نجوم الثقوب السوداء .. أضخم أجسام في تاريخ الكون بأكمله!
تخيل لو أنا دلوقتي جيت وسألتك سؤال، تفتكر إيه أضخم جسم ممكن تكون سمعت عنه في حياتك في الكون كله؟ الكواكب؟ ولا النجوم؟ ولا الثقوب السوداء؟ ولا حاجة تانية لسه منعرفهاش؟!
طب لو قلتلك بقى إن في بداية الكون، كان موجود أجسام وأجرام سماوية ضخمة لدرجة الاستحالة، ولدرجة غير ممكنة الاستيعاب من الأساس، وإن الأجسام دي جمعت ما بين خصائص كل الأجسام الضخمة اللي نعرفها حاليًا؟!
أجسام عبارة عن نجوم ممكن حجمها يوصل إلى حجم أنظمة شمسية كاملة! واللي موجود في مراكز النجوم دي مش بس غازات وتفاعلات نووية! لأ دي جواها ثقوب سوداء كاملة! ومش بس كده، ده الأجسام الرهيبة المرعبة دي ممكن تبقى المفتاح لحل واحد من أقدم وأكبر الألغاز الموجودة حاليًا في علم الفلك كله!
تعالى بقى معايا أحكيلك عن الموضوع المذهل ده النهارده، ونتكلم مع بعض عن واحدة من أغرب الموضوعات اللي ممكن تسمع عنها في علم الفلك والكونيات، واللي شاغلة بال كل عالم فيزياء كونية في العالم تقريبًا!
كوباية شايك الحلوة ونعناع في إيدك، ويلا بينا!
سر الثقوب السوداء العملاقة
بص يا سيدي.. القصة كلها بتبدأ في مراكز المجرات الضخمة، وتحديدًا عند الثقوب السوداء العملاقة أو الـ(Super Massive Black Holes) الموجودة في قلب المجرات، واللي بتبقى وظيفتها أقرب للمغناطيس اللي بيحافظ على تماسك المجرات دي، وبيخلي كل كواكبها ونجومها وأقمارها بتدور حواليه.
الحقيقة إن الثقوب السوداء العملاقة دي واحدة من أغرب الألغاز وأقدمها في علم الفلك تقريبًا، والسبب في ده بسيط، بس في نفس الوقت هيحيرك ويخليك تتسحل تفكير، ليه؟! عشان لحد النهارده محدش يعرف الثقوب السوداء دي كبرت وحجمها زاد للدرجة دي إزاي.
الفكرة إن عشان أي ثقب أسود طبيعي يتكون، بيحتاج يوصل لمرحلة أو حد معين من الحجم والكتلة، اللي غالبًا بيكون أكبر من كتلة الشمس بتاعتنا بـ3 مرات تقريبًا، وبعدها مع مرور ملايين ومليارات السنين بقى، بتفضل الثقوب السوداء دي تكبر كل لما بتبتلع حاجة جواها، ده في الطبيعي.
إنما في حالة الثقوب السوداء العملاقة الموجودة في مراكز المجرات دي بقى، فـدي حجمها بيوصل لملايين الأضعاف من حجم الشمس، وفي الواقع، بعض من أحجام الثقوب السوداء دي بيكون في الواقع غير ممكن الوجود، ومستحيل تمامًا إنه يكون تكوّن بطريقة طبيعية، عشان مهما كانت كمية الأشياء اللي ابتلعها طول فترة حياته، فهي بردو مستحيل تخليه يوصل للحجم ده.
اقرأ أيضاً: حقيقة الثقوب السوداء
كيف تكونت الثقوب السوداء العملاقة؟
من هنا بقى بدأ اللغز، منين الثقوب السوداء العملاقة دي وصلت للأحجام الهائلة دي، رغم إن المفروض مفيش مواد كافية في الكون تكفيها عشان توصل للحجم ده؟ وحتى لو كانت في كميات كافية عشان توصّلها للحجم ده، فمفيش وقت يكفي إنها توصل للحجم ده بالطرق التقليدية، عشان حاجة زي دي هتحتاج فترة أكبر من عمر الكون نفسه عشان تحصل!
يعني مثلًا، وفقًا لبعض الدراسات والأبحاث، فبعض الثقوب السوداء العملاقة كانت بالفعل وصلت لما يساوي حجم الشمس بتاعتنا مليار مرة، بعد الانفجار الكبير بمليار سنة بس! وده المفروض إنه مستحيل يحصل بأي طريقة طبيعية، فإزاي بقى؟!
عشان كده، علماء الفلك بقالهم سنين طويلة بيحاولوا يوصلوا لطريقة يقدروا يفسروا بيها سبب وجود الثقوب السوداء العملاقة دي، وإزاي تكوّنت ووصلت لأحجماها الحالية، من دون ما تكسر قواعد الفيزياء اللي إحنا نعرفها، التفسيرات اللي وصلوا ليها كتير، ومش كلها منطقية.
الاحتمال الأول
عندك مثلًا أول تفسير بيقولك إن في بداية الكون، كان في سحب غازات عملاقة وكتيرة جدًا، والسحب دي كانت جواها ثقوب سوداء بتبلع الغازات اللي في السحب دي لمركزها بسرعة ضخمة جدًا، لدرجة إنها مبتلحقش تستهلك كل اللي بتبلعه بسبب ضخمامة حجمه الشديدة، وبسبب ده فبعض المادة اللي بتبلعها دي بتهرب منها في صورة إشعاع شديد السطوع، ممكن يتفوق في لمعانه على مجرات كاملة.
الأشياء المقصودة هنا دي بيكون اسمها الكويزارات (Quasars)، ودي بالفعل شفنا عدد مش بطال منها في مناطق عديدة في الكون. واللي بيقوله التفسير الأولاني اللي طرحه العلماء دول، إن ممكن الكويزارات دي كانت بتسخّن سُحب الغازات اللي حواليها بسبب الإشعاع الناتج من ابتلاعها للمادة باستمرار، وبسبب السخونة دي، كانت سحب الغازات بتنهار على نفسها باستمرار، وتشكل ثقوب سودا جديدة بتندمج بعدها مع الثقب الأصلي، وعشان كده فضل حجمهم يبقى في شكل سلسلة استمرت لـ150 مليون سنة تقريبًا.
الاحتمال الثاني
بس المشكلة إن الافتراض ده مش مؤكد، والأدلة العلمية المبنية على الملاحظات اللي بيشوفوها في أعماق الفضاء مش بتدعمه، وعشان كده ظهر تفسير تاني مذهل حرفيًا، وهيلفلك دماغك ويذهلك، تفسير بيقولك إن في بداية الكون، كان في نجوم عملاقة، حجمها كان أكبر من حجم أنظمة شمسية، وكتلتها بتساوي كتل مجرات صغيرة كاملة!
النجوم دي بيسموها (Quasi-Stars)، أو باسم تاني مشهور أكتر؛ “نجوم الثقوب السوداء”، والسبب في ده إن النجوم دي في مركزها بيكون موجود ثقوب سودا كاملة وضخمة، هي اللي بتدي للنجوم دي الطاقة بتاعتها!
طب إزاي؟! خليني أشرحلك..
اقرأ أيضاً: هل أنبأنا القرآن الكريم حقا بوجود الثقوب السوداء؟
نجوم الثقوب السوداء
شوف يا عم، في بداية تكوّن الكون، وبعد الانفجار الكبير بفترة بسيطة جدًا، بدأت العناصر الأولى في الكون تتكوّن، وظهر أول اتنين اللي همَّ كانوا عبارة عن سحب من الهيدروجين والهيليوم. والسحب دي مع ضخامة حجمها وكتلتها، فهي بدأت تنجذب لبعضها وتتجمع في أماكنها وحرارتها تزيد وتسخن، لحد ما سمحت بتكون أول نجوم في عمر الكون، أو اللي بيسموها الـ(Protostars).
بس النجوم دي ساعتها، ورغم ضخامة حجمها، فمكانتش لسه وصلت لقدر كافٍ من الحرارة يخلي شرارة الاندماج النووي تبدأ في مراكزها، بس بسبب حجمها الهايل، فالجاذبية الضخمة بتاعتها أدت لإنها تنهار على نفسها، وتتكون جواها ثقوب سوداء صغيرة، والثقوب السوداء دي في أثناء ولادتها بتطلق قدر هايل من الطاقة والحرارة، والحرارة دي هي اللي حلت محل شرارة الاندماج النووي اللي المفروض بتحصل في النجوم الطبيعية، وخلت الـ(Protostars) تنور وتبقى نجوم حقيقية.
رغم إن تكوّن الثقب الأسود ده بيكون حدث هايل، وبيسبب في المعتاد انفجار ضخم بيزق كل طبقات النجوم لبره، وبيخليها تنفجر بالكامل، في انفجار بيسموه السوبر نوفا (Supernova)، إلا إن بسبب الحجم الهايل اللي بتوصله النجوم دي، واللي بيوصل لأكتر من 7000 مرة من حجم الشمس بتاعتنا على الأقل، فـحتى الانفجار الناتج عن تكوّن الثقب الأسود مبيكونش كافٍ لإنه يزق طبقات النجم لبره، عشان كتلة النجم الضخمة بتسبب قوة جاذبية شديدة جدًا بتتفوق على قوة الانفجار!
بناء عليه، بيكون الشيء المتكوّن عندك في النهاية حاجة غريبة وأغرب من أي حاجة ممكن تشوفها حرفيًا! نجم عملاق وشديد الضخامة، بيسموه نجم ثقب أسود (Black Hole Star) أو شبه نجم (Quasi-Star)، وده حجمه بيوصل لعشرات الآلاف من كتلة الشمس بتاعتنا، وفي نفس الوقت جوه مركزه موجود ثقب أسود عملاق بيتغذى على المادة بتاعته من جوه!
حقائق عن الثقوب السوداء
الثقب الأسود اللي في مركز النجم ده، في أثناء ما هو بيتغذى على المادة بتاعت النجم، بيطلق قدر هايل من الحرارة، والحرارة دي بتحل محل التفاعل الاندماجي الطبيعي اللي بيحصل في النجوم العادية، وبكده بيتوازن النجم وبيفضل الثقب الأسود يستهلك الوقود بتاعه بقدر بيوصل لما يقرب من 14% من كتلة الشمس في كل سنة! وعِد بقى على كده ملايين السنين!
بسبب العملية الغريبة وشديدة القوة اللي بتحصل في النجوم دي، بيفضل حجمها يزيد ويزيد لحد ما بيوصل لأحجام مرعبة فعلًا، بتخلي أكبر نجوم اكتشفناها في الكون بتاعنا لحد دلوقتي يبان شكلها زي شكل الأطفال جنبها! يكفي إني أقولك إن أكبر نجم معروف اكتشفناه في الكون لحد دلوقتي، اسمه (UY Scuti)، وده حجمه يساوي حجم الشمس بتاعتنا 1708 مرة تقريبًا، ولو اتحط في قلب المجموعة الشمسية، فهو هيبتلع الكواكب الداخلية كلها لحد ما يوصل لمدار كوكب المشتري تقريبًا.
هل الثقب الأسود يكبر؟
أهو تخيل بقى إن نجم الثقب الأسود ده، حجمه ممكن يوصل لأكتر من حجم شمسنا بما يقرب من 7000 مرة على أقل تقدير! ده بالميت أوي يعني. ولو تخيلنا إننا جبنا النجم ده، وحطيناه جوه المجموعة الشمسية بتاعتنا، فهيبلع كواكب المجموعة الشمسية كلها جواه! يعني حجمه هيتجاوز مدار كوكب بلوتو نفسه، بعشرات المليارات من الأميال، لدرجة إن حجمه هيبقى مقارب لحجم المجموعة الشمسية بالكامل!
بسبب الأحجام الهايلة دي، فالنجوم دي زيها زي أي نجوم عملاقة تانية، بتستهلك الوقود بتاعها بسرعة شديدة، وبتموت على طول، يعني بناء على الحسابات الفلكية اللي اتعملت عشان تحدد عمر النجوم الافتراضية دي، فهي بتعيش لفترة أقصاها 7 مليون سنة مثلًا، وبعدين بتنهار على نفسها وتتحلل، وتنتهي تمامًا.
بعد ما بتنتهي، بيكون المتبقي منها ثقب أسود عملاق وشديد الضخامة، هو اللي بعد كده بيكون نواة لمجرات كاملة! ده بقى اللي بيسموه الثقب الأسود العملاق (Super Massive Black Hole)، اللي بيكون دايمًا موجود في مركز المجرات، واللي اتكلمنا عنه في أول المقال!
تعرف على: أول صورة حقيقية للمادة المظلمة
أكبر ألغاز علم الفلك وأهمها
طبعًا إنت دلوقتي أكيد هتسأل نفسك، هل إحنا بالفعل رصدنا أي واحد من النجوم دي؟ والحقيقة إن الإجابة على السؤال ده هتحبطك، لإننا لسه مشفناش أي دليل علمي يأكد لنا إن النجوم دي كانت موجودة بالفعل، بس لحد وقتنا هذا تظل أفضل تفسير محتمل لكيفية تكوّن الثقوب السوداء العملاقة في مراكز المجرات، في الفترات القصيرة جدًا دي.
قريب، ومع المشاريع الجديدة والضخمة اللي أُطلِقت ولسه بتُطلَق حاليًا زي تليسكوب جيمس ويب، وغيره من المراصد الفلكية الضخمة اللي بتتعمل سواء هنا على الأرض، أو في الفضاء حوالين الكوكب، فهي هتقدر أخيرًا تدينا نظرة أوضح على أعماق الفضاء، وتورينا اللحظات الأولى في بداية عمر الكون نفسه. وممكن في أي لحظة نقدر أخيرًا نرصد النجوم دي، ونشوفها بعيوننا لأول مرة.
ساعتها فإحنا مش بس هنبقى اكتشفنا أكبر وأضخم أجسام كانت موجودة في تاريخ الكون كله حرفيًا، لأ ده إحنا كمان هنكون حلينا أخيرًا واحد من أكبر ألغاز علم الفلك وأهمها وأقدمها، اللي كانت محيرة العلماء بقالها عشرات السنين. وفتحنا الباب قدامنا لخطوة جديدة في مشوارنا الأزلي للوصول لسر خلق الكون نفسه!
المصادر:
https://www.universeguide.com/fact/quasistar
https://www.universeguide.com/fact/supermassiveblackholes
https://www.wired.com/story/where-do-supermassive-black-holes-come-from
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا