مقالات

المال يشتري السعادة!

بهذه الكلمات كانت إجابتي منذ سنوات بعيدة عن تساؤل صديقي الفيلسوف حينما تساءل في عمق –وقد علت وجهه ابتسامة هادئة حزينة– وهل المال يشتري السعادة؟

بادرت بالإجابة ولم أفكر حينئذ، فقد كنت مُعتنقا تلك الفكرة، وكيف لا؟! ففي يوم ما ربحتُ 77 مليون دولار، فلم أكلف نفسي عناء تقديم استقالة من عملي المتعب، بل سارعت لشراء فيلا واسعة ذات حمام سباحة ومساحات خضراء واسعة،

واشتريت سيارة فخمة تحمل شعار النجمة ذات الثلاثة أركان، وأعطيت كل من أحبهم ما يحتاجون إليه من مال لتستقم شؤون حياتهم، وتزداد سعادتهم.

العلاقة بين المال والسعادة

إن مجرد تخيل تلك اللحظات في حياتي وكأنها حقيقة، ومحاولة استشعار أحاسيسها قد جعل السعادة تملأ روحي، وتناسيت همومي، وبدأت أحزاني تتلاشى، فكيف إذا كان هذا اليوم واقعًا! وامتلكت المال نفسه! ستشتري كل ما يسعدك، وتتخلص مما ينغص حياتك، وبكل تأكيد سوف يلتف حولك الأصدقاء، ويظهر على الساحة أقارب كنت فقط تسمع عنهم.

باختصار، ما سبق هو سبب إجابتي عن تساؤل صديقي الفيلسوف دون تفكير أو تردد: نعم، المال يشتري السعادة! وكان كل يوم يمر تزداد قناعتي يقينًا أن المال يشتري السعادة، ودائما أسأل نفسي: لماذا تصدرت فنلندا قائمة أسعد دولة في العالم لخمس سنوات مُتتالية؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أليس ذلك بسبب ارتفاع دخل الفرد اليومي؟! وما تبعه من ارتفاع نمط الحياة الصحية، وزيادة العمل التطوعي، والحرص على مساعدة الآخرين.

ويؤكد ستيفن كوفي أن مثل هذه المبادئ تزيد من مستويات السعادة، فالسعادة مثل الشمعة، يمكنك أن تشعل بها ألف شمعة أخرى دون أن ينتقص هذا من نورها، فارتفاع دخل الفرد اليومي في فنلندا كان جزءًا من السعادة، ولكن من خلال العطاء والإحسان يشعر الإنسان بالسعادة الحقيقية.

كيف يؤثر المال على السعادة؟

المال والسعادةوبالرغم من أن الصحة أهم من المال، لكن ألا تتفق معي أنه كي تحافظ على صحتك تحتاج إلى المال؟ بل حينما تصيبك نزلة برد تسارع كي تؤمن علاجك باختيار الطبيب الماهر مهما بلغت قيمة الكشف ماديًّا! وأنت ترجو الشفاء من الله، لذا فإن امتلاكك القدر الكافي من المال سيمكنك من أن تعيش حياة كريمة بعيدًا عن الديون والهموم!

وحينها يمكن أن تضيف السعادة الداخلية، وأن تنسج خيوطها الرقيقة حول روحك حينما تتجنب الاحتياج المادي مما يتيح لك فرصة الاستمتاع بجمال الحياة، حينما ترتقي روحك عن مادياتها،

وحينما تحتضن طفلك وتشعر بأنفاسه تداعب وجهك، وحينما تعد فنجان قهوتك الصباحية، وحينما تستنشق رائحة المطر وهي تعانق عطرك المفضل، بل وحينما تقوم بأمورك الروتينية.

نعم، المال قد يشتري السعادة لما يوفره من تلبية احتياجات الإنسان الأساسية، لتكون الطريق مفتوحة لخلق مساحات من السعادة الحقيقية.

السعادة عادة وسلوك

تلك السعادة الحقيقية هي إحساس داخلي يمكن أن يأتي من أشياء معنوية صغيرة، ولذلك تؤكد الأستاذة الأمريكية إليزابيث كولين دان أن المال يفقد تأثيره على سعادة الإنسان بمجرد أن يتخطى دخله 75 ألف دولار سنويًّا!

خاصة بعد أن يعتاد امتلاك رفاهيات الحياة، حينها لا بد أن يعمل بنفسه على زيادة سعادته، وهذا بالتأكيد لن يحدث عفويًّا، بل يحتاج إلى ممارسة وتدريب.

ويؤكد شريف عرفة في كتابه إنسان بعد التحديث: “إن هناك عشرات من التمارين الذهنية التي ينصح بها علماء علم النفس الإيجابي –بعد أن أثبتت جدواها بتجارب عملية– تزيد من سعادتك إذا مارستها وطبقتها باستمرار، لا أن تقرأها فقط”.

فإن قراءة كتاب عن السباحة لن يجعلك سباحًا، وكذلك معرفة مساحة المسبح، وحجم المياه فيه، وعمقه لن يزيد مهاراتك الرياضية، بالتأكيد لن تتقن السباحة إلا إذا تدربت على السباحة نفسها،

فالسعادة لا تأتي بمجرد قراءة هذه السطور، إن السعادة ستكون مجانية حينما تصنع لنفسك قائمة سعادة، قائمة تتدرب عليها، وتمارسها في كل وقت، عندها تصبح السعادة عادة.

اقرأ أيضاً:

 كيف سيطر المال على عقول البعض

الشهرة والمال

البحث عن السعادة .. والعوالم الممكنة

خطوات تقودك للسعادة

المال والسعادةلكي تكون السعادة عادة مارس الوصفات التالية، ونصيحتي لك اختر وصفة واحدة، وحاول تنفيذها بعد الانتهاء من قراءتك، جهز ورقة وقلمًا وهيا، فقد حانت الفرصة لكي تغتنم بعض لحظات السعادة:

  • اشكر ربك: اذكره ذكرًا كثيرًا، وسبحه بكرة وأصيلا، واحمده حمدا يليق بذاته الكريمة، فقد منحك الحياة، وكل يوم تعيشه هو هدية من الله، اشكر ربك بقلبك وعقلك ولسانك.
  • عدد نعمك: اكتب عددًا من النعم التي تنعم بها، اكتب عددًا من النعم التي تحدث لك كل يوم، وقد تعودت عليها فأصبحت لا تشعر بها، واستعذ بالله من زوال النعم.
  • امتنّ لغيرك: اكتب كلمات قليلة تعبر فيها عن اعترافك بالفضل والجميل لكل إنسان أسدى إليك نصحًا أو معروفًا، أو دعا لك دعوة بظهر الغيب.
  • تذوق الحياة: استمتع بالتفاصيل الصغيرة في كل شيء تفعله، وأنت تعد فنجان قهوتك، وأنت تمشي بصحتك، وأنت تتسوق، وأنت تستمع لموسيقى تحبها.
  • استمتع بالعطاء: أسعد غيرك ولو بابتسامة، أو بمكالمة صوتية، أو برسالة نصية، تصدق ترزق، وأنفق مما تحب، اذكر من تحب في دعائك.
  • استرجع الذكريات: تأمل صورك مع من تحب، استشعر دفء حضن أمك، تذكر دعم أبيك في كل موقف.
  • تحدث عن نفسك: قدر نفسك، وعدد قدراتك، افتخر بكونك مُنجزًا، فمن أنجز مرة ينجز ألف مرة.
  • شارك السعادة: انقل خبراتك السعيدة للآخرين، ولا تبخل بالكلمة الطيبة، والابتسامة الصادقة.
  • عزز نفسك: كافئ نفسك بقطعة شكولاتة، أو بطعام تحبه، أو بلقاء مع صديق تستمتع بحديثه.
  • توقع الخير: تفاءل خيرًا تجد الخير، أغمض عينيك وتخيل أنك تحقق آمالك وأحلامك.
  • عش سعيدًا: لا تترك فرصة تتاح لك فيها السعادة إلا وأنت تعيشها بكل أحاسيسك ومشاعرك.

هل المال يصنع السعادة؟

وأخيرًا صديقي الفيلسوف أنا مدين لك أن جعلتني أتذكر حديثنا اليوم، بعد مرور هذه السنوات، ولكم تملكني شعور بالسعادة وأنا أتذكر ابتسامتك الهادئة الحزينة وأنت تتساءل هل المال يشتري السعادة؟ لكنني حتما هذه المرة لن أجيب!

وسأترك الإجابة لك عزيزي القارئ.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. عمرو مختار

أستاذ مساعد المناهج وطرق التدريس – جامعة كاستامونو – تركيا.

أستاذ مساعد تكنولوجيا التعليم – الجامعة الأمريكية بالقاهرة – مصر.