أيها المواطنون
هذه الكلمة تُقال في الإعلام، ورسائل الأدب كالرواية والشعر والقصة، وفي الخطابات الجمعية لاستمالة العاطفة وتوصيل رسالة بعينها إلى الجماهير الغفيرة لاستقطابها، وضمان انحيازها وإقناعها.
ومثلها تمامًا: أيها الإخوة، أيها الرفاق، أيها الأبطال الشجعان، أيها العمّال، وجاءت أمثلة مشابهة لذلك في القرآن الكريم مثل: يا أيُّها الناس، أيُّها المؤمنون، يا أيُّها الذين آمنوا.
النمور في اليوم العاشر
وقد ذكرَ الأديب الكاتب والصحفي السوري زكريا تامر قصة رائعة بعنوان “النمور في اليوم العاشر”، توضّح كيف أنه بالمِران والتدريب يمكن أن ينهّق النمر، ويأكل الحشائش، ويُصدر مواءً كالقطط في شهر شُباط (فبراير) ويُصفّق، ويفعل أشياء ضِد فِطرته وما دَرَجَ وتربّى عليه طوال حياته،
فقط لأنه جوعان، بل عندما يشتد عليه الجوع ويُرغمه المروّض كل يوم على فعل شيء فإنه يفعله ويُقنِع نفسه به على مَضض وكُرْه وتألم، بل ويحاول أن يستسيغه، وكان هذا درْسًا للمروّضين الصغار الجُدد ليتعلموا ويكتسبوا تلك المهارات.
إنّ النمر في القفص وليس حُرًا طليقًا، مكبوتة حريته، مغلوب على أمره، مضغوط على نفسيته، ومن ضمن الترويض أنّ المروّض أخبره أنه سيخطب وعندما ينتهي يجب على النمر التصفيق،
واستهل كلامه قائلًا: “أيها المواطنون، سبق لنا في مناسبات عديدة أن أوضحنا موقفنا من كل القضايا المصيرية، وهذا الموقف الحازم الصريح لن يتبدّل مهما تآمرت القوى المُعادية، وبالإيمان سننتصر”.
المغزى من قصة النمور في اليوم العاشر
قال النمر: “لم أفهم ما قلت”.
قال المروّض: “عليك أن تُعجب بكل ما أقول، وأن تُصفّق إعجابًا به”.
وفي اليوم العاشر اختفى المُروّض وتلاميذه والنمر والقفص، فصار النمر مواطنًا والقفص مدينة.
إنها قصة تشير بل تؤكد أنّ الترويض يؤتي ثماره، وخصوصًا عندما يُمسك البعض لُقمة العيش عن الآخرين ويذلونهم ويسخرون منهم ويحتقرونهم.
أيها المواطنون، كلمة حق غالبًا يُراد بها باطل، فليس كل مَن يقولها صادقًا في دعواها التي توحي به إلى المواطنين المرتبطين ببلدهم وترابها وتاريخها وخيراتها، إنها كلمة نبيلة عزيزة الجانب، دقيقة المعنى، عميقة المغزى.
البعض يقولها على اعتبار أنّ هؤلاء المواطنين عبيد وخَدَم له يدورون في فَلَكه، ومن ثم ينبغي طاعته والتصديق بكل ما يقوله كمروّض النمور، حتى وإن كان كلامه طلاسم غير مفهوم وليس له مدلول أو تفسير، سوى إملاء القرارات والتضييق في الأرزاق، أو التهديد بفلذات الأكباد، أو شطب الاسم من سجلات التاريخ.
اقرأ أيضاً:
كيف تعرف الواجبات المفروضة عليك كما تعرف حقوقك؟
برمجة الحمار: بوريدان ومُعضلة الاختيار
الوطن والمواطن
وقد تتبنى بعض الأحزاب أو الجماعات الدينية واللا دينية هذه الكلمة “أيها المواطنون”، للضغط والتخويف تارة وجذب أفراد جُدد لها تارة أخرى، وهذا وذاك باسم الوطن والمواطن، لاسترداد الحقوق المنهوبة والأموال المسروقة والإرادة المسلوبة.
إنّ كلمة الوطن والمواطن من الإشارات التي ينبغي الوقوف أمامها بعينٍ فاحِصَة وفهم مُخلص بعيدًا عن الظنون والشكوك، فهاتان الكلمتان تؤكدان على الانتماء والفداء والتضحية والحب والعطاء والحفاظ اللا محدود على الأرض والعِرض، والممتلكات والمُقدرات.
حقوق وواجبات المواطن
والمواطن الطبيعي له حقوق يجب أن يحصل عليها، وعليه واجبات ينبغي عليه أن يؤديها حتى تكون المنظومة مكتملة الأركان بكل احترام وتقدير، وبعيدًا عن الاستهزاء أو التنقُّص والتقليل من الشأن،
وأن يُوضع كل فرد في مكانه الصحيح اللائق به ليخدم داخل المنظومة الكبيرة، وبالتالي لا يشعر أنه مجرّد آلة داخل القفص يرمي له المروّض الفتات وبقايا الطعام والماء العكر الزائد عن الحاجة.
فمشاركة الآخرين مشاعرهم وأفكارهم وخبراتهم يساعد على الإحساس بالاقتراب أكثر من الناس، ومتى تكون تلك المشاركة متبادلة وتتم بصورة آمنة ونقيّة،
دون إساءة استخدام لأسرار وخبايا الآخرين، يتولّد نوع من الود الخالص بين الناس، وهو نوع نادر من العلاقات يسعى الإنسان إلى تحقيقه، فهذا الود هو الخطوة الأولى تجاه صداقة حقيقية وحب بدون شروط مسبّقة. (أدريان و آن جرييك).
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا