انتفاضة الملاكمين
الإنسان الحر لا يقبل الضيْم ولا التنقُّص من كرامته أو المساس بأرضه وعِرْضه، وعلى مستوى الشعوب بعدم قبول المستعمر جُمْلَة وتفصيلًا، أو القبول بأنصاف الحلول الخانعة المنبطحة، والتاريخ خير شاهد على مر العصور.
والصين من الدول التي عانت كثيرًا الاحتلال والسيطرة، وما تبع ذلك من نهب للثروات وتبديد للمقدرات والتنكيل بالشعب والقتل والتشريد والاغتصاب.
أسباب ثورة الملاكمين
ففي زمنٍ تضاعف النفوذ الأجنبي الإمبريالي داخل الصين، وبدأ التحكّم في مجالات الحياة السياسية والتجارية والاقتصادية، تمثَّلت هذه المدة من 1899م–1901م.
ومثل عادة الدول الأجنبية تحب أن تكون لها اليد العليا، نظرًا للتقدم والمِران في الحروب وصناعة الأسلحة الفتّاكة، في حين كانت الصين تعاني التناحر وعدم تماسك القيادة، والضعف الملحوظ داخل الدولة مع تردّي الأوضاع المعيشية.
سبقت هذا الزمنَ حربُ الأفيون التي أرادت بها بعض دول الغرب تغييب الشعب الصيني وإضعافه، وما تبع ذلك من هزيمة الصين على يد بريطانيا، ومن ثم توسع نفوذ بعض الدول مثل: فرنسا وروسيا واليابان، بل وإجبار الصين على توقيع معاهدات واتفاقيات بعيدة البُعد كله عن التكافؤ أو العدالة.
الشائعات في الدول المضطربة وغير المستقرة سياسيًا واقتصاديًا تنتشر انتشار النار في الهشيم، مثل شائعة طارت إلى أسماع الصينيين وهي ارتكاب الأجانب الجرائم المختلفة، نتيجة للاتفاقيات غير المتوازنة، وكما مُنِع المسيحيون الصينيون ممارسة بعض طقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم من الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا، وزاد النفوذ التبشيري في الصين.
اقرأ أيضاً: أفيون العولمة
بداية ثورة الملاكمين
ثار بعض الصينيين على الأوضاع المهينة والتدخل المباشر في الشؤون الصينية، ومن ذلك مطالبتهم بامتيازات في الأراضي والسكك الحديدية، فأخذ تمرّد الملاكمين أو ثورة “يهيتوان” –وهم الذين يمارسون فنون القتال بأشكاله المختلفة– يتصاعد ويزيد عددهم، وبخاصة إبّان الحرب الصينية اليابانية 1894م– 1895م، وهزيمة الصين.
من القلاقل التي أدت إلى تفاقم اضطراب الأمور وتزايد نشاط الملاكمين، الخلاف على ملكية معبد في إحدى قرى مقاطعة “شاندونج”، وحكم المحكمة للكاثوليك، فثارت حفيظة الأهالي وتقدَّمهم الملاكمون لمهاجمة الكنيسة.
زاد نفوذ الملاكمين وانضمت إليهم أعداد كبيرة، وقسّموا أنفسهم إلى فِرق وهاجموا مجمّعات في “بكين وتيانجين”، وتعود هذه المجمّعات إلى نفوذ فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وبلجيكا وهولندا وروسيا واليابان وإسبانيا وألمانيا، ومعظم هذه المفوضيات بجوار المدينة المحرّمة (القصر الإمبراطوري).
إعلان الحرب ضد الصين
على الفور أعلنت القوى الأجنبية الحرب المفتوحة ضد الصين، وبخاصة بعد قتل مبعوث الإمبراطورية الألمانية، والمسيحيين الصينيين الذين قُبِض عليهم وعُذِّبوا وقُتِلوا، وهذه الاضطرابات والأحداث كلها كانت ذريعة وتمهيدًا لظهور مصطلح جديد: “حِلف الأمم الثمانية”، فقد تكاتفت الدول الثمانية ضد الصين ومن ثم إرسال جنود وأسلحة، بدأ هذا التدخل عام 1900م، تلبية لطلب سفاراتهم في بكين، وتكوّن التحالف من: اليابان، روسيا، بريطانيا، فرنسا، أمريكا، ألمانيا، إيطاليا، النمسا، المجر، فضلًا عن القوات الصينية المضادة للملاكمين.
وبأخذ الضوء الأخضر أطلقت يد قوات التحالف، فعاثوا فسادًا في البلاد من نهب وقتل واغتصاب، فقاومتها القوات الحكومية ومجموعات الملاكمين، في الوقت نفسه انهارت الاتصالات بين تيانجين وبكين، واستولت الدول المتحالفة على تيانجين، واتجهت نحو بكين فدارت بعض المعارك.
تعرف على: الصناعات الصينية
النتائج
بعد الإجبار على توقيع بروتوكول الملاكمين، أو “اتفاقية السلام” بين الصين والدول المتحالفة، نتج عنه بعض التوصيات مثل: تنفيذ حكم الإعدام في حق أبرز عشرة مسؤولين عن الاحتجاجات والحرب، وتغريم الصين 333 مليون دولار، خصصوا جزءًا منها للتعليم الذي كان نواة لتأسيس جامعة “تسينغهوا” الحالية، التي تُعد الآن من أكبر جامعات الصين.
تدريجيًا أُطِيح بالأسرة الحاكمة وتأسست الجمهورية، وانفتحت الصين على التجارة والصناعة، والاتجاه نحو إصلاح المؤسسات والهيئات وتغيير مفهوم حركة تمرّد الملاكمين إلى “الحركة الوطنية” والاعتراف بأنها كانت تُناصِر الشعب الصيني.
اقرأ أيضاً: بين الشرق والغرب ما يجب أن يكون
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا