مقالات

كلمة غزة تعني القوة

مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون، رجل معروف بمناصرته الشديدة لإسرائيل وعدائه الشديد للمقاومة الفلسطينية ولحركة حماس”الإرهابية” كما يصفها دائمًا، لذلك عندما تسمعه يقول على الملأ: “إن حماس حققت انتصارًا كبيرًا على إسرائيل مهما حدث بعد ذلك”، فلا بد أن تعرف أن حماس انتصرت بلا شك على إسرائيل في حرب السابع من أكتوبر، وذلك بغض النظر عن الثمن المدفوع مقابل الانتصار، وعمومًا فإن انتصارات الشعوب على الاحتلال لا تأتي بلا أثمان وتضحيات.

يخطئ من يظن أن حرب غزة تدور في غزة فقط، ذلك الحيز الصغير أو الشريط الساحلي الضيق الذي لا يشكل أكثر من 1% من مساحة فلسطين التاريخية، فالحقيقة أن مدى هذه الحرب تخطى الآفاق ووصل إلى العالم كله، ليس فقط بسبب ما يحدث في البحر الأحمر من هجمات يمنية على السفن وتعطيل للملاحة العالمية، مما يهدد بحدوث الأمر مثله في البحر المتوسط، ولدرجة أن وصف مفكرون حول العالم هذه الهجمات البحرية بأنها بداية عالم جديد غير الذي نعرفه، أو ما يحدث في شمال إسرائيل في حربها مع حزب الله، أو ما يحدث في العراق وسوريا من هجمات على المصالح الأمريكية، بل إن الأهم من ذلك كله ما جرى من انقلاب إعلامي في العالم كله ضد إسرائيل وتضامنًا مع الشعب الفلسطيني التي تقتل أطفاله بلا رحمة، فهذه الحرب أظهرت الوجه الحقيقي للكيان الغاصب القبيح، وشوشت الفكرة الظالمة التي ورثتها شعوب العالم عن معنى الإرهاب، وجعلت الناس في كل مكان تفكر هل المقاومة الفلسطينية إرهابية وهي تحاول تحرير أرضها؟ إذًا فماذا يسمى ما تفعله إسرائيل وهي تمارس هذه الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين العزل؟

استطلاعات الرأي في أمريكا وأوروبا تؤكد هذا التحول الخطير في اتجاه الرأي العام العالمي ضد إسرائيل، أحد استطلاعات صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية يقول إن معظم الشبان الإسرائيليين بين سن 18 و24 سنة قد صاروا يعتقدون أن حل الصراع العربي الفلسطيني لن يكون إلا بنهاية دولة إسرائيل وتسليم الأرض للفلسطينيين، هذه الحرب أيضًا أظهرت الفرق بين الدول العربية من ناحية والشعوب العربية من ناحية أخرى، ليس فقط في نظرية التضامن مع المقاومة الفلسطينية بل في درجة الشجاعة والرغبة في القتال وتحرير الأرض، فغزة ليست دولة بالمعنى الحقيقي، بل أقرب إلى شعب يقاوم بشجاعة وتضحية بالدم منقطعة النظير بعيدًا عن سيطرة نظام تابع لأعدائه، وهذا ما منحه تلك الحرية للانطلاق نحو المقاومة والجهاد والتحرير، وهي الخيارات التي حرمت منها الشعوب العربية كلها بفعل فاعل، وهكذا ظهر للعالم كله المعدن الحقيقي للشعوب العربية والفجوة الرهيبة بينها وبين الحكام، وهذه الرسالة كان من المهم أن تصل إلى حكام العالم كله وشعوبه، ليعرفوا جوهر المسلم الذي يقاتل، ليس لأنه إرهابي بل لأنه إنساني وشجاع ونبيل، ناهيك بأنها أظهرت هشاشة الجيش الإسرائيلي وضعف قدراته الاستخباراتية، وفضحت من ثم تواني الجيوش العربية عن التحرير رغم صغر الخصم، وأن ذلك ما كان ليحدث لولا المؤامرة أو الخيانة، وكيف أن هذه الحرب كشفت للشعوب العربية بما لا يدع مجالًا للشك أن أمريكا هي العدو الحقيقي، بانحيازها المطلق لإسرائيل الذي يهدم معاني العدالة والإنسانية كلها، ويعبر عن حقدها الشديد ضد العرب والمسلمين لدرجة أن يقول الرئيس الأمريكى بايدن –رغم أنه يمثل الديمقراطيين الأقل تطرفًا–: “إننا مع إسرائيل حتى تنتصر، ولو لم تكن موجودة لأوجدناها”.

معنى كلمة غزة

معنى كلمة غزة

لقد سُميّ قطاع غزة بهذا الاسم نسبةً إلى مدينة غزة التاريخية عاصمة القطاع، وهي المدينة المزدحمة بالسكان في داخله، وهم السكان الذين نزحوا من أرجاء فلسطين كافة بعد النكبة، وقد ظلت المدينة تحت الحكم المصري بعد عام 1984، ولذلك لم تشهد مصر مخيمات للفلسطينيين مثل دول الجوار، فقد توطن النازحون الفلسطينيون في غزة. الكنعانيون هم من أطلقوا على غزة اسمها، الذي يعني بلغتهم السامية القديمة “القوة”، هل يوجد بالعالم مدينة أخرى تسمى أو سميت سابقًا “القوة”؟ لا أزعم أني أعرف إجابة السؤال، لكنه غير مألوف للسمع أن تجد مدينة اسمها: القوة، إلا أنه اسم يليق بغزة، ليس لأنها أقوى مدن العالم تسليحًا مثلًا، لكن لأن ليس هناك أقوى من مدينة تتحمل هذه الضربات كلها على مدار هذه السنين كلها ثم تخرج في كل مرة أشد وأقوى من ذي قبل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لكن كيف فاجأت المقاومة العالم بقدرتها التكتيكية والتسليحية العالية؟ وكيف حصلت على هذا السلاح كله رغم الحصار القاسي الذي تعانيه من سنين؟ قد تحتاج الإجابة عن هذا السؤال إلى بعض السرد التاريخي وهذا نؤجله للمقال القادم بإذن الله.

لكن المؤكد أن السلاح الأهم لدى حماس والأقوى من كل سلاح هو سلاح الإيمان، الإيمان بعدالة القضية والإيمان بنصر الله لدرجة قول المستشرق الإسرائيلي مردخاي كيدار –وهو محاضر معروف في جامعة بار إيلان الإسرائيلية–: “إن قوة المقاومة الإسلامية تكمن في عقيدة وفهم وإيمان أنهم يقاتلون في سبيل الله، وأن معايير الانتصار لدى الحركة والإسرائيليين مختلفة، لذلك فالنصر سيكون حليف الفلسطينيين في غزة. وأن المجتمع الإسرائيلي يقارن جنديًا بجندي في المعارك، بينما الرواية الحقيقية لدى حماس أن الله سينصرهم، إنها طريقة تفكير مختلفة، يجب أن نقول وعلينا أن نفهم هذه عقيدة وتفكير آخر ومعايير أخرى مختلفة بين النصر والهزيمة”.

يتساءل كيدار، الذي خدم لمدة 25 عامًا بشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: “هل الأمريكان سيدعمون إسرائيل إلى الأبد؟ هل أوروبا ستدعمك إلى الأبد؟ هل المجتمع الإسرائيلي سيدعمنا إلى الأبد؟ هذه الأسئلة المهمة”.

كما يؤكد أن المكون الديني والعقائدي عنصر مهم جدًا في القتال ما بين حماس والجيش الإسرائيلي، قائلًا: “هناك آية في القرآن، تقول إن الله مع الصابرين، يعني أنهم يؤمنون أن الله مع الذين لديهم القدرة على الصبر لفترة طويلة، ومفهوم مصطلح الصبر عندنا في اللغة العبرية مختلف تمامًا، أصلًا لا يوجد بالعبري مصطلح الصبر”. “الصبر أن يكون في نفق لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر لا يرى ضوء النهار، وبصعوبة يجد طعامه، ثم يخرج ويشهر بندقية من طراز كلاشينكوف ويقتل الإسرائيلي، لماذا؟ لأن لديه القدرة على الصبر لفترة طويلة. إن انكسار حماس أو استسلام مقاتليها من وحي الخيال الإسرائيلي ولا علاقة له بالواقع، فالإسرائيليون يعيشون داخل الفقاعة الإسرائيلية، والفلسطينيون يعيشون من أجل الله، الله معهم، هم مقاتلو جهاد، ونحن مقاتلو حرية إسرائيل”.

وأضاف: “يومًا ما كان لي نقاش مع الوزيرة تسيبي ليفني (وزيرة الخارجية السابقة)، وقلت لها إن التركيبة الدينية هنا مسيطرة عندهم (الفلسطينيون)، عندهم يقاتلون في سبيل الله، عندهم الله العنصر الأساس في الصراع. بينما عندنا الرب إذا كان موجودًا أصلًا في الملعب سوف يكون لاعب احتياط، وهذا فرق هائل من ناحية القدرة النفسية والمجتمعية والجسمانية، وهي القدرات التي لديها تأثير وعواقب على الإيمان والمعتقدات”.

ثم يختم قوله مؤكدًا: “إن القدرة لديهم على الإيمان والتمسك بالعقيدة هائلة وعظيمة، أنا لا أقول إن قدرتنا أقل أهمية، هم يخوضون حربًا دينية، لكن عندنا أو على الأقل عند جزء كبير منا فالمعتقد الديني بالحرب غير موجود”.

بعد كلام ذلك الخبير الإسرائيلي وغيره من الخبراء حول العالم، وبعد ما رأيته أنت بعينيك في هذه الحرب الخالدة لا تصدق شيئًا بخلاف أن المقاومة الفلسطينية في غزة قد انتصرت بالفعل على إسرائيل وحسم الأمر، وهذا مثل انتصار مصر في حرب أكتوبر، فعندما عبرت القوات المصرية قناة السويس عام 1973 كان هذا معناه أن مصر قد انتصرت، وذلك رغم هجمات إسرائيل القوية لم تفلح في تغيير هذا الواقع، فكما قلنا لقد انتصرت غزة في 7 أكتوبر، مهما فعلت إسرائيل.

وللحديث بقية…

مقالات ذات صلة:

حقائق هامة لا تعرفها

الطـوفـان

المعجزة الغزاوية

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ . شامخ الشندويلى

الشاعر والكاتب والسيناريست المعروف