قاسم أمين والأميرة نازلي
القصة بتبتدي إن قاسم أمين لما درس المحاماة وسافر فرنسا، كان منطوي شوية وشرقي شوية كمان.
قعد هناك أربع سنوات في جامعة مونبيليه، ورجع لمصر بعد ما أتقن الفرنسية والقانون وتعلم حرية الرأي وغيره.
لكن بردو حتة شرقيته دي فضلت جواه متغيرتش، حتى لما حب واحدة فرنسية.
قاسم أمين كان تلميذ جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وصديق شخصي لسعد زغلول.
بس سنة 1893م حصل إن دوق فرنسي اسمه “الدوق داركور” زار مصر كذا مرة، وفي السنة دي ألف كتاب بالفرنسية سماه “سر تأخر المصريين”، وفيه اتهم الظروف الاجتماعية والحجاب والإسلام إنهم سر التخلف والرجعية.
قاسم أمين بقى قرأ الكتاب، وبيقول إنه لما قرأ الكتاب تعصب، وقرر إنه يرد على الدوق ده بكتاب تاني باللغة الفرنسية سنة 1894م سماه “المصريون”، وده الكتاب الأول اللي سبق الكتابين التانيين بخمس سنوات.
“المصريون” دفاعا عن حضارة في مواجهة الحقد الغربي
الكتاب ده كان غريب، بيبرر فيه كل حاجة كانت بتواجة المصريات في الوقت ده تبرير غريب، عكس كل أفكاره اللي كانت اتقالت بعد كده.
يعني مثلًا، في مقطع من مقاطع الكتاب عن الاختلاط بين الرجل والست بيقول الآتي:
“إن ديننا أوصى بأن يكون للرجال مجتمعهم الذي لا تدخله امرأة واحدة، وأن يجتمع النساء دون أن يقبل بينهن رجل واحد، لقد أراد بذلك حماية الرجل والمرأة مما ينطوي عليه صدرهما من ضعف، والقضاء الجذري على مصدر الشر”.
أما عن تعدد الزوجات بيقول:
“نستطيع أن نخلص –كما رأينا– إلى أن تعدد الزوجات قد أقر ليضمن المأوى للمرأة والأبوة الأكيدة الدائمة للأبناء”.
هل نادى قاسم أمين بخلع حجاب المرأة
أيضًا برر وقال عن العمل للأنثى وتعلمها وثقافتها:
“إنني لا أرى الفائدة التي يمكن أن يجنيها النساء بممارسة حرف الرجال، إن مشهد الأم المتفانية يملؤني حنانًا، كما يحرك شعوري مشهد الزوجة التي تُعنى ببيتها.
في حين أني لا أشعر بأية عاطفة حين أرى امرأة تهل على خطى الرجال، ممسكة كتابًا في يدها، وتهز ذراعي في عنف، وهي تصيح بي: كيف حالك يا عزيزي؟ بل لعلي أشعر بشيء غير بعيد عن النفور”.
طبعًا الكتاب ده، وكتاب قبليه مجهول كمان اسمه “حقوق المرأة في الإسلام”، فيه بيقر قاسم أمين بشرعية الحجاب، وانتقد التحول الأوروبي اللي أصاب نساء مصر وقتها.
من هي الأميرة نازلي؟
في الفترة دي وبعد ما انتشر الكتاب، قرأته الأميرة “نازلي فاضل”، وتعصبت جدًا وافتكرت إنه بيقصدها هيّ بالكلام ده، وده ليه؟
الأميرة نازلي فاضل هيّ أول نسوية مصرية في العصر الحديث، وأول أميرة تهتم بالشؤون المصرية الداخلية، واللي هيّ الأم الروحية لكل المناضلين المصريين في التاريخ، واللي أثرت في فكرهم كلهم بلا استثناء.
الأميرة نازلي فاضل مواليد 1853م، أبوها هو مصطفى بهجت فاضل ابن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا، وأخو الخديوي إسماعيل الكبير بس من أم تانية.
المفروض أبوها كان هيبقى هو خديوي مصر خلفًا لعمه محمد سعيد باشا، لكن محمد سعيد باشا كان بيحب الخديوي إسماعيل أكتر وكان بيعهد ليه بكل حاجة.
أصل الملكة نازلي
في سفرية من سفريات الخديوي إسماعيل قبل تنصيبه، اتفق مع السلطان العثماني إنه يبقى هو الخديوي بدل أخوه.
رجع إسماعيل وبقى الخديوي وبعدين عدل القانون، وخلى ابنه توفيق هو ولي العهد، وفي النهاية استولى على كل أملاك مصطفى فاضل وطرده للآستانة.
هناك اتولدت نازلي، وكبرت وتجوزت محمد شريف باشا، اللي بقى سفير الدولة العثمانية لفرنسا، وسافرت معاه.
هناك تعلمت الثقافة وتعلمت ٦ لغات وانفتحت على الثقافة الفرنسية والفن والمسرح وخلافه، وتطلقت من محمد شريف باشا ورجعت مصر.
اقرأ أيضاً:
قضية المرأة بين الحقيقة والوهم
“الفيمينيزم” أو بمعنى آخر “النسوية”، هل نحن حقا بحاجة لها؟
سماح أنور (الحجاب والسفسطة الفاشلة)
نازلي فاضل صاحبة أول صالون ثقافي في الشرق
أسست أول صالون ثقافي في قصرها، اللي في ضهر قصر عابدين واللي سمته صالون هنري، وكانت مثقفة جدًا بيجيلها الناس من كل بلد عشان يسمعوا آراءها ويناقشوها.
دخل الصالون المحامي سعد زغلول، اللي الأميرة نازلي كانت السبب في تعيينه في النيابة، واللي بسببها تغير فكره تجاة الحرية والحجاب.
اللي بردو بسببها ووساطتها عرفته على صفية بنت مصطفى فهمي باشا وتجوزها، وفي أوضة سعد زغلول كان فيه صورة كبيرة أوي موجودة لحد النهاردة في بيت الأمة لنازلي فاضل.
كان ليها تأثير على شخصيات مهمة جدًا في تاريخ التنوير، أمثال هدى شعراوي وسيزا نبراوي وغيرهم.
كانت من أكبر الداعمين لثورة عرابي ودعمتها ماديًا ومعنويًا، وهددت القضاة اللي مسكوا قضية الورداني اللي قتل بطرس غالي باشا، لأن المصريين اعتبروه بطل.
كان ليها رأي في مصطفى كامل، وكانت بتكرهه وقالت عليه أنه بيستغل القضية المصرية عشان يجمع تبرعات.
ده كان السبب في مقاطعة محمد فريد ليها وشتيمته ليها في مذكراته، لأنها قالت بالنص: “شباب لا يستحقون ثمن حبل يشنقهم”.
من المصريون إلى المرأة الجديدة
كمان كانت بتستضيف المنتدبين البريطانيين للصالون، منهم اللورد كرومر وكتشنر وستورز وغيرهم، وكان ليها موقف من الإنجليز لكنها اعترفت إن ليهم أفضال كتير على المصريين كمان.
أخيرًا، دخل الصالون ده قاسم أمين.
القصة إنه بعد ما نشر آراءه دي في كتاب “المصريون” وهيا قرأته بالفرنسية، تعصبت جدًا وشافت إنه يقصدها هيّ، لأنها كانت غالبًا اللي بتختلط بالرجال ومبتلبسش الحجاب وكده، فطلبت إنها تقابله وتناقشه.
فعلًا، راح قاسم أمين للصالون وناقشها، وانبهر بيها وبثقافتها وفكرها وحبها جدًا.
من هنا ومع المناقشات اللي دارت، تغير فكره تمامًا، وطلع بالكتابين اللي اتطبعوا بمساعدة مادية من نازلي فاضل، واللي كانوا متناقضين مع فكره القديم كله لدرجة ملحوظة.
حتى إنه في كتاب “تحرير المرأة” اتفق مع أفكار الدوق داركور كلها اللي أصلًا طلع كتاب المصريون عشان يهاجمه.
ندم قاسم أمين
طب خدوا المفاجآت دي..
قبل قاسم أمين ما يموت بسنتين، نشر مقالة في جرنان اسمه “الطاهر”، واعترف بندمه على تحرير المرأة، وقال نصًا:
“لقد كنت أدعو المصريين قبل الآن إلى اقتفاء أثر الترك بل الإفرنج في تحرير نسائهم، وغاليت في هذا المعنى حتى دعوتهم إلى تمزيق الحجاب، وإشراك المرأة في كل أعمالهم ومآدبهم وولائمهم.
لكن أدركت الآن خطر هذه الدعوة بما اختبرته من أخلاق الناس، فلقد تتبعت خطوات النساء من أحياء العاصمة والإسكندرية لأعرف درجة احترام الناس لهن، وماذا يكون شأنهم معهن إذا خرجن حاسرات.
رأيت من فساد أخلاق الرجال وأخلاقهن بكل أسف ما جعلني أحمد الله ما خذل دعوتي واستنفر الناس إلى معارضتي”.
من الآخر، قاسم أمين ندم إنه خلى البنات تتحرر، وشايف إن الست مكانها في المنزل له من الأهمية القصوى التي لا تقل عن أي عمل آخر، وأن ما كتبه هو تأثر سلبي بالفكر الغربي.
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا