اللهو الخفي
كان ياقوت دودة كتب، كما يطلقون على من تكون القراءة عادته الدؤوبة، في ذلك الوقت كان دائما متقد الذهن، يستوعب شرح معلميه للدروس من المرة الأولى،
كما يحصّل أعلى الدرجات في كل الاختبارات بأقل مجهود في المذاكرة، ينام مرتاحا كمن ينام على وسادة من ريش نعام تهتز به في قارب يتأرجح فوق موج هادئ، يستيقظ برأس ممتلئ بالحماس وعينين تبرقان من فرط التركيز.
حوار بين ياقوت ووالده
ذات يوم دار حديث بينه وبين أبيه حيث سأله:
*قل لي يا بني، ماذا تحب أن تكون في المستقبل؟
-أجاب ياقوت بحماس شديد: أريد أن أصبح عالم فيزياء.
*يا له من تخصص! ولماذا اخترت هذا الطريق الصعب؟
-يا أبي إن أمتنا تحتاج لمن يعيش من أجلها كما تحتاج لمن يضحي بعمره من أجله، مثلها مثل بقية الأمم، وإن لم تجد من يفعل ذلك فهي إذن أمة غارقة في ظلام وتحتاج من ينتشلها منه.
*بارك الله فيك يا بني، دائما ما تبهرني بكلامك الواعي المنمق. قل لي من أين لك بهذا القول الحكيم؟
-إنها القراءة يا أبي، تنير العقل وتفتح له آفاقًا واسعة، لقد قال العقاد: “إن الفكرة الواحدة كالشاطئ الضيق، والفكر المتعددة كالمحيط الواسع”.
ياقوت على مواقع التواصل الاجتماعي
حقق ياقوت حلمه وحصل على أعلى الدرجات في السنة النهائية من التعليم العام ثم التحق بكلية الهندسة. تعرف على أصدقاء جدد، وبدأ حياة جديدة.
كانت هدية والده له في بداية عامه الجامعي الأول هاتفًا محمولًا، حين كان ياقوت فيما مضى يستخدم هاتفا عاديا باختياره، حتى لا تشغله عن المذاكرة التطبيقات المختلفة التي طالما قرأ عنها وعن الهوس بها، أو تجعله يسهر كزملائه فلا يأخذ القسط المناسب من الراحة والنوم.
إلا أن لكل جواد كبوة، فقد شغلت التطبيقات ياقوت وبهرته بما تحويه من كم معلوماتي جبار، وهو المعتاد على الثقة فيما يقرأ حيث كان يقرأ دائما من كتب قيمة لمؤلفين معروفين،
فإذا به يصدق بكل سلامة نية ما يصل إليه من معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي، وإذا به ينبهر بالمتابعين الذين أقبلوا عليه لما وجدوا في منشوراته من ثقة وثقافة وعمق.
عواقب انشغال ياقوت بمواقع التواصل الاجتماعي
أصبح الهاتف المحمول هو شغله الشاغل طوال الوقت، وفي ظنه أنه يصنع خيرا ويساعد في نشر الثقافة، حتى جاءت امتحانات منتصف الفصل الدراسي الأول، ليجد نفسه لا يجد الوقت الكافي لتحصيل ما فاته، بل ولا يستطيع الابتعاد عن الهاتف في عز الامتحانات.
كانت صدمته كبيرة وصدمة والده أكبر عندما ظهرت النتيجة وكان تقدير كل المواد ضعيف، فسأله والده بحزن: كيف حدث ذلك يا ياقوت؟
إنه خطئي يا أبي، شغلتني مواقع التواصل الاجتماعي عن التحصيل والمذاكرة، ظننت أنها قد تنفع الناس وتنفعني ولكن بعد فترة اكتشفت أن وقتي ضاع هباءً، كان الوقت سينفق في مكانه الصحيح إذا نمت جيدا ومارست هوايتي المفضلة وذاكرت دروسي، ولذلك أعدك أن لا أكرر هذا الخطأ وأن أعوض ما فاتني.
(تمت)
اقرأ أيضاً: