مقالات

مدينة رفح المصرية الفلسطينية

في أقصى الشمال الغربي لمصر، فيه مدينة اسمها رفح، ولو أخدت بالك هتلاقي إن رفح دي مقسومة جزء اسمه رفح المصرية وجزء تاني اسمه رفح الفلسطينية.

طيب إيه قصة مدينة رفح دي؟

رفح دي تعتبر الشريان أو الشباك الوحيد اللي بيطل منه شعب فلسطين في غزة على باقي العالم، الباقي حواليه إما مدن احتلال وإما البحر.

ولأنها نقطة التقاء مهمة فبقى فيه بوابتين، بوابة مصرية اسمها بوابة صلاح الدين وبوابة اسمها فلادلفيا.

مدينة رفح يمتد تاريخها لآلاف السنين عبر التاريخ

مدينة رفح من أقدم المدن في التاريخ، تاريخها ضارب في الجذور، اتعرفت باسم رافيا زمن الكنعانيين، وعدى عليها حضارات كتير زي الحضارة المصرية القديمة وكان اسمها وقتها رابح.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ووقت الحضارة المصرية القديمة قامت فيها معركة من أهم المعارك التاريخية، بين الآشوريين والفراعنة القدماء، اللي تحالفوا مع ملك غزة وقتها، والنصر كان للآشوريين.

سنة ٢١٧ قبل الميلاد، حصلت معركة تانية بين البطالمة المصريين والسلوقيين حكام الشام، انتصر فيها البطالمة وضموا رفح بسوريا كلها لمدة ١٧ سنة، لحد ما استعادها السلوقيين من تاني.

كانت المدينة دي مركز للأسقفية في العهد المسيحي لحد ما فتحها عمرو بن العاص، وكانت المدينة اللي عدى عليها عمر بن الخطاب وقت العهدة العمرية.

رفح عدت على حكام الممالك الإسلامية كلها، من الأيوبيين للفاطميين للمماليك، وعدى عليها نابليون بونابرت وقت الحملة الفرنسية على الشام، اللي انهزم في عكا وعدى عليها وهو مهزوم.

زارها الخديو إسماعيل وبعدين الخديو عباس حلمي الثاني، اللي رسم خط الحدود بين سوريا ومصر عن طريق عامودين جرانيت في مدينة رفح.

ماذا حدث في مدينة رفح؟

مدينة رفح

سنة ١٩٠٦ قبل الحرب العالمية الأولى حصل خلاف بين العثمانيين والبريطانيين على ترسيم الحدود بين مصر والشام، وراحت تحت الانتداب البريطاني سنة ١٩١٧ بعد وعد بلفور الشهير، وبعد تأسيس دولة الكيان الصهيوني بقت رفح تحت الحكم المصري مدينة واحدة غير مقسمة.

لكن اليهود احتلوها من تاني وقت العدوان الثلاثي على مصر سنة ١٩٥٦، وبعد سنة بس رجع الجيش المصري وسيطر عليها تاني لحد نكسة ١٩٦٧، دخلت تحت الاحتلال الصهيوني، لحد حرب ١٩٧٣، وبعدها اتفاقية كامب ديفيد.

لما مصر مضت اتفاقية كامب ديفيد سنة ١٩٧٩، اتقسمت مدينة رفح إلى جزئين تحديدًا يوم ٢٥ أبريل ١٩٨٢م وفصلهم بسلك شائك، اللي بعد كدا هيكون جدار أسمنتي فاصل يحجب الرؤية تمامًا.

هل مدينة رفح مصرية أم فلسطينية

في يوم وليلة البلد بقت بلدين، العائلات تفرقت، وكل عيلة اللي كان بينهم وبين بعض شارع واحد ولا عطفة، بقوا قدامهم يختاروا جنب يعيشوا فيه تحت حكومة مختلفة، عيلة واحدة مينفعش تشوف بعضها من غير تصريح وفيزا وإجرائات صعبة.

بلدين مختلفين بثقافة مختلفة، بلغات مختلفة وقوانين مختلفة، إجرائات مختلفة تمامًا، لو عايز تشوف ابن عمك اللي كان جارك وبقى بجنسية وبلد مختلفة، مفيش قدامك غير إنك تروحله عند السلك، وتكلمه من وراه وشكرًا.

السلك الشائك ده قسم العائلات والبيوت والممتلكات والأراضي إلى قسمين، على سبيل المثال بيت راجل اسمه الحاج عبد القادر الشاعر كان بيت من أوضتين، أوضة بقت في بلد وأوضة تانية بقت في بلد تاني خالص!

تخيل ابن اتجوز وقعد في الشارع اللي وراك، وفجأة بقى فيه سلك بيفصل حدود دولتين، فجأة أبوك بقى في دولة وليه جنسية وابنك في دولة تانية بجنسية تانية، وممنوع إنهم يتواصلوا مع بعض.

لو واحد من عيلة مات في الجنب دا، بيستخدموا مكروفونات المسجد عشان يبلغوا باقي العيلة في الجنب التاني، وتقوم جنازة في الجانبين، وقيس على كدا كل حاجة، الصيدلية اللي كانت جمب البيت وبقت في دولة تانية، صاحب المزرعة اللي بقى عايش بعيد عن مزرعته في بلد مختلفة، الاختيار الصعب بين البقاء في البلد دي ولا نهاجر كام متر ونقبل نعيش في الجنب دا، ولا الجريمة اللي هتواجهها لو قررت تزور خالتك في الجنب التاني مثلًا.

تخيل تصحى من النوم تلاقي شارعك بقى متقسم تحت إدارة دولتين، بيتك نفسه الصالة بقت منفصلة عن أوض النوم، مامتك بقت عايشة في جنب وأنت في جنب، غريبة مش كدا؟

مقالات ذات صلة:

غموض الحدود المكانية بين الفلسفة والجغرافيا

فلسطين القضية الكاشفة

الحرب والشرف.. تحديات أخلاقية

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

محمد أمير

كاتب ومؤرخ وصانع محتوى