يوم أن قامت القيامة على الأزتك وبدأت دولة المكسيك الجديدة
في القرن الـ١٦ قارة أمريكا كان فيها واحدة من أكبر الإمبراطوريات في وقتها اللي هيا إمبراطورية الأزتك، إمبراطورية ضخمة ليها مباني وأهرامات ومعابد ونظام ري، وعاصمة كبيرة سياسية ودينية مليانة جناين ووديان اسمها “تينوتشتيتلان”، بنظام حكم قوي وجيش كبير وعدد ٢٠٠ ألف نسمة في العاصمة، وعدد سكان الأزتك عموما فوق الـ١٦ مليون نسمة.
بس الإمبراطورية دي كلها بعظمتها دي انتهت على إيد ٥٠٠ واحد بس، جم بـ١١ سفينة صغيرة من إسبانيا يتزعمهم مرتزقة إسباني اسمه “إيرنان كورتيز”، قدر بالـ٥٠٠ واحد دول ينهي تاريخ الإمبراطورية كلها ويقتل مئات الآلاف، ويستولي على الأرض والحكم وقصر الإمبراطور، طيب إزاي؟ هل فيه عقل يتخيل إن ٥٠٠ واحد ينتصروا على ١٦ مليون؟!
هقولك عملها إزاي..
ثعبان الريش
ثقافة الأزتك الدينية كانت بتعتقد في خليط من القصص الأسطورية الدينية الخاصة بالآلهة، زيها زي طبيعة أي مجتمع منغلق في التاريخ، وعلى الرغم من إحكام السيطرة العسكرية للأزتك على أكتر من ٢٠٠ قرية بتديرها العاصمة، إلا أن جزء من سيطرة الإمبراطورية على الشعب كانت سيطرة دينية.
من ضمن القصص اللي كانوا مؤمنين بيها –إن مكانتش القصة الأهم– هيا قصة خلق العالم على إيد إله اسمه “كويتزالكواتل”، وده كان معبود النجوم والرياح وخلق البشر وحاجات كده، وكان بيتم الرمز إليه بثعبان متغطي بالريش، والأغلب إنه كان راجل أبيض البشرة عنده دقن طويلة، جميل؟
قصته في المثيولوجيا إنه لاحظ إن الآلهة بتعامل البشر بشكل مش لطيف، فأخد العلم والمعرفة معاه ونزل الأرض علم الناس الحساب والزراعة، ومنعهم من القرابين البشرية لأخوه الإله “تيزكاتليبوكا”.
وبدأت الحياة تزدهر في عهده، لكن أخوه غار منه فتنكر في شكل راجل عجوز وقدمله إزازة خمرة، شربها وسكر، وهو سكران أعجب بواحدة من الكهنة فراودها عن نفسها،
ولما فاق الصبح عرف اللي عمله وحس إنه غلط فعمل مركب من التعابين وقرر يسيب المدينة في اتجاه مغرب الشمس، ووعد الناس إنه هيرجع تاني عشان ينتقم، وجزء من الإيمان بالقصة هي الإيمان إنه هيرجع تاني وهينتقم والبشرية هتنتهي، يوم القيامة يعني عندهم.
طيب ركز معايا..
بداية الغزو الأسباني على إمبراطورية الأزتك
سنة ١٥١٩م شاب إسباني فقير من عيلة عادية معجبوش الفقر اللي كان عايش فيه، وسمع عن رحلات اكتشاف العالم الجديد فقرر إنه ينضم لها طمعا في الدهب والموارد اللي بيلاقوها هناك، وراح على كوبا وهناك تمرد على حاكم كوبا وعلى إسبانيا نفسها، وأخد كام واحد معاه وكام سفينة على كام سلاح ومدفع وحصان،
وقرر إنه يتوغل في أمريكا عشان يستكشفها ويلم الكنوز اللي حلم بيها، وفي طريقه عمل تعاهدات مع كل القرى اللي كان بيقابلها من السكان الأصليين، عشان يساعدوه لو قرر يحارب الأزتك في قلب العاصمة بتاعتهم.
في نفس الوقت ده، حاكم الأزتك كان إمبراطور اسمه “موكتيزوما الثاني”، وهو حاكم ومحارب ورجل دين كمان، وكان حاكم قوي قدر يوسع مملكته ويحكمها بقبضة قوية، بس زي كل سكان الأزتك كان مؤمن بالإله اللي هيرجع تاني في يوم من الأيام، جميل؟
كورتيس بقى وصل فعلا لسواحل المكسيك سنة ١٥١٩م، وأخد الرجالة والحصنة ومترجمة أسرها من قرية في طريقه، ونزل على الشط، ولأن الأزتك مكانوش شافوا “الحصنة” قبل كده، كان منظر الجنود الإسبان ببشرتهم الفاتحة والحصنة غريب عليهم،
نبوة الإله “كويتزالكواتل”
وخصوصا إنهم جم من ناحية البحر من الناحية اللي مشي منها الإله “كويتزالكواتل” في القصة، فبسرعة وصلت الأخبار للإمبراطور، الأخبار اللي بتقول إن “كويتزالكواتل” رجع تاني وراكب حيوان أسطوري اللي هو الحصان، هو ببشرته الفاتحة بدقنه الطويلة في نفس السنة اللي في حساباتهم ومن نفس الجهة في البحر!
الإمبراطور بدأ يخاف ومكنش لا عمره عرف إسبان ولا أوروبيين، هو اقتنع إنه هو الإله العائد وإنه هيبقى الإمبراطور الأخير قبل فناء البشر، وملقاش قدامه غير إنه يرحب بيهم ويستقبلهم أحسن استقبال،
ويديهم هدايا من الدهب ويسمحلهم إنهم يخشوا لحد قصر الإمبراطور جوه، لأنه اقتنع فعلا إن النبوءة تحققت، وإن وصولهم ده علامة على رجوعه وعلى انتهاء البشر من بعده زي ما الأسطورة بتقول.
بص بقا النبوءة حصلت إزاي!
كورتيس للأسف هو مجرد مرتزقة طمعان في أي كنوز زي ما قلنا لا يهمه نبوءات ولا خرافات، قابل الاستقبال ده بالترحاب أول كام يوم، بس الهدايا اللي أخدها من الإمبراطور طمعته هو ورجالته في الدهب كله، وفي اليوم السادس من وصوله اتلكك للإمبراطور إن فيه جنود إسبان اتقتلوا على الشط،
وراح معتقله وحابسه في القصر بتاعه اللي كان بيحكم منه أصلا، وبدأ يلم فلوس ودهب من هنا وهناك، وبدأ يحكم كمان من خلاله وهو في المعتقل، يعني استخدمه كوسيلة إنه معاه يعني ونصب نفسه حاكم غير مباشر.
اقرأ أيضاً:
الأضحية في تراث اليونانيين الأقدمين
انتشر الخبر في كل أنحاء الإمبراطورية الرومانية
مقتل كبار رجال دولة الأزتك
بعد كام شهر في أبريل ١٥٢٠م، حاكم كوبا الإسباني “فيلاسكيز” بعت فرقة من جنوده الإسبان عشان يحاربوا كورتيس ويقبضوا عليه لصالح التاج الإسباني، اللي هو متمرد على إسبانيا زي ما قلنا، فساب في العاصمة ٢٠٠ واحد من جنوده بقيادة “بيدرو دي ألفاردو” المساعد بتاعه، وخد باقي الرجالة وراح عشان يقاوم القوات الكوبية، حلو؟
المساعد بتاعه بقى اللي كان أسوأ من كورتيس أصلا، طلب منه الإمبراطور وهو تحت الأسر بأنه يسمح لشعب الأزتك إنه يقيم احتفال سنوي ديني بيعملوه من زمان اسمه “تيزكاتليبوكا”، وده عيد بيخرج فيه الأمراء الأزتك وهما لابسين دهب ومجوهرات وبيتم التضحية بشاب قربان للإله ده مع شوية احتفالات كده، فألفاردو وافق.
ويوم الاحتفال، ألفاردو وجنوده راحوا يتفرجوا على الاحتفال من بعيد كده، لمحوا كمية الدهب اللي النبلاء والأمراء لابسينه، فا ريقهم جري، وراحوا هاجمين على الاحتفال وقفلوا مداخل ومخارج المعبد،
وبدأوا يقتلوا في الأمراء بلا رحمة ويجمعوا الدهب منهم، ماتوا كلهم في مذبحة عظيمة منجيش منهم غير اللي نطوا من فوق الأسوار، راح فيها كل كبار رجال دولة الأزتك، عشان شوية دهب.
هروب كورتيس في ظل ملاحقة الأزتك
رجع كورتيس على العاصمة بعد ما انتصر على القوات الكوبية وقدر إنه يقنع رجالة كوبا إنهم ينضموله، بس هو رجع مع الرجالة لقى الدنيا مقلوبة، الأزتك شافوا للمرة الأولى القسوة الإسبانية في التعامل،
وقرروا إنه كفاية كده على الأسبان وإحنا كمان عندنا جيش ونطردهم بقى، دول حابسين الإمبراطور بتاعنا وساكتين، وراحوا هاجمين على الإسبان وفي نيتهم الانتقام.
كورتيس بعدد الجنود الصغير اللي معاه ده مكنش عارف يعمل إيه، فراح على القصر قتل الإمبراطور “موكتيزوما” وخد ديله في سنانه واللي قدر يجمعه وهرب هروب عشوائي مع رجالته،
ووراهم جنود الأزتك، اللي بيقفشوه منهم بيقتلوه، ٨٧٠ إسباني اتقتلوا من جنوده والمدافع كلها راحت، وأغلب اللي جمعوه راح، وبأعجوبة قدر يوصل لمدينة اسمها “تلاكشكالا” مع كام واحد بس، وانتصر الأزتك عليهم مؤقتا.
أحداث النهاية..
وباء الجدري يقضي على الأزتك
واحد من ضمن اللي كانوا مع كورتيس وكان في العاصمة هو راجل من أصل إفريقي اسمه “فرانشسكو أجويا”، وكان حامل لفيروس الجدري اللي الإسبان عندهم مناعة منه، لكن الأزتك لأ لأنهم كانوا مجتمع منغلق،
وفي خريف ١٥٢٠م بدأ مرض الجدري ينتشر في الأزتك، وانتشر بسرعة جدا كوباء في المدينة قدر إنه يقضي على أكتر من ٤٠٪ من السكان، اللي كانوا ما صدقوا إنهم خلصوا من الإسبان فجالهم المرض بسببهم، المرض أنهكهم فعلا وقتل عشرات الآلاف، وبسببه اتهجرت الأرض الزراعية وحصلت مجاعة واتقلب الحال.
كورتيس في الوقت ده قدر يتواصل مع الإسبان ومع كوبا إنهم يعترفوا بسيطرته على الأرض دي، ويبعتوله إمدادات عشان يروح يسيطر على “تينوتشتيلان” من تاني،
وفعلا قدر إنه يعمل جيش صغير كده من المنضمين ليه ومن المتحالفين معاه من القرى المحيطة، واللي كانوا ضد الأزتك وفي حروب أهلية معاهم، جمع بقى كل ده وقرر يروح يحاصر العاصمة من تاني.
بس لما راح، كان الجدري قضى على نصهم، والحال بقى غير الحال، انشغلوا في الوباء وفقدوا الشغف إنهم يحاربوا الإسبان تاني، ومع ذلك الكهنة حاولوا يحمسوا شباب الأزتك إنهم يحاربوا عن أرضهم مهما كلفهم ده، وقدروا إنهم ينظموا قواتهم عشان يدافعوا عنها، وعينوا ملك جديد اسمه “كواوتيموك” كأمل أخير في صد الغزو الإسباني عنهم.
انهيار إمبراطورية الأزتك
وصل كورتيس ومعاه الإمدادات والحلفاء من تلاكشكالا، وحاصروا العاصمة، قطعوا عنهم الإمدادات تماما، سابهم جوه بيموتوا أكتر وأكتر، حاول الأزتك يدافعوا عن نفسهم وحصلت مناوشات،
نصبوا الكماين للإسبان وكان رد الجنود بالمدافع والأسلحة الحديثة، حاولوا يقاوموا، لكن مدافع الإسبان كانت أقوى، دمرت المدينة بالكامل، كل المباني اتهدت، وقبضوا على ملكهم وعذبوه وأعدموه بعد خمس سنوات.
دخلوا العاصمة منتصرين، وعملوا حملة شاملة كان الهدف منها جمع الدهب اللي سابوه وهما هربانين، وجمع أكبر عدد من الكنوز لصالحهم، وإبادة شاملة لمجتمع الأزتك المنهك بدوره، في الحملة دي قتلوا من ١٠٠ لـ٢٤٠ ألف من المدنيين بس،
النبلاء كلهم ماتوا، الشعب كله اختفى تحت وطأة التعذيب أو القتل، حتى اللي هربوا بعد الاجتياح طاردهم كورتيس وقتلهم، والباقي استعبدهم عشان يخدموا في جيشه بعد ما أجبرهم على دين الإسبان وأغلبهم كانوا ستات وأطفال، لدرجة إن الأنهار كانت مليانة جثث فوق الـ٤٠ ألف جثة منهم.
بداية دولة المكسيك الجديدة
أما عن كورتيس فهد كل ما يخص ثقافة الأزتك، حتى المباني والبيوت والقنوات، وبنى على أطلالها مدينة جديدة على النهج الإسباني، اللي هيا النهاردة مدينة “ميكسيكو سيتي”، وعين نفسه حاكم على المكسيك الجديدة،
واشترك بعد كدة في حملات تانية في أمريكا والجزائر لحد ما في آخر حياته خسر فلوسه كلها واتداين، والدَّيّانة طاردوه وإسبانيا تجاهلته تماما وبقى منبوذ، وجاله مرض اسمه “الزحار” اللي هو إسهال دموي ومات بسببه ١٥٤٧م.
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا