الظّلم ظلمات
اعلم يا هذا أنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، فاحذر أن تظلم أحدًا، سيّما وإن كان ضعيفًا، كسيرًا، ذليلًا، مهينًا، مهيض الجناح، ضيّق البراح، قليلًا في قومه، ضئيلًا في عشيرته، معدومةً ميرته، متهاويةً ميزته، لا يقوى على مواجهتك، ولا يستطيع بمفرده مجابهتك، مطأطئًا محنيّا، مبعدًا من النّاس قصيّا، فاحذر حينئذ أن تقترب منه بسوء، أو تدنو منه بشرّ، أو تطاله بضرّ، أو تصيبه بأذًى، متفاخرًا عليه، مستصغرًا إيّاه، محتقرًا حماه، مزدريًا أناه.
فإيّاك يا هذا أن تظلم أحدًا لا يجد له من نصير إلّا الله، ولا متّكأ له إلّا رباه، فيرفع حينئذ يديه، ويقبل عليه، ويميل إليه، شاكيًا باكيًا، صارخًا حاكيًا، يقول، وقد تخضّل بالعبرات، واتّشح بالآهات، وتململ في الأنّات، والقهر يتملّك لبّه، والأسى يعتصر قلبه ودربه: “إلهي، وربّي، وخالقي، ومعيني، ونصيري، ومآلي، ومالي، وملجئي، وموئلي، إلى من تكلني، إلهي، أنت ترى وتسمع، لقد ظلمني عبدك فلان، وأهانني، وبعثر كرامتي، ولم يبالِ بصيانتي، ووضع أنفي في التّراب، وجعلني في خسّة المآب، ولم يراعِ فيّ إلّا ولا ذمّةً، معتمدًا على جاهه وسلطانه، وجبروته وهيلمانه، وهو على يقين أنّني لن أستطيع ردّ ظلمه، أو الوقوف في وجهه، فيا ربّ، ليس لي إلّا أنت، ولا نصير لي سواك، ولا حمًى عداك، فيا ألله، يا ألله، خذ لي حقّي منه، لا تدعني فردًا، فإنّه قد طغى وتجبّر، وتدثّر وتكبّر”.
فإذا بجبّار السّموات والأرض، الخالق، يردّ عليه، وقد سمع مقالته، ونظر حالته، وعرف شكايته، وأدرك طلبته، وتيقن بغيته، قائلًا من فوق سبع سماوات: “لبّيك عبدي، لا تبتئس، ولا تحزن، ولا تهن، ولا تضعف، ولا تخف، ما دُمت أنت تحت سلطاني، وارفع رأسك، واشمخ بأنفك، فلك ربّ سيردّ مظلمتك، ويعرف مسألتك، وقد ناديت سميعًا مهيمنًا، ومجيبًا متحكّمًا، فوعزّتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين!”.
وقد ورد في الحديث القدسي قول الحق تبارك وتعالى: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا”، ومن ثم فحري بنا أن نتبع قول الحق، وأن نسير على هديه، حتى لا نقع في المحظور، وتكون العاقبة حينئذ وخيمة يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
فيا صاحبي، كن مأمون الجانب، ممتنع الحاجب، سليم الطّويّة، واضح الهويّة، غير مخادع، أو خائن، أو مدلّس، أو موسوس، هيّنًا، ليّنًا، سمحًا، شهمًا، ذا مروءة ورجولة، خافض الجناح، واسع البراح، كثير النّديم، محبًّا للحميم، وثير العطاء لأصدقائك، وفير المنح لقرنائك، متغافلًا عن أخطائهم، متجاوزًا عن زلّاتهم، حاضرًا في ويلاتهم، قمرًا في ليلاتهم، بدرًا في سمائهم، موجودًا في بلائهم، وإذا ما حدث من أحدهم تقصير –والأمر لا يخلو– أو راب فعلهم أيّ تأخير –وللنّفس حالات– فارفق به، واعف عنه، ولا تأخذه بالشّدّة، ولا تعامله بالغلظة والحدّة!
والسّماح! السّماح! والغفران! الغفران! وطوبى لعبد تمسّك بصاحبه وادّكر، وعرف نديمه وغفر، وسامحه ما بقي وستر، ولم يتمادَ في الخصام والهجر، وترك لديه أحسن الأثر، فكان له، من ثمّ، عظيم الأجر، ملتمسًا له الأعذار، حافظًا له الأسرار، سادلًا له الأستار، ولسان حاله لا يفتأ مكرّرًا، ولا يألو عنده مردّدًا: لعلّ له عذرًا، وأنت تلوم.
مقالات ذات صلة:
من عصورنا المظلمة إلى سنة عشرة آلاف!
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا