قراراتنا بين ما كان وما سيكون
حياتنا قرارات، وهناك فرق كبير بين أن تكون صاحب قرار وأن تكون مسلوب الإرادة، تاركًا أمورك للظروف تسيرها كيفما تشاء، ولست هنا أطرق باب القضاء والقدر أيها الأحبة، فهو باب من أبواب “الثوابت الراسخة”، لكن دعني أحاورك فيما نمتلك فيه أنا وأنت إرادة القرار وحرية الاختيار، بل ومسؤولية تبعات هذا الاختيار، ودعني أسألك سؤالًا مباشرًا:
هل ندمت يومًا على اختيار خاطئ؟ ولو عاد الزمان بك إلى الوراء يومًا هل كنت ستتخذ نفس القرار؟!
سيقول قائل:
طرقت بابًا كان موصدًا، وعزفت على وتر من أوتار الألم، إذ كان كثير من اختياراتي خاطئة، كلفتني واقعًا أحياه ولا أحبه، أتعايش معه ولا أريده، أتمنى زواله وهو حلم مستحيل، فأراني الآن مجبرًا على التسليم منصاعًا لسطوة الواقع منتظرًا لمجهول لا أعرفه، فغدت حياتي أيامًا متشابهة لا أعرف سبتها من أحدها ولا أمسها من غدها!
وسيقول آخر:
لم أندم يومًا على قرار اتخذته بإرادتي واختياري وقناعتي وقراري، حتى وإن شعرت يومًا ما بخطأ اختياري فلن أندم، لأنها الإرادة التي استمتع بها والمسؤولية التي أتحمل تبعاتها وحدي، ولذلك تراني سعيدًا راضيًا على كل حال.
وقفت حائرًا بين الردين كليهما، وسألت نفسي:
لمن أميل في رديهما؟ والقائلان أيهما وقع رده في قلبي قبل عقلي؟!
حيرة مربكة لي ولكم، فكم ندمنا على قرارات خاطئة واختيارات فاشلة وعلاقات مؤلمة وذكريات صادمة، وكم أقنعنا أنفسنا بأننا خاضعون لسطوة الإرادة وقوة الشخصية التي تتحمل وحدها مسؤولية اتخاذ القرارات بأنواعها!
حيرتكم معي.. أليس كذلك؟!
دعوني أقطع عليكم حبال حيرتكم وحيرتي، وخذوا مني بعض ما يساعدني أنا وأنتم على تجاوز إرهاق تلك الحيرة:
لا تندموا أبدًا على قرارات خاطئة اتخذتموها، واجعلوها صوب أعينكم تنير لكم الطريق كي لا تقعوا فيها مرة أخرى، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
لا تفتحوا صفحات طويتموها يومًا بآلامها وأوجاعها، فصفحات الماضي البالية لن تجدد أبدًا ولن تقرأ من جديد، فاسحقوا بنعالكم صفحات الألم الغابرة.
لا تستجيبوا لوساوس الذات المتواترة التي تقنعكم –كذبًا– بأنكم ضحايا قراراتكم الخاطئة، فمن دق مسامير في طريق لا يجب أن يتألم عندما تجرح تلك المسامير قدميه يومًا.
لا تعاقبوا غيركم تحت وطأة خيبة ظنونكم، بل لوموا أنفسكم فقط عندما وثقتم فيمن لا يستحقون، وتوقعتم الخير ممن أدمنوا الشر، وانتظرتم الوفاء ممن اعتنقوا الغدر دينًا!
صوبوا العيون ووجهوا القلوب نحو القادم فقط لتصنعوا عالمًا جديدًا من الفرح متجاوزين خيبات الألم وعثرات الانكسار.
وتبقى حياتنا رحلة جميلة رائعة، تتأرجح متدللة بين ما كان وما ينبغي أن يكون، فاتركوا ما كان واصنعوا معي –أيها الأحبة– ما سيكون.
مقالات ذات صلة:
لا تكون الحياة دائما بين الأبيض والأسود
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا