصواب والخطأ وطبقه على الجميع؛ من تحبهم وتوافقهم ومن لا توافقهم.
  • الأسئلة التي يطرحها من توافقهم على من لا توافقهم وتعتقد أنهم لا يجيبون عنها بوضوح اطرحها على من توافقهم أيضًا وقارن بين الإجابتين لتستخلص رأيك، خذ قاعدة هامة: اطرح أسئلتك على الجميع.
  • اتَّبِع ما تراه صوابًا بعد ذلك، واعلم أن ذلك يؤثر على حياتك ومصالحك الشخصية وحياة من يهمك أمرهم. وليس معقولًا أن تغامر بمستقبل ابنك مثلًا، لأنك تحب الشخص الذي يخدع ابنك، هذا محال.

هذه المبادئ الثلاثة لا تحتاج منك أن تكون فيلسوفًا، تحتاج منك أن تفكر تفكيرًا صحيحًا، كما لو أنك في رحلة، بداية الرحلة تجمع الآراء وتصنفها (تستعد للرحلة)، وفي الطريق تستكشف بمقياس موحد تحاسب به الجميع الصواب والخطأ، وفي نهاية الرحلة تحصل على النتيجة تختار رأيًا، (لاحظ أنه سيؤثر على حياتك وحياة مجتمعك، فكل مرة تختار خطأ تزيد نسبة الخطأ وتقل نسبة الصواب).

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ثالثًا: هل أنا الآن على وعي؟

الوعي عند الإنسان

لاحظ أنني أتحدث عن تفكير جيد سهل وواضح لا يحتاج إلى تعقيد، فنحن لا يمكن أن نتهرب من مسؤوليتنا عن حياتنا واختياراتنا بحجة قلة الوعي وأننا نتعرض للخداع.

نحن نمارس الحياة في ضوء قواعد عدة لو لم نتعلمها من أحد لاكتشفناها بأنفسنا، وهو ما نسميه: الفطرة، ومن أمثلة ذلك: أننا نرفض بشدة أن يؤذي أحد الناس غيره أمامنا جسديًا أو بالألفاظ دون وجه حق ودون مبرر، إذ نحن نؤمن بالعدل.

كذلك لو ذهبت إلى طابور لشراء الخبز، فوجدت ثلاثة يقفون في الطابور أنت تقف وراءهم تلقائيًا لأنهم سبقوك، وأي إنسان سيشعر بالغضب لو جاء شخص مستغلًا معرفة ما أو أخذ بالقوة خبزه قبل الواقفين في الطابور، إذ نحن نؤمن بالمساواة.

لو أردت أن تشرب كوبًا من الشاي، لكن والدتك ووالدك منعاك من شربه، لو أردت أن تخرج من المنزل قليلًا، أو تسير في الشارع، أو تشتري حلوى، لن تجد أي مبرر لو منعك أحد من هذه الأمور، إذ نحن نؤمن بالحرية.

لو سرت في الشارع فوجدت رجلًا كبير السن يحمل حقيبة ثقيلة ويرغب في عبور الطريق، ستجد نفسك تعرض عليه المساعدة تلقائيًا، وستقف في الأوتوبيس لتُجلِس مكانك امرأة حاملًا أو عجوزًا، وستبادر بدفع أجرة السيرفيس لشخص وقعت منه نقوده وأنت تنظر إليه وهو في قمة الحرج من الموقف، بل السائق سوف يترك الأجرة، سترشد شخصًا سألك عن الشارع الفلاني، وستجد نفسك كل يوم تعمل ويعمل غيرك كثيرًا من هذه الأفعال وغيرها، إذ نحن نؤمن بالطيبة وحب الآخرين والأخلاق الحسنة.

إننا في أعماقنا نؤمن بالعدل والحرية والمساواة والطِّيبة، لكن الحياة للأسف تغيُّرنا، وتحمِّلُنا أعباءً ومشاعرَ تجعلنا نتعجب من أنفسنا، لماذا لا نمارس حياتنا بهذا القدر من الطيبة والعدل والوعي؟

في ضوء ما سبق فكر في الثلاثية العظيمة (العدل الحرية المساواة) فهي أساس الوعي، وفكر في عكسها، وقارن بين منافع الأولى على الفرد والمجتمع، وفي مضار الأخيرة كذلك، افتح عينيك واستقبل الوعي سهلًا واضحًا دون تعقيد، أنت واعٍ ومسؤول في الحقيقة عن وعيك.

اقرأ أيضاً:

تغييب الوعي لا شعوريا واستيراد الطاقات السلبية

الوعي وأزمة المصطلحات

اسأل فيلسوفًا: تأملات في فلسفة الشوارع!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. محمد السيد قياسة

مدرس اللغويات – كلية اللغة العربية بالمنصورة – جامعة الأزهر