فن وأدب - مقالاتمقالات

أنا وكلماتي والعدم

سألني صديق عزيز: “ما جدوى ما نكتب، وكلماتنا صارت والعدم سواء يا دكتور؟!”.

سألته مندهشًا من سؤاله غير المتوقع، بل والمؤلم حقًا: “ماذا تقصد بالعدم؟!”.

رد قائلًا: “يا دكتور أنت تكتب وتكتب وتكتب، وترهق نفسك مرارًا وتكرارًا، وتناقش قضايا وتحلل أوضاعًا وتكشف خفايا أمور كثيرة معقدة وتسلط عليها الضوء بكلماتك، والعجيب جدًا يا صديقي العزيز أنك تقدم حلولًا لكثير من القضايا التي تؤرقنا وتنغص علينا حياتنا، وماذا بعد؟!”.

صمت صديقي فجأة، ثم واصل حديثه قائلًا: “لست أنت فقط صديقي الدكتور، دقق جيدًا في كتابات كل المصلحين أو المفكرين المهمومين بقضايا وطنهم، أولئك الشرفاء الذين يقدمون كلماتهم بالحب لأوطانهم، وغيرهم يقدمون كلماتهم بالسرقة والفساد والاستعباط والابتزاز!”.

“هل ترى معالي الدكتور أن المصلحين قادرون على الاستمرار في مهمة صياغة الكلمات؟! هل ترى يا دكتور أن صبر المصلحين قادر على تجاوز اعتبار كلماتهم والعدم سواء؟!”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

“لا تندهش من كلماتي معالي الدكتور، فقط اجلس مع نفسك وحاورها في مضمون ما قلت لك، وغدًا أخبرني برأيك، والآن أستودعك الله، فقد تلبدت السماء بالغيوم”، وتركني صديقي وانصرف!

جلست بمفردي فترة، وبدأ المطر يسقط بغزارة ولكن لم أشعر بالمطر ولا ببرودة الجو، فقد كانت كلمات صديقي مطرًا من حزن، جمرًا من نار، بركان غضب كامن في النفس أوشك أن يثور!

لماذا نكتب؟

أهمية الكلمةتحركت وتوجهت إلى منزلي وجلست وحيدًا استرجع كلمات صديقي حرفًا حرفًا، وإذا بي فجأة أسأل نفسي نفس السؤال:

– ما جدوى ما نكتب؟!

– لماذا نكتب؟!

– أليست فعلًا كلماتنا والعدم سواء؟!

وإذا بي أرد على نفسي وعلى صديقي قائلًا:

– نعم حقًا وصدقًا كلماتنا والعدم سواء، كلماتنا بضع دقائق تُقرأ ثم تُنسى ثم تصبح أثرًا بعد عين، ومن هنا فهي فعلًا والعدم سواء.

– نعم حقًا وصدقًا، فكم مرة اهتم أحد بما يكتب المصلحون؟!

– كم مرة اهتم أحد بالحلول التي يقدمها المحبون لوطنهم والغيورون عليه فعلًا؟!

– كم مرة صُنعت حلول اعتمادًا على حل قدمه متخصص في قضية ما، والتُفت إلى كلامه أصلًا؟!

اقرأ أيضاً: سحر الكلمة

ما أهمية الكلمة في حياتنا؟

زاد احساسي بالألم وبدأت أشعر باختناق الصدر، وإذا بي استرجع عبر صفحتي الشخصية موضوعات وقضايا ومشكلات وآراء عبر أيام وشهور وسنين، وهنا كان التساؤل الحائر:

– ماذا بعد؟! وما جدوى وجودكِ أصلًا أيتها الكلمات؟!

لم أستطع الرد، لملمت شتات نفسي وانزويت جانبًا وقلت مخاطبًا كلماتي:

“عذرًا أيتها الكلمات فقد أهنتك كثيرًا، عذرًا أيتها الكلمات فقد أرهقتك معي باستدعاء مستمر، عذرًا أيتها الكلمات فقد عرضتك على الملأ ولم أصن حرمتك.

عذرًا أيتها الكلمات فقد أضعت هيبتك، عذرًا أيتها الكلمات فقد جعلتك والعدم سواء!”

قوة تأثير الكلمة

أهمية الكلمةفاضت دموع العين حزنًا، وإذا كلماتي يرق قلبها لي قائلة:

“عذرًا يا رفيقي أنا حياتك وأنت حياتي، فلنعش عالمنا بعيدًا عن العالم ولنصنع من أحزاننا حياة، كن أنت كما تحب أن تكون في عشقي، وأنا سأظل وفية لك على الدوام؛ أطيعك وألبي استدعاء فكرك وتواتر خواطرك وثورة وجدانك، واعلم يا رفيقي أني:

– أنا الصدق في زمن الزيف.

– أنا الحق في عالم النفاق.

– أنا الأمل في بحار اليأس.

– أنا النور في ليل الجهل.

– أنا الحياة في عالم العدم.

– أنا من استمد منك ومن المصلحين حياتي، فلا تهجرني وتسلب مني الحياة”.

أبكتني كلماتي وطيبت خاطري، ومنحتني أملًا جديدًا وأشهد الله أني أعشقك أيتها الكلمات عشقًا جاوز حدود دلالاتك، وتخطى عدد حروفك.

مقالات ذات صلة:

لماذا نكتب؟

الكتابة للمستقبل

هل الفلاسفة الأطول عمرًا؟!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د/ محمد جمعة

أستاذ أصول التربية ووكيل كلية التربية جامعة دمياط لشئون التعليم والطلاب