أندلسيات .. الجزء الثاني
السنوات الأولى من فتح الأندلس
لم أكن أنتوي التوقف كثيرا عند بدايات الفتح الإسلامي للأندلس، لكن الكتاب الذي صدر عن مؤسسة البابطين يتضمن دراسة لباحث إسباني عكف على قراءة وثائق كنسية.
يقول إن الحوليات التي درسها لا تشير إلى شيء حدث عام 711، وهو أمر يدعونا إلى التوقف قليلا.
يتفق الباحثون الأوروبيون على أن السنوات الأولى للفتح -هم يسمونه غزوا بالطبع- كان يكتنفها الغموض، ومنهم من يذهب إلى أنه لم يكن هناك غزو أصلا (يستندون إلى أن موسى بن نصير كان قد بلغ السبعين من عمره، ومن ثم لم يكن يصلح لقيادة جيش، خاصة في بلد يفصله بحر عن الدولة الإسلامية).
يؤكد الباحث أن الوثائق الكنسية كانت ترصد كل شيء، ويرى أنه عندما لا تشير تلك الوثائق من قريب أو من بعيد إلى “شيء حدث” عام 711، فللمرء أن يشكّ في حدوث الغزو أصلا.
متى وصل المسلمون إلى إسبانيا؟
بعد فترة غير قصيرة تشير الوثائق إلى وجود المسلمين، وترى أنه عقاب إلهي للمسيحيين الذين انهمكوا في الملذات وخالفوا تعاليم المسيح.
الشيء الغريب هو أن الجانب الأوروبي يتحدث عن وصول مسلمين إلى إسبانيا قبل طارق بن زياد، بل قبل طريف: إنهم التجار الذين عرف الإسبان من خلالهم مبادئ الإسلام.
أضف إلى ذلك أنباء عن حفريات لقبور مسلمين في فترة سبقت عام 711. لا أدعو بالطبع إلى تبني وجهة النظر الأوروبية كاملة، بل إلى دراسة تراثنا التأريخي والأدبي، حتى يمكننا الاتفاق أو الاختلاف مع الأوربيين فيما ذهبوا إليه.
عقدة الأندلس تلقي بظلالها على العرب
الهدف من هذه السلسلة الموجزة ليس التأريخ بطبيعة الحال، بل الدعوة إلى مناقشة الجانب الأوروبي مناقشة موضوعية، تعتمد على الوثائق وعلى المنطق، وتبتعد عن السرد العاطفي.
الباحث الأوروبي يبحث عن الوثائق رغبة في معرفة الحقيقة، وهو لا يرفض الوثائق العربية، بل يعكف على دراستها دراسة بعيدة عن الهوى.
مشكلتنا في العالم العربي هي أننا ننظر إلى الأندلس على أنه “الفردوس المفقود” (شاعرنا يخاطب أهل الأندلس قائلا: “ما جنة الخلد إلا في دياركم”)، وهو مصطلح يحتاج إلى توقف، ولعل من المناسب أن نطرح سؤالا: هل كان الأندلس “فردوسا” بالفعل؟
الأندلس لم تكن جنة الله على الأرض
تعالوا نذهب إلى اليونان القديمة، وهي تقع من أوروبا موقع الأندلس من العرب تقريبا. بالغ الناس في الإشادة بالحضارة اليونانية حتى جعلوها خيرا محضا، جنة الله على الأرض، لكن البحث الموضوعي أثبت أن المجتمع اليوناني القديم لم يكن خيرا كله، بل كان يجمع بين الخير والشر.
لاحظ أن الباحث الأوروبي يراجع نفسه استنادا إلى وثائق، ولا يعترض أحد، فالحكمة ضالتهم التي ينشدونها. من هذا المنطلق -منطلق معرفة الحقيقة- قالوا إن الأندلس لم تكن جنة الله على الأرض، من حيث تطبيق العدل.
أما من حيث الجمال المادي فلم تكن الأندلس بالجمال الذي نتصوره. (سنرى لاحقا أن الآثار الأندلسية التي نراها على هذه الصورة اليوم ليست من عمل المسلمين وحدهم، بل أسهم فيها الإسبان في القرن الأخير).
ما لا يختلف عليه أحد هو جمال الطبيعة في الأندلس، لكن هذا الجمال ليس حكرا على هذه الأرض، ويكفي أن تتجول في بلاد الله الواسعة لكي تدرك أن بلادنا الإسلامية، وبلاد أوروبا وأمريكا الجنوبية مثلا، فيها من الجمال الطبيعي ما لا يقل عن جمال الأندلس.
اقرأ أيضاً:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا